خاص : ترجمة – آية حسين علي :
دفعت تصرفات “تركيا”، الأكراد، إلى بدء حوار مع “دمشق” بوساطة روسية، بحسب تصريح المبعوث الروسي إلى سوريا، “إلكسندر لافرينتيف”، وهو ما يؤكد صحة توقعات المحللين، ويشير إلى أن الطرف الرابح من هذه المعركة هو الرئيس، “بشار الأسد”.
وتحارب القوات التركية في شمال شرقي “سوريا” وسط معارضة من كل الأطراف، بداية من “حلف شمال الأطلسي”، (ناتو)، العضوة فيه، وحتى “روسيا” و”الولايات المتحدة”، فمن جانب وصفت، “روسيا”، الهجوم بأنه “غير مقبول”؛ كما طالب (الناتو) من “أنقرة” وقف العملية فورًا، بينما خرجت مطالبات بإقصاءها من الحلف.
الأمين العام لـ”الناتو” أبتلع كلامه..
حدث إنحرافًا كبيرًا في موقف (الناتو) إزاء عملية “شرق الفرات”، إذ أعرب الأمين العام للحلف، “ينس ستلولتنبرغ”، الجمعة الماضي، عن تفهمه للمخاوف الأمنية لـ”أنقرة” تجاه الوضع الأمني في شمال شرقي “سوريا”، ووصفها بأنها مشروعة، وتوقع أن يستمر الحلف في دعم “تركيا” التي تقف على الخط الأمامي في منطقة متفجرة.
لكن “ستلولتنبرغ” تعرض لانتقادات واسعة، خلال الجلسة العامة للجمعية البرلمانية للحلف، الإثنين الماضي، ووصف بأن تعامله مع “أنقرة” ضعيف، وطالبته دول أعضاء بالتعامل بحزم مع ما يفعله “إردوغان”؛ لأنه يحمل في طياته عودة التهديد الإرهابي وزعزعة الاستقرار في المنطقة.
لكن، الثلاثاء، شهد تغيرًا كبيرًا في موقف الأمين العام لـ (الناتو)، إذ أصدرت رئاسة الوزراء البريطانية بيانًا ذكرت فيه أن رئيس الوزراء البريطاني، “بوريس غونسون”، و”ستلولتنبرغ”، أكدا على ضرورة إنهاء العملية العسكرية التركية، وشددا على ضرورة التركيز على هزيمة (داعش) والحرص على عدم خسارة المكاسب التي تحققت، خلال السنوات الماضية.
الاتحاد الأوروبي.. حظر سلاح وإدانة واسعة..
تخشى دول “الاتحاد الأوروبي” من التأثير السلبي الذي قد ينتج عن العملية التركية في “سوريا”، وأوضح مسؤولون أن زعزعة الاستقرار في المنطقة قد يمنح الفرصة لتنظيم (داعش) للعودة من جديد، وقد يؤثر هذا الأمر على أمن واستقرار دول الاتحاد، كما حذر المتحدث باسم “قوات سوريا الديموقراطية” من أن الصمت الأوروبي سوف يؤدي إلى زحف مقاتلي (داعش) إلى “أوروبا”، كما يخشى من عودة سيل المهاجرين إلى الدول الأوروبية، إذ فر نحو 100 ألف شخص منذ بداية المعارك، بحسب “الأمم المتحدة”.
جاء الموقف الأول، والأكثر بروزًا بين دول “الاتحاد الأوروبي”، من “ألمانيا”، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي؛ فبداية حذر وزير الخارجية الألماني، “هايكو ماس”، من أن تتسبب العملية في كارثة إنسانية أخرى تؤدي إلى موجة نزوح جديدة، وطالبت نائبة رئيس البرلمان، “كلوديا روت”، (الناتو)، بإعادة النظر في عضوية “تركيا” وإلا يتوقف عن التحدث عن تحالف القيم، ووصفت العملية التركية بأنها: “حرب مخالفة للقانون الدولي”.
وعلى المستوى الشعبي، فقد نُظمت مسيرات في عدة مدن ألمانية للتعبير عن رفض العملية التركية ضد الأكراد والمطالبة بوقفها، كما اعترضت الجالية الكُردية في “ألمانيا”، وهي أكبر جالية كُردية في الخارج، وتمثل 1.4% من السكان، على العملية، وطالب المتحدث الرسمي باسمها بإقصاء “تركيا” من (الناتو) لقيامها بحرب هجومية، وأعرب عن أمله في أن يقرر “الاتحاد الأوروبي” عقوبات واضحة على “أنقرة”، وأن تتوقف “ألمانيا” عن تصدير السلاح لنظام “إردوغان”.
كما صرح رئيس الجالية بأن الهدف الأساس لـ”إردوغان” من وراء العملية هو طرد الأكراد من مناطقهم، لأنه يصور الأكراد على أنهم إرهابيين، في حين أنهم دائمًا منشغلين بأنفسهم ولم ينفذوا أي هجوم ضد أي دولة، وأوضح أن “أنقرة” تحاول منع تكون أي رواق كُردي يكون فيما بعد نواة لدولة كُردية، وأضاف أن الأكراد يشعرون بخيبة أمل لأنهم تركوا ليواجهوا نيران “إردوغان” لوحدهم.
بينما سبق رد الفعل البريطاني بداية الأزمة، إذ أعلنت “بريطانيا” قبل بدء العملية عن قلقها البالغ إزاء خطط “أنقرة” لشمال شرقي “سوريا”، وبعد أيام من القتال الذي أدى إلى مقتل المئات وإصابة الآلاف، وصفت “لندن”، الهجوم التركي، بغير المشروع، وأشارت إلى أنه أدى إلى زعزعة المنطقة المليئة بالاضطرابات، ثم إنضمت إلى القرار الذي إتخذته عدة دول أوروبية بحظر تصدير الأسلحة إلى “تركيا”، إلى جانب “فرنسا وألمانيا وهولندا والنرويغ وفنلندا والتشيك وإيطاليا”.
واشنطن تلوم الاتحاد الأوروبي وتهدد بمعاقبة تركيا..
يُعد الموقف الأميركي هو نقطة الفصل في المشهد برمته، فهذا الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، الذي قرر الانسحاب من منطقة “شرق الفرات” ليعطي الفرصة أمام “تركيا” لتنفيذ الهجوم، بحسب محللين، يؤكد أن أن بلاده لن تنخرط مرة أخرى في الصراع، ويعطي مبررات مختلفة؛ فمرة يقول إن السبب يرجع إلى عدم دعم الأكراد للحلفاء في إنزال السفينة “نورماندي” أثناء الحرب العالمية الثانية، ومرة يشير إلى أن “تركيا” والأكراد يتحاربان منذ أكثر من 200 عام، ومرة ثالثة يشير إلى أن “تركيا” عضو في حلف (الناتو)، فهل يعتقد أحد أن “واشنطن” سوف تدخل في حرب مع عضو في (الناتو) ؟!.
على الجانب الآخر، لوح الرئيس الأميركي بفرض عقوبات جديدة على “أنقرة”، واستنكر، في تغريدة له، الموقف الأوروبي، مشيرًا إلى أن الفرصة سنحت لـ”الاتحاد الأوروبي” للحصول على أسرى (داعش)، لكنه يتعامل بمبدأ “دع الولايات المتحدة تدفع”، وأشار إلى أن الأكراد قد يفرجون عن بعض أسرى التنظيم لدفع “واشنطن” إلى الإنخراط في الصراع، مشددًا على أنه إذا حدث ذلك سيكون على “الاتحاد الأوروبي” و”تركيا” التحرك بسرعة وإعادة أسرهم.
“إردوغان” يمتلك مبرراته..
ومع ذلك، تُصر “أنقرة”، بقيادة الرئيس، “رجب طيب إردوغان”، على الاستمرار والمضي قدمًا حتى تحقيق الهدف الذي تقول بأنه كان متفق عليه مع “واشنطن” قبل انسحابها، وأنهما وضعا له مدة زمنية تمتد إلى 90 يومًا، لكن رغم مرور عام كامل إلا أن القوات الأميركية لم تلتزم بتعهداتها، وربما هذا ما يبرر ما قيل عن إعطاء “واشنطن”، الضوء الأخضر، لـ”أنقرة” من أجل الهجوم من خلال سحب قواتها من المنطقة قبيل بدء العملية.
وأمام الرفض الأوروبي للهجوم التركي الذي يستهدف الميليشيات التابعة لـ”وحدات حماية الشعب” الكُردية، يلوح “إردوغان” بورقة المهاجرين، وفي تصريح لاقى انتقادًا كبيرًا هدد بفتح الباب أمام اللاجئين، البالغ عددهم 3.6 ملايين شخص، لدخول باقي الدول الأوروبية إذا ما عارضت العملية العسكرية التي تنفذها قواته “شرق الفرات”، لكن هذه ليست المرة التي يستخدم فيها “إردوغان” أزمة المهاجرين من أجل الضغط على الاتحاد.
“إردوغان” أيضًا يمتلك الرد على “حلف شمال الأطلسي”، (ناتو)، إذ كشف أن المادة الخامسة في الحلف تنص على إلزام الدول الحليفة بدعم “تركيا” في حربها ضد “حزب العمال الكُردستاني”، وأرجع السبب وراء معارضة الحلف، للعملية التركية في “سوريا”، إلى كونها دولة إسلامية.