خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في محاولة منه لإحتواء الغضب الشعبي والدعوات الداعية لمحاسبة الفاعلين الحقيقيين، وهو الأمر الذي قد يضعه في مأزق يُندي الجبين بسبب ما يتم تداوله من العلاقة المباشرة لـ”إيران” في قتل المتظاهرين والمتعارف عنه من دعمها له، حيث تعهد رئيس الوزراء العراقي، “عادل عبدالمهدي”، أمس، بمحاسبة كل المقصرين خلال المظاهرات التي شهدها “العراق” مؤخرًا؛ مهما كان موقعهم.
وتوجه “عبدالمهدي”، في بيان، بالتهنئة للشيعة الذين يحتفلون بذكرى “أربعينية الحسين”، وقال: “أُحيي أبناء قواتنا المسلحة والأجهزة الأمنية والوزارات والمتطوعين وأصحاب المواكب الذين يحمون المواطنين، ويوفرون لهم الخدمات الطبية والغذائية على طول الطرقات المؤدية إلى كربلاء”، حسبما نقلته وكالة الأنباء العراقية، (واع).
ووسط هتافات: “يا فاسد إطلع برة”؛ يحيي ملايين الشيعة في “العراق”، منذ أمس، مناسبة “أربعينية الحسين”؛ في ظل إجراءات أمنية مشددة وسط مدينة “كربلاء” جنوبي “بغداد”.
وشهد “العراق”، منذ الأول من تشرين أول/أكتوبر الجاري، مظاهرات بدت عفوية تُحركها مطالب اجتماعية، لكنها ووجهت بالرصاص الحي.
وبلغت الحصيلة الرسمية لأعمال العنف التي طالت “بغداد” وجنوب “العراق”، ذي الغالبية الشيعية، أيضًا أكثر من مئة قتيل وأكثر من ستة آلاف جريح.
وأعلن “عبدالمهدي”، الحداد ثلاثة أيام على قتلى الاحتجاجات، وقال إنه لم يأمر باستخدام الذخيرة الحية، وأعلن إجراءات تهدف إلى تهدئة المتظاهرين، بينها إجراء تعديل وزاري ومعاقبة المسؤولين الفاسدين، وتوفير فرص عمل للعاطلين، وصرف رواتب للأسر الفقيرة.
ويعاني عراقيون كثيرون من الفقر، حيث لا تكاد تتوفر لهم إمدادات مياه نقية ولا كهرباء أو رعاية صحية أساسية أو تعليم مناسب، في ظل محاولة البلاد التعافي من حروب استمرَّت سنين طويلة.
استخدام قناصة مدعومة من إيران..
ووسط تداول أنباء عن إقتراب ظهور نتائج التحقيقات الخاصة باستخدام العنف ضد المتظاهرين، قال مسؤولان أمنيان عراقيان، لوكالة (رويترز)، إن فصائل مدعومة من “إيران” نشرت قناصة على أسطح البنايات في “بغداد” خلال أكثر الاحتجاجات المناهضة للحكومة دموية منذ سنوات.
وأصبحت هذه الفصائل عنصرًا ثابتًا في المشهد الأمني العراقي مع تزايد النفوذ الإيراني في البلاد. وأحيانًا تعمل هذه القوات بالاشتراك مع قوات الأمن العراقية، لكنها تحتفظ بهياكل القيادة الخاصة بها.
وقال المصدران الأمنيان، لـ (رويترز)؛ إن قادة فصائل متحالفة مع “إيران” قرروا من تلقاء أنفسهم المشاركة في إخماد الاحتجاجات الشعبية على حكومة رئيس الوزراء العراقي، “عادل عبدالمهدي”، الذي تحظى إدارته منذ تولت السلطة قبل عام واحد بدعم من جماعات مسلحة قوية مدعومة من “إيران” ومن فصائل سياسية.
وقال أحد المصدرين الأمنيين: “لدينا أدلة مؤكدة بأن القناصين كانوا عناصر من المجاميع المسلحة والذين يتلقون الأوامر من قادتهم بدلًا من القائد العام للقوات المسلحة”. وتابع: “إنهم ينتمون إلى فصيل مقرب جدًا من إيران”.
وقال مصدر أمني عراقي آخر، يحضر اجتماعات يومية لإطلاع الحكومة على الوضع الأمني؛ إن رجالاً يرتدون ملابس سوداء أطلقوا النار على المحتجين في اليوم الثالث من الاضطرابات، الذي ارتفع فيه عدد القتلى من نحو ستة إلى أكثر من 50 قتيلاً.
وأضاف المصدر الثاني أن هؤلاء المقاتلين يقودهم، “أبوزينب اللامي”، مسؤول أمن (الحشد الشعبي)، المدعوم من “إيران”.
وقال المصدر إن قائد الحشد كُلِّف بإخماد الاحتجاجات بواسطة مجموعة من قادة كبار آخرين لفصائل مسلحة. ولم يذكر المصدران عدد القناصة الذي نشرته الفصائل المسلحة.
الحشد ينفي.. وبغداد تحقق..
من جهته، نفى “أحمد الأسدي”، المتحدث باسم الحشد؛ مشاركة تلك الفصائل في قمع الاحتجاجات.
وكان المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية، “سعد معن”، قد أكد أن قوات الأمن لم تُطلق النار مباشرة على المحتجين؛ واتهم عناصر وصفها، “بالخبيثة”، بالمسؤولية عن سقوط عدد كبير من القتلى والمصابين.
وقال “معن”، في مؤتمر صحافي في 6 تشرين أول/أكتوبر 2019؛ إن الحكومة فتحت تحقيقًا لتحديد من الذي أطلق النار على المحتجين ومن الذي أمر به.
نفي ثم أعتراف حكومي..
إلا أن الحكومة العراقية عادت وأقرت، في 7 تشرين أول/أكتوبر الجاري، باستخدام قوات الأمن القوة المفرطة وتعهدت بمحاسبة المسؤولين عن العنف مع المدنيين.
في سياق متصل؛ اعتبر مسؤول بمكتب رئيس الوزراء، في بيان لـ (رويترز)، يوم الأربعاء الماضي؛ أنه سيكون “من المبكر إلقاء اللوم على أي من الأطراف، سواء من الحشد أو من أفراد الأجهزة الأمنية الأخرى قبل الإنتهاء من التحقيق. لننتظر نتائج التحقيق وسنعرف من أعطى الأوامر بإطلاق النار”.
دليل على نفوذ إيران بالعراق..
ويعتبر دور “إيران”، في الرد على المظاهرات، بمثابة تذكير آخر بنفوذها في “العراق”، حيث أصبح عدد من قادة الفصائل السابقين أعضاء في البرلمان يدعمون التوجهات الإيرانية.
كما يعتبر استقرار الحكومة العراقية من مصلحة “إيران”، التي يتزايد نفوذها في “العراق” منذ 2003؛ عندما أطاح الغزو الذي قادته “الولايات المتحدة”، بـ”صدام حسين”، ألد أعداء “طهران”. وقد أصبحت “إيران” أكبر شريك تجاري لـ”العراق”.
توقعات بعزم “عبدالمهدي” تقديم استقالته..
ونتيجة للأحداث الأخيرة، كشفت صحيفة (الإندبندنت) البريطانية، عن عزم رئيس مجلس الوزراء العراقي، “عادل عبدالمهدي”، تقديم استقالته رسميًا قبل يوم 25 تشرين أول/أكتوبر 2019، مشيرة إلى أن تحالفي (الفتح) و(سائرون) سيتخليا عنه إذا كان هذا ثمن تهدئة التظاهرات والغضب الشعبي.
الصحيفة، أوضحت في تقرير لها؛ نقلًا عن مصادرها المطلعة، إن “عبدالمهدي” يفكر في تقديم استقالته، قبيل الموعد الذي حدده نشطاء لإنطلاق موجة تظاهرات جديدة، وهو الخامس والعشرين من الشهر الجاري، بعد تلك الدامية مطلع الشهر، استجابة لمقترح أطراف سياسية، وجدت في هذه الخطوة سبيلاً لتهدئة الشارع.
وتضيف، وفقًا للمصادر، أن “عبدالمهدي” تداول، الأسبوع الماضي، في قرار استقالته، مع ممثلين عن كتلتي (سائرون) و(الفتح) النيابيتين اللتين رشحتاه لمنصبه، لكنه سمع رفضًا صريحًا لهذه الخطوة حينذاك، مشيرًة إلى أن الوضع تغير الآن، مع إصرار نشطاء على تنظيم تظاهرات جديدة بعد أيام، ربما ستطالب بإسقاط النظام السياسي كله.
ثمن لتهدئة المتظاهرين..
ويشير التقرير، بناءً على ما أوصلته تلك المصادر، أن ممثلو (سائرون) و(الفتح) ربما تخلوا عن خطة التمسك بـ”عبدالمهدي”، إذا كانت استقالته من منصب رئيس الحكومة، ثمنًا كافيًا لتهدئة المتظاهرين، مؤكدة أن موضوع الاستقالة هذه المرة “جاد للغاية”، لا سيما بعدما أرتبط اسم رئيس الوزراء العراقي بحملة قمع دموية ضد المحتجين مطلع الشهر، ما أسفر عن قتل وجرح واعتقال الآلاف.
وكشفت الصحيفة البريطانية أيضًا أن “عبدالمهدي” لم يبقى له أي داعمين سياسيين في هذه المرحلة، بحسب المصادر، التي توضح أن خيار الاستمرار والاستقالة متساويان الآن لدى “عبدالمهدي”، الذي بات يملك بمفرده تحديد مصيره.
“الصدر” يدعو للثورة ضد الفساد ويقترح إجراء انتخابات مبكرة..
بالتزامن مع ذلك؛ أعلن زعيم التيار الصدري، “مقتدى الصدر”، أمس، عن تأييده للتظاهرات التي من المقرر أن تنطلق في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، فيما انتقد بشدة العملية السياسية والحكومة التي وصفها بالعجز في إيجاد حلول للأوضاع التي تعيشها البلاد، اقترح بإجراء انتخابات مبكرة باشراف دولي في حال عدم الذهاب إلى “الثورة” ضد الفساد.
وقال “الصدر”، في بيان؛ مخاطبًا المتظاهرين: “لعلكم عزمتم أمركم على أن تتظاهروا، في الخامس والعشرين من الشهر الميلادي، وهذا حق من حقوقكم”.
وأستدرك القول: “لكني أريد أن أطلعكم على ما يجري خلف الستار؛ كل السياسيين والحكوميين يعيشون في حال رعب وهيستيريا من المد الشعبي، وكلهم يحاولون تدارك أمرهم، لكن لم ولن يستطيعوا فقد فات الأوان”.
وزاد بالقول: “كلهم يريدون أن يقوموا ببعض المغريات لإسكاتكم كالتعيينات والرواتب وما شاكل ذلك؛ كلهم قد جهزوا أنفسهم لأسوأ السيناريوهات كلهم اجتمعوا على إيجاد حلول، لكن لن يكون هناك حل، فالحكومة عاجزة تمامًا عن إصلاح ما فسُد، فما بُني على الخطأ يتهاوى”.
ومضى بالقول: “كلهم علموا أنهم سلموا أنفسهم لمن هم خارج الحدود وأنهم سوف لن يستطيعوا إصدار أي قرار من دون موافقاتهم، وكل حسب توجهاته، وكلهم أيقن أن العراق صار ساحة لتصفية الحسابات الداخلية والخارجية، وكلهم أذعنوا أن أغلبية الشعب لا تريدهم؛ خصوصًا بعد أن أضافت ثورة الأكفان رونقًا جديدًا، لذا صاروا يلجؤون إلى المكر والدهاء فينعتونكم بالسفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يشعرون”.
وأشار إلى أنه: “ينعتونكم بالمندسين والمدعومين من خارج الحدود؛ وكل ملآذاتهم وملذاتهم من خارج الحدود، وينعتونكم بالبعثية والخيانة مع المحتل ونحن وأياكم سنصدح كما صدحت حناجرنا بكلا كلا يا بعثي كلا كلا أميركا”، مضيفًا أنه: “اليوم يشيعون أنكم ستحملون السلاح ولا أظنكم ستفعلون فأنتم غير متعطشين للدماء”.
وخاطب “الصدر”، المتظاهرين، بالقول: “أيها الثوار الأحرار يا عشاق الإصلاح لا يُصلح العراق من حيث يَفْسُد، ولتتحدوا كشعب واحد، ولمطلب واحد، ولهدف واحد، وبشعار واحد، وأياكم أن تتفرقوا فقوتكم بوحدتكم، ولتعلموا أنكم أمام أنظار العالم كله؛ بل البعض تأسى بكم فقد دب الحماس في قلوب الشعوب العربية وأولها لبنان”.
وقال أيضًا: “أيها الشعب العراقي الحبيب إن أردتم التحرر من الفساد فلتصلحوا أنفسكم ثم لتقولوا قولتكم ولترفع أصواتكم.. فلن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم؛ أيها الشعب الآبي إن خيراتكم أسيرة بيد الفاسد، وأن أمنكم أسير بيد الفاسد، وأن هيبتكم بيد الفاسد، وأن كرامتكم بيد الفاسد، وأن لقمتكم بيد الفاسد، وأن ديمقراطيتكم وانتخاباتكم بيد الفاسد، وأن حريتكم بيد الفاسد، فإن أردتم أن تكونوا أحرارا في وطنكم فعليكم التخلص من الفساد والمفسدين، ولا تأمل من حكومتكم أن تحاكمهم فحاكموهم ليشهد التاريخ لكم بأنكم أُباة الفساد”.
وتابع “الصدر”، في خطابه للمتظاهرين؛ بالقول: “لكن العراق أمانة في أعناقكم فلا تضيعوه، وإن شئتم الإحجام عن الثورة، فلكم ثورة أخرى عبر صناديق إقتراع بيد دولية أمينة ومن دون اشتراك من تشاؤون من الساسة الحاليين؛ فأمنعوهم حتى لا يعودوا عليكم بالفساد والخسران”.
عجز حكومي غير قادر على تلبية مطالب الشعب..
تعليقًا على بيان “الصدر”، قال “هاشم الشماع”، عضو مركز “العراق” للتنمية، لـ (كتابات): “كان خطاب السيد، مقتدى الصدر، الذي وجهه إلى الجماهير الراغبة بالتظاهر، يوم 25/10، هو بمثابة التأييد المطلق لهذه الخطوة، وهو بمثابة التحصين للتظاهرات وحفظها من أي إعتداء يؤدي إلى إراقة الدماء ويخرجها عن السلمية، كما حصل في تظاهرات بداية الشهر، والصدر يريد من هذا الخطاب إظهار القوة في تغيير أي وضع لا يتماشى مع رغبة الشارع ومزاجه، خاصة وأن قراءة الصدر للحكومة إنها غير قادرة على تقديم المزيد وهي متأخرة عن طموحات الشعب، لكن يجب أن تتسع دائرة الخطاب ليشمل جميع الطبقة السياسية التي رمت بسهام الخيبة في قلب الشارع العراقي”.
وبرأيي أن السيد “مقتدى الصدر” بما أنه دفع الشارع وشجعهُ على التظاهر، عليه أن يتوقع أسوأ الاحتمالات لأن الأحداث تسير بسرعة جدًا مع ما يجري من أحداث خطرة على المشهد الإقليمي، وأقصد هنا أن يضع في حساباته البدائل والخطط إذا ما أنزلق الوضع إلى ما لا يحمد عقباه.
دعوة جيدة..
أما دعوته بإجراء انتخابات مبكرة وبإشراف أممي، فهذه دعوة جيدة، لكن بشرط أن تغير القوى السياسية منهجها الفاشل في الإدارة وتغيير الوجوه التي لم يعد المواطن يريد رؤيتها، وضرورة تبخير المحاصصة والتوافقات، ودعم وتقوية القضاء، وتقديم الفاسدين للمحاكم المختصة، وبث الجلسات عبر الفضائيات ومصادرة كل ما سرقوه من أموال الشعب.
وهنا توجد نقطة من المهم إدراكها من قِبل المتظاهرين؛ وهي عليهم أن يفرقوا بين هذه المفاهيم: هناك فروق بين الثلاث :
النظام: هو برلماني، رئاسي ملكي.
الحكومة: وهي التي تولد من الانتخابات.
العملية السياسية: وهي التي تنطوي تحتها كل المفاهيم السياسية، من انتخابات ودستور وحكومة ومجلس نواب، وقوى سياسية، وغيرها.
وتسائل “الشماع” قائلًا: بوصلة المتظاهرين أين تتجه من هذه الثلاث، هل إلى إسقاط النظام، أم الحكومة، أم العملية السياسية برمتها ؟.
ويرى إن إسقاط النظام، أو الحكومة، لا إشكال فيهما، كوّن هذان المفهومان ممكن العمل على بنائهما من جديد. لكن الخطر كل الخطر في إسقاط العملية السياسية برمتها، هنا سندخل في الفوضى وإلي ما لا يحمد عقباه.
ويشدد على وجوب التظاهر من أجل تقويم، وترشيد، وتطهير العملية السياسية من الإعوجاج، والإنحراف، ومن الفاسدين.