لعبت سوريا و ايران معا دورا مهما (بدعم من روسيا ربما لفرملة الاميركان و ابقائهم منشغلين داخل العراق) في استقرار الاوضاع الامنية في العراق حيث كانت سوريا تمثل اهم معبر للمقاتلين و الانتحاريين القادمين للعراق مع اسلحتهم لكن هذا تغير مع قناعة هاتين الدولتين بقرب انتهاء الوجود العسكري المباشر لاميركا و بداها سحب قواتها فتغير دور المنظومة الامنية السورية الى دور ضابط للحدود و محاولة فتح علاقات جديدة مع الحكومة التي لم يكن هدفها استعداء اي من هاتين الدولتين بالاضافة الى علاقات اطرافها السابقة مع ايران و سوريا اللتان كانوا يقيمون فيهما في فترة حكم صدام, فشهد العراق تحسن تدريجي في الوضع الامني وصل ذروته في عامي 2010 و 2011 و اغلب 2012 لانعدام التمويل و قطع طرق الامداد لاغلب القوى التي كانت تقاتل الحكومة.
لكن الاحداث السورية المتسارعة عادت لتغير المشهد و تقلب الطاولة من جديد بعد سيطرة المقاتلين السوريين و المجموعات التكفيرية المتشددة على دير الزور و الحسكة ( جاء بعض منها من العراق اصلا ) بموازاة ضعف قبضة الاسد الامنية و انشغال اجهزته بصراع طويل و دامي على اغلب الخارطة السورية, فكانت سياسة هذه الجماعات كالاتي :
– اذا كانت مسيطرة ميدانيا و المعارك تسير لصالحها في سوريا فانها حتما تمتلك بعض من السلاح و المقاتلين لارسالهم للعراق لاثبات وجودها و للتحضير لمعركة هناك تتوق لبدئها لتنتقم من العشائر التي قاتلتها (الصحوات) و من الحكومة العراقية.
– اما اذا كانت تحت ضغط المعارك الشديد مع الجيش السوري و حلفائه من المليشيات الموجودة على الارض في سوريا فانهم يكونون في حالة ياس و يحتاجون لشن هجمات في العمق العراقي شبه المكشوف لهم لرفع المعنويات و التعويض عن اية انتكاسات ميدانية يمرون بها.
و بهذا لن تنتهي سلسلة التفجيرات الدامية و العشوائية التي يشهدها الان العراق يوميا و التي تكون عادة موجهة للمدنين بشكل اساسي بل هي مرشحة للتصعيد دائما و التي سببها الاساس هو اعادة احياء طرق الامداد اللوجستي للجماعات المتشددة التي تخوض صراعا مبني على اسس ايديلوجية متطرفة مع الحكومة مما يستبعد اي امكانية ولو نظريا للحل عبر اي نوع من المفاوضات او الصفقات.
اذا ماهي السينايوهات المحتملة لتطور الاوضاع في سوريا و من ثم تاثيراتها على المشهد الامني في العراق ؟ (بغض النظر عن نسبة احتمالية تحققها)
– السيناريو الاول : استمرار الوضع الحالي في سوريا على ما هو عليه حيث لا غالب و لا مغلوب لطرف على اخر لفترة غير محددة و بهذا ستستمر التفجيرات و مسلسل العنف اليومي المتواصل في العراق و قد يكون بوتيرة متصاعدة.
– السيناريو الثاني : انهيار نظام الاسد و سيطرة الجماعات المتشددة على سوريا و انحسار المعارك و بهذا ستمتلك هذة الجماعات مقاتلين مدربين و اسلحة غربية كاسرة للتوازن و سوريا باكملها كقاعدة و هذا هو السيناريو الاسوا على الاطلاق لان ابواب جهنم ستفتح على العراق.
– السيناريو الثالث : سيطرة الجيش السوري على الاوضاع و هزيمة الجماعات المتشددة و هذا السيناريو هو الاضعف لان الاسد قد خسر الكثير من قوته لحد الان و كذلك اصرار الدول الغربية على عدم السماح له بذلك و لكن حتى وان حصل هذا فمن المستبعد ان يكون بمقدوره بسط سيطرته الامنية من جديد على كامل التراب السوري لانه سيكون منهك و سيحتاج لسنوات طويلة كي يبني مؤسسته الامنية المنهكة من جديد و بهذا ستبقى اجزاء سوريا البعيدة و المحاذية للحدود العراقية منطقة نفوذ للجماعات المتشددة التي ستسغلها لتوجيه ثقلها و الاندفاع لبدء معركة طويلة في العراق.
في كل السيناريوهات المحتملة تبقى سوريا و كما كانت في العشر سنوات المنقضية نقطة اساسية في معادلة الامن القومي العراقي, لكن هل من حلول لهذة الحلقة البالغة الاهمية ؟؟ الحل الانسب هو بناء جدار امني على الحدود العراقية مع سورية الممتدة لمسافة 605 كيلومترات مثل هذا الجدار هو الذي اوقف الهجمات الانتحارية على المدن الاسرائيلية للابد و لابد منه, يكون على عدة خطوط من الخنادق العميقة و الاسلاك الشائكة و الجدران الكونكريتية العالية و يكون مزود بابراج مراقبة و كاميرات حرارية و تحت الحمراء و رادارات و مؤمن بقوات سريعة التحرك بتجهيزات مناسبة و بغطاء جوي و استطلاع على مدار الساعة من قبل طائرات ثابتة الجناح و متحركة الجناح و طائرات من دون طيار. كلفة هذا الجدار و بتقديرات اولية هي 10 – 12 مليار دولار فيما تتراوح كلفة التجهيزات و المعدات و طائرات الاستطلاع من دون طيار ب 6 – 10 مليار دولار اضافية. ( الكلفة مقدرة بالاعتماد على تكلفة جدار امني مماثل تنوي السعودية انشائه على حدودها مع كل من العراق و اليمن مع الاخذ بنظر الاعتبار الصعوبات التي ممكن ان تواجهها الشركات في العراق و تكلفة اضافية لضمان سرعة التنفيذ).
لن يكون من المتاخر ابدا البدا بهكذا مشروع نظرا لاهميته القصوى و بعد التاكد شبه التام من ان الاوضاع في سوريا ستكون ابعد ما يكون عن الاستقرار للعشر سنوات القادمة على اقل تقدير بغض النظر عما ستؤول له البلاد لاحقا.