17 نوفمبر، 2024 5:36 م
Search
Close this search box.

من حافة الشجرة بدأ التاريخ

من حافة الشجرة بدأ التاريخ

ثم يدور الزمان دورته, وإذا بخلفاء الصبابة, يعيدون أمجاد الشهداء, يسيرون على درب المنيا, يعشقون الموت, كعشق الهيام.

سمعنا بان محافظة الناصرية تسمى بالشجرة الخبيثة, وباتت تعرف وتكنى بهذا الاسم الغير منصف بحقها, هذه المدينة الغراء الخالد التي قارعت أحتلال الإنكليز, أبان مطلع العشرينيات, وعرفت بثورة العشرين.

عادةٍ الكاتب يرسم ما يدور بذهنه, ولا يتجاوز حدود فهمه, إذا ما تثاقلت عليه الهموم, له مشاعر ككل الناس, و لكن يفوقهم إلى حدٍ كبير, البعض ينظر إلى الشجرة شجرة, والكاتب ينظرها بكل تفاصلها وجمالها, أغصانها أوراقها ألوانها. يتطلع ألى قصة سحرها الخلاب.

ليس الكاتب فحسب من يحمل المشاعر والأحاسيس, بل يحملها كل إنسان يدرك الحقيقة, ويمكنه ترجمة ما ترى عيناه, ويعبر عما يدور ما بداخله من فرح, أو حزن عكس غيره.

مرةٍ سالت صديقي قلت: له صف لي تلك الشجرة, أختصر بقوله: إنهاء جميلة! وأنا بالحقيقة تألمت, من إجابته, لأنه لم ينصفها, ولم يبين حقيقة وقصة جمال الشجرة, و ما رأت عينيه, وسمعت أذنيه, من قصص الأبطال والشجعان, الكامنين تحت ظلالها.. فقلت: له خذ عيوني كي اريك ما خافٍ عنك.

بالناصرية شجرة خضراء, مطلة على نهر الفرات, مترامية الأطراف, تلقي بظلالها على مفترق الطريق, وأغصانها متدلية على الأكتاف, وقطوفها دانية وكأنها لوحة, خطت بمزيج متناسق, بلون البارود, على يد أفذاذ, يجيدون الرسم ببنادقهم نحو المحتل البريطاني.

مدافعين عن الأرض والعرض, فصوروا لنا بدريون ذلك الزمان أجمل صور الملاحم, وأكثرها إثارة, من شجرة الناصرية, وضفاف الفرات, انطلقت الهمة والعزيمة, لمقارعة المحتل, الذي تعود المرور بتعزيزاته وذخيرته, عبر نهر الفرات, كمنوا لهم الأفذاذ, تحت وبين أغصان شجرة المفخرة, ومنها انطلقت أول شرارة الغضب.

هي معركة الغليوين ومعركة الفضيلة, أدت بخسارة الانكليز, خسارة فادحة, بالأرواح والمعدات, كانت هذه الشجرة, هي عنفوان وكبرياء رجال العزة والكرامة, التي إطاحة بكبرياء الاحتلال البريطاني, وأثارت هذه الحادثة غضب الجنرال الانكليزي, بعد ما عرف الكمين من شجرة حافة النار, فأطلق عليها أسم غيظ.. بالشجرة الخبيثة!

فمن الطبيعي أنك ترى بوضوح وإعطاء صورة حقيقة, من السؤال؟ وليس القصد بأن صديقي غير منصف بجوابه, مع أنه يحمل نفس المشاعر والأحاسيس والفكر, لكن أود القول: كل إنسان وله حرفته, وحرفة الكاتب أو الشاعر تختلف عن غيره.

هذه الحرفة, هي التي ترى وتروي, صورة من يعيد لنا أمجاد الآباء و الأجداد, ومنهم الشهداء الأفذاذ, وعلى رأسهم الشهيد, و خليفة الشهداء(علي سالم جابر) الشاب العشريني, أبن الشجرة الطيبة, من الناصرية, الذي يذكرنا, بثورة العشرين, الفارس الأعزب, والبطل الغشمشم, كان عشقا للموت كعشق الهيام, قارع أكبر ماسونية عرفها التاريخ.

أفترش الساتر تلوى الآخر, وتشهد له رجالات الحرب, و صوت دوي الإنفجارات, ويكبر له أزيز الرصاص, في معركة الصقلاوية, ويهلل له بمعركة عامرية الفلوجة والخالدية, وتمجد له غرب نينوى المفخخات تمجيدا..

كان رحمه الله من العبد الركع السجود, محبا لوالديه, عاشقا إلى أهله وأصدقائه, و محبا للجهاد في سبيل الله, راح شهيدا سائرا على درب المنيا, من أجل تطهير الأرض من داعش.

رسالتي: الشهيد(علي) أبن قلعة سكر, بدمه الطاهر, أعاد لنا همم مفخرة رجال الشجرة الطيبة, و أمجاد ثورة العشرين.

أحدث المقالات