المتتبع لما أكتبه يعرف تحفظي على التحول إلى النظام الرئاسي، كما دعا إليه العديد من الذين شاركوا في انتفاضة تشرين الأول. وأهم ما يجعلني أتحفظ على ذلك، هو خطورة التفرد والاستبداد، عبر سوء استغلال الصلاحيات الواسعة للرئيس في النظام الرئاسي، وخاصة لتجذر روح التفرد والاستبداد عند الكثيرين في مجتمعنا وفي عموم المجتمعات الشرقية، والتي لا نضمن عدم الوقوع فيها حتى عند أكثر دعاة الديمقراطية والحريات والمواطنة وحقوق الإنسان والمساواة والحداثة، عندما يوضعون على المحك، كما إن السياسيين المتدينين لم تردعهم تقواهم المفترضة عن ارتكاب الفساد المالي والاستبداد.
ولكن أحببت أن أساير دعاة النظام الرئاسي، وأقول دعوني أدعو معكم إلى التحول إلى النظام الرئاسي. بكل تأكيد تريدون وأريد أن نضمن أن يكون العراق في ظل النظام الرئاسي ديمقراطيا لامركزيا ملتزما بمبادئ حقوق الإنسان والحقوق والحريات التي ثبتها الدستور. وهذا يحتاج إلى شروط لا بد من تحققها، لنجازف بالتحول إلى النظام الرئاسي. فهناك شروط موضوعية، كما هناك شروط ذاتية متعلقة بنفس الرئيس الذي نريد أن ننتخبه.
الشروط الموضوعية:
التعديل الدستوري، وهذا يشمل ليس فقط التعديل المتعلق باعتماد النظام الرئاسي، بل يشمل معالجة كل الثغرات، واستئصال كل الألغام في الدستور. (هنا أحيل القارئ إلى مشروع «دستور دولة المواطنة» باستثناء المواد التي يجب تعديلها في ضوء النظام الرئاسي).
أن يكون هناك محكمة دستورية عليا، بقضاة نزيهين، يتحلون بالشجاعة والاستقلالية، ويؤمنون بمبادئ دولة المواطنة الديمقراطية الحديثة، ولا يخضعون لأي نوع من الضغوط، من أجل مراقبة سير العملية السياسية، ومراقبة أداء رئيس الجمهورية الذي هو الرئيس الأعلى للسلطة التشريعية في إطار النظام الرئاسي، ويمتع بصلاحيات أوسع من رئيس السلطة التنفيذية في النظام البرلماني.
عدم المبالغة في توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية.
جعل الدورة الانتخابية لرئيس الجمهورية خمس سنوات، ودورة مجلس النواب أربع سنوات.
اعتماد النظام الرئاسي لعشر سنوات، أي لدورتين رئاسيتين، وإعادة النظر في ذلك بعد مضي العشر سنوات، إما بالعودة إلى النظام البرلماني، وهو الأرجح، لتكون هذه الفترة كافية لنشوء أحزاب مؤهلة لإدارة العملية السياسية في إطار النظام البرلماني.
حظر الأحزاب الإسلامية والأحزاب المنغلقة على أتباع مذهب أو أتباع دين أو أتباع قومية، وكذلك الأحزاب التي مارست أو مارس قادتها الفساد المالي والإداري أو مارست العنف، أو كانت ذات ارتباط بدول خارجية. نعم، ربما هناك فكرة، تكون الأولى من نوعها، يمكن أن تُجَرَّب في العراق، وهو أن نمر بمرحلة انتقالية لدورة نيابية واحدة، تُحَلُّ فيها جميع الأحزاب الحالية، ويجري الترشيح الفردي لعضوية مجلس النواب، ويجري خلالها تأسيس أحزاب بشروط توضع في ضوء تجربة العراق السياسية بعد 2003.
تقليص عدد أعضاء مجلس النواب إلى النصف، بحيث يكون نائب عن كل مئتي ألف مواطن، بدلا من مئة ألف.
يقسم العراق إلى دوائر انتخابية على أساس المحافظات، بحيث لا تتعدى الدائرة الانتخابية الخمس مئة ألف مواطن، ولا تقل عن مئة ألف مواطن، فتقسم المحافظة ذات النفوس أكثر من الحد الأدنى إلى أكثر من دائرة انتخابية، وتلحق المحافظة إذا قل عدد نفوسها عن الحد الأدنى بمحافظة مجاورة.
يجري الانتخاب ضمن القائمة المفتوحة، على أن تكون هناك قائمة محلية بحدود الدائرة الانتخابية، ودائرة وطنية.
ينتخب الناخب مرشحين اثنين إلى أربعة مرشحين من القائمتين أو إحداهما، على أن ينتخب من الجنسين.
إذا تنافس على منصب الرئاسة أكثر من مرشحين اثنين، ولم يحصل أي من المرشحين على الأكثرية المطلقة من الأصوات، تجري انتخابات ثانية بين المرشحين اللذين حصلا على أكثر الأصوات.
الشروط الذاتية للرئيس المنتخب:
يكون معروفا بصدقه ونزاهته وإيمانه بالوطن وبمبدأ المواطنة، وبمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحقوق والحريات الدستورية.
لا يجوز أن يكون منتميا لأي حزب من الأحزاب التي أدارت العملية السياسية من بعد 2003 حتى إقرار التعديل الدستوري والنظام الرئاسي.
إذا كان منتميا لحزب غير تلك الأحزاب، يجب عليه أثناء مدة رئاسته للجمهورية أن يتخلى عن انتمائه الحزبي ويكون مستقلا.
لا يجب أن يكون ذا شهادة عليا، بل يكفي أن يشهد له بتمتعه بثقافة سياسية وثقافة عامة تؤهله للضلوع بدوره كرئيس للجمهورية.
لا يجري في انتخاب رئيس أو رئيسة الجمهورية أن ينظر إلى مذهبه، أو دينه، أو معتقده، أو قوميته، أو منطقته، أو أصله، أو جنسه.
لا يجوز لرئيس الجمهورية أثناء رئاسته أن يعبر في خطابه عن عقيدته الدينية أو المذهبية، ولا عن أي معتقد يعتمده، إيجابا أو سلبا، ويبقى كل ذلك شأنه الشخصي كمواطن.
وإذا تأملنا في الشرط الأول الذي يجب أن يتحلى به رئيس الجمهورية في نظام رئاسي، وهو الشرط الأهم والأساسي، فإذا وجدنا إننا سنجازف لعدم وجود شخصية سياسية في العراق تتحلى بهذه الخصال، وإن وجدت، فليس لها فرص كبيرة للفوز، عندها يتأكد إن احتمالات الضرر من التحول إلى النظام الرئاسي، أكثر بكثير من احتمالات النفع، علينا أن نعيد النظر. ولكن يمكن العمل بالشرط السادس من الشروط الموضوعية، فيما يتعلق بالأحزاب، وسأتناول مقترحا بهذا الخصوص في مقالتي القادمة تحت عنوان «حل الأحزاب لمرحلة انتقالية».