” وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ” صدق الله العظيم
من المفرح جدا ان ترى وطنك العراق وهو يخرج من تحت طائلة المعاناة والصراعات الى افق مشرق لدولة المؤسسات الحديثة والمتطورة ، ومن المفرح انك تقرأ هذا المستوى العالي من النمو الأقتصادي ومن المفرح اكثر ان تقرأ عن الميزانيات التريليونية الهائلة التي تتدفق على العراق وعلى مؤسساته الحكومية بشكل لم يسبق له مثيل ولم تبلغ ميزانية العراق يوما مابلغته خلال السنوات العشر الماضية ومن المفرح ان تستمع الى المسؤولين في وزارة النقل والمواصلات وهم يتحدثون عن تطوير النقل والمواصلات في العراق بخطط طموحة وحديثة ومتطورة وتفرح لأنهم وصلوا الى هذه الدرجة من الوعي والتطور .
لكن كل تلك الأماني ستتساقط تباعا وتصبح اضغاث احلام وامنيات ماان تقرر السفر عبر مطار بغداد الدولي ، هذه التجربة المسكوت عنها والتي يمر بها جميع المسافرين العراقيين وغير العراقيين كل يوم من اشكال الأذلال والمعاناة لاتليق بآدمية البشر ..
ومن المؤكد ان ولا مسؤول عراقي واحد يشعر بها لأن لهؤلاء ممر خاص وترتيبات سفر خاصة يقوم بها الخدم والحراس والسكرتارية تبعدهم عن الأختلاط مع الرعية من امثالنا فهم من طبقة ارفع من مستوى الشعب الذي جاء بهم الى مناصبهم ومنحهم من قوته وقوت اطفاله وايتامه وارامله تلك الأمتيازات التي يتمتعون بها منصرفين عن الشعور بما يعانيه سائر الشعب.
فبعد ان تمر بشارع المطار وتشاهد على جانبيه الخضرة والنافورات ومئات اشجار النخيل التي انشئت من اجل القمة العربية وانفقت عليها امانة بغداد عشرات الملايين من الدنانير ، بعد ان تمر بهذا الشارع الأنيق ستنشرح نفسك وتظن ان كل شيء سيكون امامك انيقا وحضاريا ومريحا وتفخر به ، لكنك ستصدم وستعود الى الصومال واسوأ ماان تصل الى ساحة طيب الذكر ” عباس بن فرناس” اذ عليك ان تنزل فورا من سيارة الأجرة التي جاءت بك اذا ان وقت المعانة والأذلال قد بدأ ، اول شيء عليك فعله هو ان تسحل حقيبتك واغراضك على طول ساحة ترابية مليئة بالحفر وعليك السير في التراب واذا امطرت ستسير في الأوحال الى ان تصل الى مايسمى ” موقف الجمسيات ” اي سيارات الدفع الرباعي التي تجمع مايسمى ( النفرات ) الى حد التقبيطة اي الأمتلاء.
اما اذا اردت لسائق الأجرة الذي جئت معه ان ينقذك فعليك ان تدفع لحارس الساحة اتاوة معينة لكي يسمح لسيارة الأجرة بالمرور وفقط لأجتياز تلك الساحة القذرة والمليئة بالحفر وحيث يتضح لك ان الدولة عاجز عن تبليط ساحة من بضعة امتار مربعة وعمل مسقفات لائقة بالبشر تقيهم الحر والبرد والوحل والسموم .
عندما تصل الى ساحة وقوف الجمسيات ستجد سواقين انيقين يرتدون الأربطة وهو بانتظارك واقفين امام سيارات الدفع الرباعي الحديثة ، وتكتشف ان هذه السيارات هي سيارات الدولة وملك للشعب لأنها سيارات تتبع للشركة العامة لنقل المسافرين والوفود التابعة لوزارة النقل والمواصلات ومع ذلك عليك ان تدفع ” اتاوة” قدرها عشرة الاف دينار عن كل راكب لكي تقلك السيارة الى نقطة التفتيش وليس الى صالة المطار مع ان السيارة حكومية والسائق موظف حكومي ولا تدري اين تذهب تلك الأموال.
في الجهة المقابلة ستشاهد صفا من الباصات المكيفة الحديثة وامامها سواقيها وهي ايضا تابعة لوزارة النقل والمواصلات لكنها جميعا متوقفة عن العمل ، وكانت هذه الوزارة قد ادعت انها خصصتها لنقل المواطنين مجانا من والى المطار ، لكن تعطيلها وعدم تشغيلها سببه مكشوف وهو استمرار الأبتزاز والدفع لأصحاب سيارات الدفع الرباعي وهناك ايضا سيبتزك اخرون اذ تجد سيارات اجرة ايضا تابعة للوزارة ممكن ان تنقلك الى اقرب نقطة تفتيش بمبلغ اكثر من ثلاثين الف دينار وهكذا تستمر السرقة عيني عينك ، اجهزة الدولة تسرق من الشعب .
وماان يرميك سائق سيارة الدفع الرباعي حتى تجد نفسك في مهب الريح وسط الحر والسموم اذ سيجلبون لك كلبا لينجس اغراضك وفحصا اوليا لجوازك ..
ثم عليك ان تركب السيارة ثانية لتقطع مسافة لبضع دقائق لكي تقوم بأنزال حقيبتك مرة اخرى وتسحلها مرة اخرى لكي يقوم احد الموظفين بفتح جميع حقائب المسافرين ونفشها وتقليبها وتركك تدبر حالك في اعادة امتعتك الى ماكانت عليه ثم تقوم بحمل اغراضك الى سيارة الدفع الرباعي ثانية لتجد في استقبالك بعد بضعة دقائق من يدقق في اوراقك وينظر في وجهك ثانية ولا تنتهي الرحلة الا بالتوجه الى كلب بوليسي آخر على مسافة قريبة وايضا في العراء ويقوم الكلب بشم الأمتعة والحقائب مرة اخرى ثم لتسحل حقيبتك مرة اخرى الى صالة الفحص بالسونار .
عندما تصل الى هذه المرحلة تكون قد وصلت اقصى درجات القرف والأعياء لصدمة التخلف والأجراءات البدائية التي مررت بها والتي لاتوجد ربما في بلد اخر غير العراق والصومال وافغانستنان واي بلد متخلف آخر..
في المطار لن تجد شيئا مختلفا عن مطار الثمانينيات البدائي في كل شيء واول ماستصدم به شيئان وهما قذارة المرافق الصحية وعفونتها الى حد لايطاق خاصة بالنسبة لصالة القادمين والنقطة الثانية هي الغلاء الفاحش في الأسعار لكل مايباع في ذلك المطار البائس .
مما لاشك فيه سيسارع اي مسؤول بالرد على شكواي وشكوى الآلاف من العراقيين من هذه المهازل والمعاناة اليومية والأبتزاز بالقول : ولكنها اجراءات امنية لابد منها في بلد يضربه الأرهاب ..وهي شماعة لكل ذلك التخلف ..والرد على ذلك ببساطة شديدة هي ان نقول لهؤلاء : احترموا ادمية وكرامة الأنسان العراقي ، احترموا من وضعكم على كراسيكم ووفروا له حدا ادنى من الأحترام .
وبعدها سنقول ان الحل لكل تلك المعاناة بسيط جدا ويكمن في السؤال : لماذا لاينقل المسؤولون العراقيون عن هذا المطار ومسؤولو وزارة النقل والمواصلات الأجراءات نفسها المتبعة في البلدان التي يزورونها موفدين الى مطار بغداد الدولي ؟ لماذا لايستنسخوا اجراءات التفتيش نفسها لانقول في المطارات الأوربية بل في المطارات العربية ؟ لاسيما وان من يزور الموقع الرسمي لوزراة النقل والمواصلات سيشاهد ان مسؤولي الوزارة لايمر عليهم اسبوع واحد بلا ايفاد حكومي ، فماذا نقلوا لنا من تجارب الدول التي زاروها ؟ لاشيء.
ايها الناس ، ياوزارة النقل والمواصلات ، ياامن المطار ، اجمعوا مراحل التفتيش الروتيني الطويلة والمذلة كلها في قاعة مكيفة واحدة فقط واختصروا تلك الرحلة المخزية من الأذلال ، اجمعوا الكلاب التي تريدونها شم حقائبنا في قاعة واحدة وزيدوا عدد الكلاب ولكن خذوا الحقائب منا وانتم تصرفوا بها بعيدا عنا كما يحصل في مطارات العالم حيث تسلم حقيبتك وهي تمر اوتوماتيكيا بمراحل لاتعد ولاتحصى من الفحص ولكن دون علمك انت وانما تتم بعد تسليم الحقائب لموظف الخطوط في الكاونتر المخصص.
شكلوا لجنة من كل الأطراف لغرض وضع ترتيب حضاري يليق بآدمية البشر من الأجراءات العقيمة والروتينية ويختصر على العراقي المسافر هذه المعاناة وتذكروا الرحمة والرأفة بكبار السن خاصة وبالنساء وبالمعتمرين والزوار وغيرهم وكفوا عن اذلال الناس ..
وبعد هذا فأن الوزارة من ابسط واجباتها ان تخصص باصات مكيفة ولو بسعر رمزي تنقل المسافرين من كراج الكرخ ومن الرصافة الى المطار يوميا وفي كل نصف ساعة يتحرك باص حتى و لو كان خاليا ولو كان بحجم كوستر … هذا هو المعمول به في كل بلدان العالم فيما يعرف بباص المطار فأين باصات المطار ياوزارة النقل والمواصلات …؟
لقد التقيت بأصدقاء عرب واجانب في احد المؤتمرات والتقيت بمستمثمر اجنبي وكلهم مروا بنفس هذه المهازل من الأذلال والأهانة في اجراءات مطار بغداد المتخلفة والحمامات المتعفنة ولم اجد مااقوله او اجد عذرا لأناس يبذرون مليارات من اموال الشعب ثم يذلون الشعب وضيوف العراق بهذا الشكل المخزي والمعيب …ختاما اقول : ياوزارة النقل والمواصلات كفاكم اذلالا واحتقارا للشعب وكفاكم هذه الأجراءات المتخلفة والبدائية وحاولوا ان تتعلموا من الآخرين اذا كنتم بهذا المستوى وتنقصكم الخبرة ولاتهمكم معاناة الشعب الذي اجلسكم على كراسيكم ومنحكم الرواتب والأمتيازات الضخمة من قوته وقوت ايتامه وارامله …افيقوا …وكفى.