خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في محاولة لكبح الاحتجاجات العراقية الدامية، تمخضت الأفكار الرسمية العراقية عن تغيير طفيف في تشكيلة الحكومة؛ حيث صادق “البرلمان العراقي” على تعيين وزيرين جديدين لـ”التعليم” و”الصحة”، الخميس، وذلك بعد يوم من تعهد رئيس الوزراء، “عادل عبدالمهدي”، بتغيير وزاري وتطبيق إصلاحات.
وأصبحت “سها خليل”؛ واحدة من نساء قلائل أصبحن وزيرات في “العراق”. وصدق البرلمان على تعيينها، ووافق أيضًا على تعيين، “جعفر علاوي”، وزيرًا للصحة، بعدما استقال سلفه قبل موجة الاضطرابات الأخيرة.
وحالت الخلافات بين الكتل السياسية، خلال الجلسة، دون منح الثقة لثلاثة مرشحين آخرين طرحهم “عبدالمهدي”، وهم “أمير البياتي” لوزارة الاتصالات؛ بدلاً من “نعيم الربيعي”، و”قحطان الجبوري” لوزارة الصناعة؛ بدلاً من “صالح الجبوري”، و”هناء عمانوئيل كوردكيس” للهجرة والمهجرين؛ بدلاً من “نوفل موسى”.
يستبعد تهدئتها لغضب العراقيين..
بحسب الخبراء؛ من المستبعد أن يهديء التعديل الوزاري من غضب العراقيين، بعد مقتل أكثر من 110 أشخاص في حملة صارمة على احتجاجات بدأت، الأسبوع الماضي، ضد البطالة ونقص الخدمات والفساد، والسيطرة الإيرانية على مفاصل الدولة العراقية.
وكانت “تنسيقية التظاهرات” العراقية قد أكدت، في وقت سابق، على استمرار الانتفاضة، وعدم توقفها نتيجة ما يطلق عليها الإصلاحات التي أطلقتها الحكومة، فالوطن لا يباع بملء الأرض ذهبًا، وأن من راهن على تغييب الشعب تحت حكم الفاسدين “خسر الرهان”.
وأشارت “التنسيقية” إلى أن التظاهرات كانت تحت راية واحدة هي العلم العراقي، ولم يرفعوا صورة لسيد أو شيخ، كما كانت المظاهرات سابقًا، فالكل أجمع على أنها ثورة وطن، اجتمعت فيها كل الأطياف والطبقات.
ويشهد “العراق”، منذ الأول من تشرين أول/أكتوبر الجاري، تظاهرات حاشدة في العاصمة، “بغداد”، وأكثر من 10 محافظات أخرى؛ للمطالبة برحيل حكومة “عادل عبدالمهدي”، والتي أكملت عامها الأول دون أن يشعر المواطن بأي تحسن كما يقول النشطاء، وقد واجهت القوات الأمنية التظاهرات بالغاز والرصاص المطاطي، إلا أن المتظاهرين يقولون إنها استخدمت القناصة والرصاص الحي، ما أودى بحياة أكثر من 100 شخص حتى الآن، وأكثر من 6000 مصاب، وسط غضب شعبي متصاعد وارتفاع سقف المطالب.
ورفع المتظاهرون العراقيون سقف مطالبهم ودعوا لإقالة الحكومة التي يقودها “عبدالمهدي”، إثر لجوء قوات الأمن للعنف لإحتواء الاحتجاجات.
إلا أن “عبدالمهدي” تعهد بإجراء إصلاحات واسعة في البلاد، من شأنها تحسين الخدمات العامة، وتوفير فرص العمل ومحاربة الفساد، تلبية لمطالب المحتجين.
وبعد إنكار مستمر، أقرت الحكومة العراقية باستخدام قواتها العنف المفرط ضد المحتجين، وتعهدت بمحاسبة المسؤولين عنه.
ويُعتبر “العراق” من بين أكثر دول العالم فسادًا على مدى السنوات الماضية، حسب مؤشر “منظمة الشفافية الدولية”.
وقوض الفساد المالي والإداري مؤسسات الدولة العراقية، التي لا يزال سكانها يشكون من نقص الخدمات العامة من قبيل خدمات الكهرباء والصحة والتعليم وغيرها، رغم أن البلد يتلقى عشرات مليارات الدولارات سنويًا من بيع “النفط”.
ستذهب لتغيير السلطات الثلاث..
تعليقًا على الخطوة الحكومية؛ قال “هاشم الشماع”، عضو مركز “العراق” للتنمية، لـ (كتابات)، إن المظاهرات التي إنطلقت قبل فترة في “العراق”؛ كان هدفها القضاء على الفساد المستشري في أركان الدولة العراقية والذي تسبب بحرمان الكثير من العيش الكريم وتفويت الفرص على الكفاءات العراقية من أخذ دورها الريادي في بناء دولة المؤسسات، لكن كل ما طرح في وسائل الإعلام من خطابات لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب لا يُعد كونه في دائرة الوعود إلى هذه اللحظة ما لم تتحقق الخطوات المطلوبة، وللأسف الشديد مازال منهج الكتل السياسية داخل “مجلس النواب” تتقاتل من أجل مصالحها الخاصة فقط دون الإعتناء بمطالب الشارع، وهذا واضح من خلال الإخفاق في التعديل الوزاري وعدم التصويت على بعض الوزراء الذين تم تعديلهم بوزراء مستقلين.
وأعتقد “الشماع” أن الأمور ستعود إلى التوتر والتظاهر إذا لم يتم تحقيق سقف الوعود التي قطعتها السلطات الثلاث، لكن هذه المرة سيكون الذهاب إلى تغيير السلطات الثلاث والمطالبة بتعديل الدستور وتحويل نظام الحكم من البرلماني إلى الرئاسي.
مطالب قوى سياسية وليست شعبية..
واعتبر رئيس مركز “التفكير السياسي” العراقي، “إحسان الشمري”، أن الإجراءات التي إتخذتها الحكومة العراقية “خطوة أولى”، لكنه شدد على أن “إجراء رئيس الحكومة، فيما يخص التعديل الوزاري، لم يكن من مطالب المتظاهرين وإنما من القوى السياسية”.
وأشار “الشمري” إلى أن: “الشخصيات التي تم اختيارها هي من الأحزاب؛ ما يعد عودة لنظام المحاصصة الذي سبب إحتقانًا واستياءً في الشارع العراقي دفع بوجود مظاهرات كبيرة جدًا”.
وأوضح أن: “الأزمة في العراق لا تتمثل فيما يتعلق بالمطالب الشعبية، ولكن هناك جانب آخر لم تمض إليه الحكومة وهي معالجة أسس النظام السياسي العراقي وهي مسؤولية مشتركة مع القوى السياسية، ولكن كان من المنتظر أن تُدفع بعض المشاريع ومنها ما يرتبط بتعديل الدستور وإقرار قوانين تمس حياة المواطنين وتقديم الفاسدين إلى القضاء العراقي”.
ولوح إلى أن: “الأزمة قد تتسبب باحتجاجات قادمة أكبر من التي قامت منذ فترة”.
عملية ترقيع..
ويرى المحلل السياسي، “محمد الفيصل”؛ إن: “هذه التغييرات التي قام بها السيد، عادل عبدالمهدي، والتي حظيت بموافقة مجلس النواب العراقي، لم تكن بالتغييرات التي تتماهى مع الوضع العراقي أو مع متطلبات الشارع العراقي، فهي ما زالت تمثل جزءًا من نظام المحاصصة وإقتسام المغانم بين الأحزاب، وبذلك بقي العراق أسير نظام المحاصصة وتوزيع الكراسي فيما بين الأحزاب والكتل السياسية”.
وتابع “الفيصل”: “التغييرات تمثل عملية ترقيع وليس عملية بناء صحيحة أو استجابة لمطالب الشعب العراقي والمتظاهرين، والتي تمثلت بضرورة خروج العملية السياسية من نظام المحاصصة والتوافقية بين الأحزاب”.
وأضاف “الفيصل”: “كنا نأمل من السيد، عادل عبدالمهدي، أن يستمع جيدًا للمتظاهرين، الذين لم تنحصر طلباتهم بما يحتاجوه فقط من سُبل المعيشة، وإنما مطالبات بتعديل العملية السياسية والدستور، لذا قد تكون الزيارة الأربعينية للأمام الحسين بمثابة استراحة للطرفين، الغرض منها إعادة حساباتهما، وربما تعود التظاهرات من جديد وبشكل غير متوقع من قِبل الساسة العراقيين”.
أتبع سياسة التسويف وعدم المساس بمصالح الأحزاب..
الكاتب “محمد البصري”، ذكر في مقال له بموقع (صوت العراق)؛ أن سياسية التسويف وعدم المساس بمصالح الأحزاب التي جاءت برئيس الوزراء؛ ما تزال هي السمة الأبرز في أداء “عادل عبدالمهدي” رغم التظاهرات التي أجتاحت محافظات الوسط والجنوب وخلفت آلاف الضحايا بين شهيد وجريح.
ووضع “البصري” عدة ملاحظات واستنتاجات على التعديل الوزاري الذي يريده “عبدالمهدي”، من خلال معرفته بالوسط السياسي وكواليس إدارة الدولة في هذه المرحلة..
وأبرز ملاحظاته هي :-
1 – استثنى رئيس الوزراء إجراء تغيير في وزارات (سائرون)، ماعدا “الصحة”، حيث إن وزيرها قدم استقالته، في حين أن المتظاهرين شكوا من نقص الخدمات والكهرباء، وبالتالي الأولى إجراء تغييرات بالوزارات الخدمية كافية إن كان جادًا في تحقيق مطالب المتظاهرين.
2 – استبعد الوزارات التابعة للفصائل المسلحة من التغيير؛ مع العلم أن هناك مؤشرات على سوء إدارة وفساد وزراءها كالزراعة والعمل وغيرها.
3 – لم يجرؤ على تغيير وزير الموارد لأنه تابع لـ”المجلس الأعلى”، حزبه السابق، والذي أعلن بأن “عبدالمهدي” ما يزال قياديًا فيه.
4 – حافظ “عبدالمهدي” على إبقاء وزارة الصناعة في عهدة، “أبومازن الجبوري”، ورشح “قحطان الجبوري” لها بالأتفاق معه كي لا يخسر حلفائه.
5 – تجنب “عبدالمهدي” إجراء تغييرات في الوزارات التابعة لحزب “مسعود برزاني”، مع العلم أن أعضاء “مجلس النواب” يريدون استجواب وزير المالية، “فؤاد حسين” والإطاحة به بسبب موقفه واتهامه بتزوير موازنة عام 2019؛ ودفع مستحقات الإقليم دون تسلم إيرادات بيع “النفط”.
6 – جميع الأسماء التي رشحها؛ هي ليست تكنوقراط، وإنما تابعين لجهات حزبية.
ختامًا يرى “البصري” أن خلاصة التغيير الوزاري يصب في صالح بعض الجهات السياسية ولا يهدف إلى تطوير الأداء الحكومي أو تحقيق مطالب المتظاهرين.