ثورة العراق (8): قتل الأطفال يخلق حزنا طويل الأمد

ثورة العراق (8): قتل الأطفال يخلق حزنا طويل الأمد

 

خاص: إعداد- سماح عادل

رغم محاولات السلطة في العراق في احتواء الحراك الشعبي العفوي، ورغم العنف الوحشي الذي مورس على المتظاهرين، والذي خلف عددا كبيرا من الشهداء ومن المصابين، هذا بخلاف أعداد كبيرة من المعتقلين الذين يتعرضون للتعذيب في سجون السلطة، إلا أن هذه الانتفاضة العراقية العفوية ستظل محفورة في تاريخ نضال الشعوب، كانتفاضة عفوية لم تتبع لأحزاب أو كيانات سياسية، معظم قوامها من شباب صغير يحلم بالحرية ويريد تحقيقها على أرض الواقع، شباب لم تلوثه لعبة المصالح أو أية أهداف انتهازية فردية.

وقد سعينا لجمع آراء كتاب، ومثقفين عراقيين يعيشون في العراق أو خارجه حول هذا الحراك الشعبي، في محاولة للإجابة على التساؤلات الملحة وهي: هل حدوث حراك شعبي في الشارع في الوقت الحالي كان أمرا متوقعا؟ وما هي التوقعات بشأنه؟ وما هي المطالب التي من المفترض أن يتضمنها هذا الحراك الشعبي؟.

قتل الأطفال يخلق حزنا طويل الأمد..

يقول الكاتب”محمد سيف المفتي” ل” كتابات”: “كنت أتوقع هذا الحراك منذ زمن بعيد، فالعراق بلد ثوري لكن الدكتاتوريات المتعاقبة تمكنت من تركيع الشعب، ولم يخلق الطواغيت يوما مواطنا حرا ولا حتى بينه وبين نفسه، قبل شهر من هذا اليوم أصبت بحالة يأس من انتفاضة الشعب وكأني بالناس يباركون بعضهم ويقولون كل ثورة مقموعة وأنتم بخير، عاش الربيع العربي.. في داخلي خوف”.

ويواصل: ” سعيد وحزين في نفس الوقت، سعيد لانتفاضة الشعب ومطالبته بحقوقه الشرعية، وحزين من سياسة القمع التي وصلت إلى حد ضرب البلابل بالقنابل، قتلى في الشوارع وميليشيات تدهس المواطنين بعجلات سياراتهم ذات الدفع الرباعي، رغم أن القناصين استهدفوا الشباب لا لسبب إلا أن قتل الأطفال يخلق حزنا طويل الأمد،  الثمن باهظ لكنه يستحق، لأنني اعتقد أن العراقي وصل إلى نقطة فاصلة إما أكون أو لا أكون”.

وبسؤاله عن المطالب يجيب: “هل تعلمين أن سؤالك هذا استوقفني! شعرت برغبة عميقة بالبكاء. هم من أغنى شعوب العالم ولم يحصلوا ولا على أبسط مقومات الحياة وحقوق البشر، لا شيء لا شيء.. خرجوا صارخين نشعر بالجوع وأهلنا يموتون بأمراض لها علاج، إلا أن المستشفيات خالية من الأطباء والدواء.. خرجوا يطلبون بالمساواة في توزيع الفرص.. لدموعهم أنين يسمعه فقط الإنسان ولهذا لم تسمعه الحكومة العراقية”.

تغيير النظام السياسي..

ويقول الكاتب “خالد شاطي”: “بدء يجب التأكيد على أن من يقوم  بهذا  الحراك الشعبي هم الشباب في الغالب، وأن هذا الحراك شعبي بامتياز، بمعنى أن لا جهة سياسية أو دينية أو اجتماعية دعت إليه أو قامت بتنظيمه أو تقوده الآن. وهنا تكمن قوة هذا الحراك والأمل في استمراره على العكس مما قد يظنه البعض. وكون الحراك شعبيا فهو تأكيد  لتنامي الوعي السياسي  منذ عام 2003 لدى عامة الناس، وتأكيد لليأس من التظاهرات السابقة التي نظمتها تلك الجهات بعد اكتشافها زيفها، أو إمكانية شراءها أو  تذويبها في صفقات سياسية مشبوهة على حساب المطالب المشروعة. وهذه المعطيات الأولية يجب مراعاتها عند الحديث عن أي شيء يخص الحراك الشعبي الحالي”.

ويؤكد: “إن الساحة العراقية مهيأة ومنذ وقت أبكر بكثير من هذا الوقت  لمثل هذا الحراك، نظرا  لمماطلة الحكومات وعدم سعيها لحل أي من المشاكل الكثيرة، ونظرا لأن نتائج هذه المشاكل آخذة بالتفاقم حتى بلغت حدا لا يمكن السكوت عنه. إن هذا الحراك يمثل ربما للمرة الأولى الجانب الحقيقي والمضيء للتظاهرات العراقية، ويعكس مدى قوة وإصرار الشباب رغم كل وسائل  القتل والعنف والترهيب التي مورست ضد حركتهم السلمية، ولذلك فإنني أتوقع أن هذا الحراك سيسقط هذه الحكومة ويحقق مطالب هامة”.

وعن المطالب يوضح: “ونظرا لأن الحلول المحدودة والترقيعية غير كافية، وأن النظام السياسي الحالي عاجز، تقوده طغمة من اللصوص الجهلة، وتعبث به أيادي خارجية، الأمر الذي لا يلوح معه أمل في تغيير الحال البائسة، فإن من الضروري أن يكون سقف المطالب مرتفعا ليشمل تغيير النظام السياسي، لا تغيير الحكومة فحسب، وإلا فإن المشاكل ستعود لتطل برأسها من جديد، وسيكون علينا إيجاد فرصة مثل هذه، قد لا تتكرر، للبدء من جديد في النضال من أجل حياة كريمة آمنة، لم ينعم بها الشعب منذ عقود طويلة”.

دستور برايمر..

والشاعر “بلال الجبوري” يقول: “لم أكن أتوقع أن تحدث هذه الانتفاضة وهذا الحراك لعدة أسباب باتت معروفة لدى الجميع.. الحراك نتيجة حتمية للاحتلال الأمريكي الإيراني التعسفي للعراق بعد عام ٢٠٠٣، ولكن الأحزاب “الإسلامية” حالت دون ذلك باستخدامهم “الدين، والولي الفقيه، وطاعة ولي الأمر الواجبة” فغيبت العقول وتمكن المرض من الجسد الواحد، فتمزق الوطن وضعفت إرادة الشعب”.

وعن المطالب يقول: “أ. إنهاء العمل بالدستور الحالي العراقي “دستور برايمر”، الذي كتب بأيادي أجنبية وعراقية متعددة الولاء والانتماء.

ب. إنهاء نظام المحاصصة الطائفية والعرقية البغيض.

ج. انتخاب حكومة طوارئ وطنية معروفة لجميع الشعب العراقي، بوطنيتها وإيمانها وتمسكها بشعبها ووطنها العراق، تقوم بعمل جبار من خلال وضع دستور جديد يضمن جميع الحقوق، ويؤمن استقلال وسيادة العراق، ويشرع فيما بعد بوضع قانون انتخاب واضح وصريح، تحت إشراف لجان محلية وأممية، مختصة في هذا الشأن يفرز عنه حكومة ذات نظام رئاسي وطني قوي، يحفظ كرامة الشعب العراقي، ويحقن دمائه ويصون ثرواته ومقدراته وأرضه ووطنه.

د. محاكمة النظام الحالي، والأحزاب السياسية والدينية، أمام الرأي العام المحلي والدولي، واسترجاع المال العام الذي تم نهبه من جميع المصارف والبنوك العالمية”.

العصابات الممنهجة..

ويقول الكاتب”حميد يونس”: ” لم أكن أتوقع صدقاً أن تكون المظاهرات حراكاً شعبياً عفوياً بعد المظاهرات شبه السنوية التي ركبتها الأحزاب (أو حركتها) خلال السنوات الأخيرة، كانت المظاهرات السابقة باهتة وفارغة من محتواها، ولا تدفع بالنتيجة إلا إلى مناصب جديدة و(إصلاحات) شكلية تكون منافذ لفساد مستحدث. عندما شاهدت المظاهرات في أول أيامها (الأربعاء)، كانت عيني تشاؤمية وفاقدة للأمل والجدوى صراحة. لكن ظنّي لم يكن في محلّه، وأثبت جيل الشباب أن صوته أعلى وأجدى، بل كان مقلقاً للحكومة بصورة لم يشاهدها العراق منذ 2003 وللآن. والجميل في هذه المظاهرات أن الحكومة أظهرت وجهها (الصدّامي) وانكشف أسلوبها المخزي الذي يستدعي التدبّر والتفكير. لذا لو سألتموني ما التالي؟ أقول أن الحكومة لا بدّ لها أن تعجّل في انتخابات كارتونية (كسابقاتها) لتصطبغ بشرعية ولباس (أطهر) من لباسها الحالي. وهنا يجب التشكيك في كلّ مساعيها الانفعالية، و(الإصلاحات) التي تزعم أنها (استجابة) لمطالب المتظاهرين. فلا تتوقع من الزرع الخاطئ أن يثمر أو تتعمق جذوره، ولا يمكن أن تكون المطالب (مجدية) إلا استقالة هذه الحكومة، فلا تبرير للقتل وتكميم الأفواه، ويمكن تحقيق ذلك دستورياً لو كانوا يرضون الدستور سبيلاً. لكن هل تعتقدون أن هذه العصابات الممنهجة ترتضي حكومة إنقاذ مستقلة لا تنتمي إلى الأحزاب ولا تتقاسم وتتحاصص فيما بينها؟ هل يمكن تحقيق ذلك؟ من يدري؟”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة