خاص : ترجمة – محمد بناية :
الحرب السورية هي واحدة من الأزمات العالمية الأكثر تعقيدًا التي تشهدها العلاقات الدولية في العصر الحاضر. إذ تتقاتل الفصائل السياسية والمذهبية والعرقية المختلفة في “سوريا”، والمتحالفة مع الدول الأجنبية، ومن جهة أخرى، تتدخل معظم دول المنطقة، فضلاً عن بعض القوى العالمية، بشكل مباشر أو عن طريق الدعم بالمال والسلاح للفصائل الموالية لها في الشأن السوري. بحسب صحيفة (آرمان ملي) الإيرانية الإصلاحية.
حلفاء وغرماء..
والحقيقة أن ثمة تداخل وتعارض بين مصالح الأطراف المحلية والأجنبية داخل “سوريا”، ولا يستطيع أي طرف تفكيك خطوط سياسته عن الأطراف المنافسة والمعارضة بشكل دقيق.
على سبيل المثال تتحالف “روسيا وتركيا وإيران”، في “سوريا”، كما يبدو، لكن تعارض المصالح، (في إطار المنافسات)، يتسبب بالطمع في سائر الأطراف الأخرى.
والأمر ذاته ينطبق على الأطراف الأميركية والأوروبية والسعودية والإماراتية والقطرية والأردنية والعراقية والإسرائيلية.
في غضون ذلك، تحظى “تركيا” بوضع خاص بسبب نطاق تدخلاتها في “سوريا” وتأثير الحرب المباشر على أمن هذا البلد. وتتحالف “تركيا” مع “الولايات المتحدة الأميركية” عسكريًا في إطار معاهدة الـ (ناتو)، وكذلك تتمتع بعلاقات قوية مع “روسيا”، وفي الوقت نفسه معارض قوي للحكومة السورية برئاسة، (بشار الأسد)، والفصائل الكُردية السورية، وتدعم كذلك قوى الإسلام السياسي في “سوريا”، وبخاصة تيار “الإخوان المسلمين”.
مع هذا تركز “تركيا” بشدة على مسألة الحيلولة دون قيام كيان سياسي كُردي في شمال “سوريا”، لأن هذا الكيان من منظور، “رجب طيب إردوغان”، قد يمثل قواعد لـ”العمال الكُردستاني” التركي ويشكل بالنهاية تهديدًا للأراضي التركية.
في حين يعتبر أكراد “سوريا” حلفاء لـ”الولايات المتحدة الأميركية” في حربها على (داعش)، ولذلك السبب تتناقض رغبة “تركيا” في طردهم من شمال “سوريا” مع الأهداف الأميركية. وتسعى “الولايات المتحدة”، بالتفاوض مع “تركيا”، للبحث عن وسيلة للقضاء على هذا التناقض، لكن دون جدوى.
“ترامب” لا يخسر تركيا بسبب أكراد سوريا..
وبالنهاية إتخذت إدارة “دونالد ترامب” قرار الانسحاب من بين الطرفين. وقد أثار قرار “ترامب” انتقادات الكثير من السياسيين الأميركيين، ومن بينهم شخصيات نافذة في “الحزب الجمهوري”.
وقد اتهمت هذه الشخصيات، الرئيس الأميركي، بتمهيد الطريق للسيطرة الروسية والإيرانية على “سوريا” بسحب القوات الأميركية من الشمال السوري. لكن لا مبرر لتلكم الإدعاءات بالتأكيد، لأن السيادة العسكرية التركية على أجزاء من الشمال السوري وتسكين اللاجئين السوريين في “تركيا” بهذه المنطقة، من المستبعد أن تساعد على بسط النفوذ الروسي والإيراني في “سوريا”.
مع هذا فالتخلي عن الفصائل الكُردية المتحالفة مع “الولايات المتحدة” إزاء العمليات العسكرية التركية قد يكون بمثابة “كعب أخيل” قرار “ترامب”. لأن الأخير لا يرى بالأساس نفسه مسؤول الدفاع عن أكراد “سوريا” لقاء المواجهة أو خسارة حليف مثل “تركيا”، لأن الحرب السورية، من وجهة نظر “ترامب”، ما تزال بلا فائدة وما من مبرر للتضحية بالجنود الأميركيين في آتون هذه الحرب. وكأن انتشار عناصر (داعش) ونفوذ “إيران”، (من منظور دونالد ترامب)، أشد خطرًا على المصالح الأميركية في “سوريا”.
وكما يرى؛ فقد تم القضاء على تهديد (داعش)، ومن ثم لابد من القضاء على النفوذ الإيراني عن طريق سائر الدول المتورطة في الأزمة السورية، وبخاصة “إسرائيل”.
والرئيس الأميركي لا يريد بالأساس أداء دور محدد في المعادلة السورية. وإنما يركز على حل المشكلة عن طريق “روسيا” و”السعودية” وبعض الأطراف الأخرى. لذلك ربما يكون إصرار الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، على كتابة الدستور السوري الجديد سريعًا على مشارف زيارته المرتقبة إلى “السعودية”، أكثر أهمية من سلوك “الولايات المتحدة الأميركية” حيال تحديد المصير السوري !