قبل ايام من انعقاد جلسة مجلس الوزراء جلسته الاعتيادية مع مجلس محافظة كركوك في الثامن من ايار مايو العام المنصرم 2012 التي جاءت في في التسلسل الثاني بعد اجتماع المجلس الاول خارج بغداد والذي استضافته البصرة ، وتبعته اجتماعات اخرى في العديد من المحافظات ، اتصل بي النائب عن التحالف الكردستاني الصديق شوان محمد طه المقرب رئيس وزراء الاقيلم نجيرفان بارزاني ليحملني اقتراحا الى الرئيس المالكي مفاده ان حكومة الاقليم ترحب برئيس ومجلس الوزراء الاتحاد لعقد اجتماع المجلس مع مجلس وزراء الاقليم وعرض كل المسائل العلاقة بين الطرفين عبر الجهازين الحكوميين ( مجلسي الوزراء ) بعيدا عن حلول لا ترتجى من صراع سياسي عقيم ، خاصة وان الوزراء الاتحاديين الكرد اعلنوا انهم سوف يقاطعون اجتماع المجلس مع الحكومة المحلية في كركوك لتصاعد الخلافات بين الاقليم والمركز على اثر توتر العلاقة بين الطرفين اثر اتهامات رئيس الاقليم للرئيس المالكي انه يتجه بالعراق الى المجهول ، في خضم تحشد عسكري من الطرفين رفع درجات الترقب والقلق لمستويات قياسية محليا واقليميا ودوليا .
سألت الصديق شوان وهل هذا قرار قيادة ام قرار حزب ؟ ولماذا انا بالذات ؟؟ هل انقطعت كل خيوط اتصالكم مع الرئيس المالكي فلم يبق لكم غيري وانا في اعلى الاحوال محلل سياسي يحب الرئيس ان يسمع ثرثرتي بين حين وأخر لا اقل ولا اكثر ، قال لأننا لا نريد للموضوع ان يأخذ بعدا اعلاميا اكبر من ضرورته الملحة ولأنني اعرف ان ( الحجي ) يسمع لك بإمعان ، وكان الرئيس المالكي في ذلك الوقت يسمع لي بتمعن فعلا .
اعجبتني الفكرة كثيرا وتأملت مشاهد الفضائيات تظهر المالكي يترأس اجتماعا لمجلس وزراء الاتحاد والإقليم مثلما تصدر اجتماع مجلس الوزراء مع حكومة البصرة المحلية ، الفكرة وحدها اغراء لا يقاوم ، كتبت رسالة هاتفية لدولة الرئيس المالكي طالبا لقائه لأمر هام جدا جدا ، لم يتأخر دولته ان يحدد لي موعدا قريبا للقائه بعد عودته من كروك ، ولم اضيع وقته المضغوط فعرضت عليه المقترح وقلت له مقترح رسمي وان شأت دولتك فسوف ينقله لك النائب شوان طه او اي من الوزراء الكرد قبل ان تعلن حكومة الاقليم عن دعوتكم رسميا لهذه الزيارة ، لكني تفاجأت برفض شديد من المالكي لهذه الفكرة على اعتبار انها ستمنح خصما سياسيا تنازل لا يستحقه واعترافان انها زيارة الى شبه دولة ( قلت ولكنها فعلا كذلك ) فرددت عليه ان من مسؤولية رب الاسرة ان يتفقد اسرته وعلى العكس هذا اعتراف مضاف لولاية مركزية الحكومة لكن بطريقة اخرى ، ولما رأيت ان الرئيس المالكي في داخله يتأرجح بين القبول والرفض استأذنته ان اضع بين يديه رؤيتي كاملة علها تزيد من قناعته بالمبدأ الذي قطعا سوف يناقشه بعدي مع طاقمه الخاص وعطياته الرسمية فعددت النقاط التالية والرئيس يستمع لي بتمعن :
1- اننا ندفع في تعزيزات عسكرية في ارض لا يملك السيد البارزاني الاب اي نفوذ سياسي او عسكري مؤثر فيها ، وإنما هي مركز نفوذ لشريك قلق لبارزاني( الاتحاد الوطني ) وخصم يكبر نفوذه بثبات ( التغيير ) وكلا الطرفين اكثر اقترابا منا وأكثر ابتعادا عن حدود الطموح القومي بنسخته البارزانية وبذلك نحن نسبب المزيد من الحرج والضغط على حلفاء لنا او خصوم للبر زاني قد ندفعهم للاحتماء به او التوحد معه كليا استجابة لشارع ذي توجه قومي في كل الاحوال .
2- ومع ذلك فقراءتي التي اثق بها كثيرا تؤكد حتى اللحظة ( تلك اللحظة ) ان هناك تخوف كبير في اربيل من ان ما يجري في كركوك هو خطة مدبرة بين المركز والرئيس طالباني او نشروان مصطفى الغاية منها اضعاف الرئيس البارزاني وإبعاده عن التأثير اكثر في السليمانية وكركوك التي يجب ان تبقى موئلا انتخابيا لمنافسيه وليست له .
3- دولة الرئيس اعرف ان هناك ما يجعلكم تعتقدون الى ان الضغط على كركوك سوف يجعل كل السنة العرب الى جانبكم لكن هذا ليس حقيقا لان حلفاؤكم السنة اقوياء بقوة المركز فقط ولا يملكون اي تأثير على الارض ، وخصومكم السنة اقوياء على الارض لكنكم لم تصلوا الى سقف تفاهم وإياهم يجعلهم يتركون الكرد خلف ظهورهم ، حتى اولائك الذي بنوا مجدهم السياسي على اساس الخلاف مع الكرد.
4- الوضع الاقليمي حول العراق يتحرك بمحركين يجتمع زخمهما في اتجاه واحد رغم التعارض الظاهر في اتجاهاتهما ، فإيران تسحب بقوة قوى الدولة وما تحت الدولة للتورط في الصراع السوري لصالح النظام وهي تشتغل بفرضية ان القوى السنية السياسية وما تحت السياسية على الخط الخليجي التركي في دعم الثورة ، والمحور الخليجي التركي يدفع فعلا الفعاليات السنية في الدولة وما تحتها للتورط في الساحة السورية لصالح الثورة وهو تشتغل بفرضية ان الدولة والفعاليات ( الشيعية ) ما تحت الدولة على الخط الايراني ، ورغم اني (سني ) اقول لك بصراحة ان الساحة السنية غير مضمونة ولا يمكن المراهنة عليها في صراع عربي كردي في هذا الوضع الاقليمي المأزوم واحتمالية انفجار ربيع سني او تمرد احتمالية عالية جدا لا تجعلك تجازف بإثارة صدام مسلح مع الكرد او قطيعة سياسية كاملة وهم يمتلكون خيارات اكثر وأوراق لعب اكثر مما بحوزة ( العراق ) الدولة .
4- عندما تضع الكابينة الحكومية كاملة بوجه كابينة الاقليم فانك سوف تربح ان توزع عبأ الازمة عنك وتنقلها لكل غرمائك وخصومك السياسيين الذي يستثمرون في صراعك المنهك مع الكرد وتجعل هولاء الخصوم والغرماء في مواجهة شارعهم السياسي الذي قطعا سواده الاعظم يشاطرك الرأي نفسه لجهة توازن القوى بين المركز والإقليم
5- معلوماتي المتواضعة تقول ان القدرة القتالية والجهوزية العسكرية للبيشمركة اكثر من جهوزية قواتنا المسلحة ، وان اي صراع عسكري سوف يحسم لصالحهم ولن تقف طلائع البيشمركة مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني الا على اخر نقطة من خارطة الاقليم المفترضة من قبلهم ، او تشتعل حرب قومية بلا حدود في الجزء المتنازع عليه من خطوط التماس ، لذلك اتمنى ان لا تصدق كل ما يقول جنرالاتك وليكن صوت العقل السياسي اولا ، فليس من السهل على الكرد التخلي عن حاجتهم للدولة الاتحادية خلال عقد على الاقل وهي فترة كافية لتدشين تفاهم ثابت الى تفرز الساحة الاقليمية موازين قوى ستحدد خيارات الاطراف تلقائيا .
وعدني الرئيس ان يفكر بما قلت ، وقطعا تصورت انه رئيس تنفيذي ولديه من المعطيات المعلوماتية والفنية اكثر بكثير مما لدى محلل سياسي يجمع معطياته من وسائل الاعلام وبعض العلائق الشخصية ، لكني قبل ان اخرج طلبت من الرئيس ان يجيبني بكلام شرف ان كان ينوي المبادرة بعمل عسكري في كركوك كما كانت تشير معطيات التحشد العسكري ، فقال لن اسمح ان يكتب التأريخ عني اني تسببت بحرب اهلية تحت اي سبب ، لكن ان بادر مسعود فسوف لن اسكت وأتمنى ألا يبادر ، فقلت له اطمأن دولة الرئيس فبارزاني يمتلك الكثير من اوراق اللعب ولن يتورط في هذا الخيار اولا .
خرجت من الرئيس واتصلت بأحد الجنرالات الكبار ممن هم على خط الازمة فقلت له اني كنت توا مع القائد العام ، لذا ارجوكم ان تصبروا على اي استفزاز يقوم به اي من الاطراف او صغار الجنود والقادة لان العراق لا يستحق الن نجازف بمستقبله لخطأ يرتكبه متحمس صغير ، ضحك الجنرال بعمق وقال ( لا تشغل بالك عندما تصل طلائع دباباتنا الى كركوك ستجد البيشمركة فوق الجبال ) قلت له انت مخطأ جدا يا جنرال لأنك ستجد مسعود بارزاني ومعه كل الكرد بلا اي خلاف في مواجهتك .
اليوم بعد عام يذهب الرئيس المالكي الى اربيل بعد ان بسطت قوات البيشمركة نفوذها الكامل على حقول النفط في كركوك وهي قاب قوسين او ادنى من مشارف بغداد وفي وضع جبهته الداخلية اكثر هشاشة من اي وقت مضى والوضع الاقليمي والدولي يسمح بتقديم تنازل للكرد من اي وقت مضى على مستوى الصديق ( الاميركي – التركي ) والعدو ( ايران ).فما عدا مما بدا .
ملاحظة : لو كنت في الوفد لقلت لفخامة الرئيس البارزاني ان الانجاز مهما كان حجمه لا يبرر ان يصبح صانعه ديكتاتورا للأبد وهذا اردوغان ليس بعيدا عنك .