إبراهيم فتحي.. بدأ بالترجمة وتميز في النقد الأدبي

إبراهيم فتحي.. بدأ بالترجمة وتميز في النقد الأدبي

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“إبراهيم فتحي” واحد من أهم نقاد جيل الستينيات وأبرزهم كتابة، كتب مئات المقالات والأبحاث التي نشرت في العديد من الدوريات وأقرت كثيرا في مدرسة النقد العربي، وقد قام المجلس الأعلى للثقافة بتكريمه.

الترجمة..

كانت الترجمة إبداعه الأول، حيث كان مستشارا ل”دار الفكر المصرية”، والتي كان يملكها ويديرها “لطف الله سليمان”، وأصدرت هذه الدار عددا كبيرا من الكتب والترجمات، ساهمت في صياغة وسيادة مناخ فكري. وبدأ مشواره بترجمة رواية “الهزيمة” للكاتب الروسي “فانسسيف”، ليتابع خلال مسيرته، ترجمة عشرات الأعمال الأدبية والفلسفية والسياسية.

النقد..

وفي الستينات، بدأ مشروعه النقدي والفكري في التجلي، وظهرت هذه التجليات في مجلات الشعر والثقافة ومجلة “المجلة” برئاسة “يحيى حقي”، وكان يحرر في مجلة “المجلة” بابا يهتم بعرض موضوعات المجلات الأجنبية، لقدرته على فهم اللغتين الانجليزية والفرنسية، وتشكل هذه الكتابات تراثا كبيرا لم يجمعه “إبراهيم فتحي” في كتب، ولكن يبقى كتابه “العالم الروائي عند نجيب محفوظ” من أهم وأبرز الكتب النقدية التي أثرت المكتبة العربية.

شارك “إبراهيم فتحي” في تجربة “جاليري “68، ففي مايو 1968 صدر العدد الأول من مجلة “جاليري 68” الطليعية، تلك المجلة التي حملت علي عاتقها عبء الريادة النقدية في حياة تحركت فيها المياه بقوة، ورغم أن العدد الأول لم يحمل اسم “إبراهيم فتحي”، إلا أنه حمل مقدمة مبشرة، وذات صوت نقدي وإبداعي متمرد، وكانت الأسماء الجديدة مبشرة، عبر “إبراهيم أصلان” و”سيد حجاب” و”خليل كلفت” و”إبراهيم عبد العاطي”.

وجاء اسم “إبراهيم فتحي” في العدد الثاني، والذي صدر في يونيو 1968، وكان مساهمته عبارة عن ترجمة دراسة “ضفاف الواقعية” ل”كلينجندر”، وقدمها إبراهيم بقوله: “هل يمكن أن نطلق كلمة “واقعية” علي كل الاتجاهات الفنية.. وبذلك نفرض فقرا مدقعا علي الفن، ونقوم بإلغاء كل الصراع الذي دار ويدور في تاريخ الفن، ولا يبقي بين أيدينا إلا كلمة “واقعية” بلا ضفاف ولا مبادئ محددة.. في جمود عقيم يهنئ نفسه على سعة الأفق التي تختلط عندها السماء بالأرض!”.

كما ساهم أيضا في تأسيس جمعية “كتاب الغد” التي كان لها أثرا عظيما في الحياة الثقافية والفكرية والسياسة منذ نهاية الستينيات، وكان أول من قدم  “إبراهيم أصلان”، و”بهاء طاهر”، و”جمال الغيطاني”، و”يحيى الطاهر”، و”محمد البساطي”، و”محمد حافظ رجب”.

من أشهر ترجماته “قواعد الفن” ل”بيير بورديو”، و”أزمة المعرفة التاريخية” ل”بول فيين”، و”المنطق الجدلي” ل”هنرى لوفيفر”، وموسوعة النقد الأدبي “الرومانسية”، فضلًا عن كتابه الهام عن “سول بيلو: انفصام شخصية الروائي اليهودي”، عن الكاتب الأمريكي اليهودي الأصل الحائز على جائزة نوبل في الأدب عام 1976.

ومن مؤلفاته الفكرية “الماركسية وأزمة المنهج”، و”هنرى كورييل ضد الحركة الشيوعية العربية”، و”الخطاب الروائي والخطاب النقدي في مصر”، و “القصة القصيرة والخطاب الملحمي عند نجيب محفوظ”، وغيرهم.

الاعتقال..

في 31 ديسمبر 1958، صدر أمر عسكري من رئيس الجمهورية جمال عبد الناصر، تطبيقا لأحكام قانون الطوارئ، والقاضي باعتقال 163، وتفتيشهم ومحال إقامتهم وأماكن أعمالهم، لضبط ما قد يوجد لديهم مما له علاقة بالحركة الشيوعية أو ما يخالف القانون، مع ضبط وتفتيش من يتواجد مع أي منهم وقت عملية التفتيش، وكان المتهم الثالث في هذه القائمة، “إبراهيم فتحي”. وعندما دخل المعتقل عام 1959, لم يخرج إلا عام 1964.

الرواية في مصر..

في مقالة بعنوان (تطور تقنيات الرواية في مصر) يقول “إبراهيم فتحي”: “منذ النشأة الأولى للرواية المصرية بين 1870 و1914 كان الكثير من الروايات يستلهم في أبنيته التعبيرية التراث السردي القديم. وقد صدرت روايات لجورجي زيدان تُحكَى بالطريقة التقليدية تضم عناصر من عدم الاحتمال والمبالغة وعناصر من المغامرة والأعمال الخارقة والحيل العجيبة: «المملوك الشارد»، «أرمانوسة المصرية»، «فتاة غسان» في أواخر القرن التاسع عشر و«غادة كربلاء» و«عروس فرغانة» وغيرها في السنوات الأولى من القرن العشرين. وتقنية السرد فيها مشابهة لما في «ألف ليلة وليلة». واستخدمت رواية «حديث عيسى ابن هشام» للمويلحي سردية المقامة لتصوير وقائع الحاضر. وحينما نقرأ رواية «نداء المجهول» لمحمود تيمور (1939) نلاحظ اختلاطا بين أحداث معاصرة وبعد أسطوري ورمزي ورومانسي في آن، ونسج لحكاية شفاهية في بناء الرواية، وهنا دمج لشكل الرومانس القديم القائم على ميول أبدية لا تتأثر بمرور الزمان، فالأشكال الحكائية التقليدية تهتم بالكلي والعام وما حدث في الماضي. وبعد ذلك تكاثرت الروايات التي تسير في مسالكَ شتّى وأبرزُها رائعة «عودة الروح» لتوفيق الحكيم (1933)، وهي تقدم السابقة الأولى للتوازي بين أحداثِ واقع معين وشخصيات عادية وأوصاف تفصيلية من جهة ودلالات أسطورية من ناحية أخرى. وهذا التوازي سمة مميزة من سمات الحداثة في الرواية العالمية منذ أن قدم جيمز جويس روايته الشهيرة «يوليسس» وأقامها على التوازي بين عالم شخصيات عادية وعالم «الأوديسه» عند هوميروس. وعند الحكيم لا نجد اهتمامًا بدقة التوازي ولم يزد الدور البنائي للأسطورة عن كونه خلفية رمزية لسرد المعيش. فليست المشكلة عند الحكيم هي المطابقة الكاملة بين الشخصية والرمز، باستثناء سعد زغلول الذي يرمز لأوزوريس، بل قامت الرواية على الانتقال من تفرق شعبِ مصرَ إلى الوحدة والتماسك وراء زعيم يقترب من أن يكون معبودًا عن طريق ابتعاث الجوهر المكنون للشعب. إنها رواية يقظة بعد ركود آسن. وقد لاحظ بعض النقاد في «عودة الروح» اعتمادًا على خلفية بنائية تنتمي إلى الحكاية الشعبية، حيث يحاول ثلاثة أشخاص إنجاز مهمة (الاستيلاء على قلب سنية) ليخفق الأول والثاني ويفوزَ الثالث الموعود بالكنز بعد أن يحققَ التزامًا معينًا، أي أن ينفض عن نفسه السلبية”.

ويواصل: “لم يكن البعد الأسطوري الرمزي مستمدًا من أي نزعة حداثية، فالتركيز في الوصف التفصيلي ظل محتاجًا إلى الرمز ليكمل غياب الجوهر الاجتماعي، فالرمز عكاز تغلّفه الرؤية المجردة للمؤلف ليربط بين التفاصيل. وتطرح رواية المازني «إبراهيم الكاتب» (1931) التي بدأ في كتابتها 1925 قضايا مهمة في التقنية الروائية فقد أطاحت بالحبكة التقليدية، ولم تنتظر مجيء الحداثة لكي لا تراعي في سردها التتابع الزمني، فهي تسير في الزمن جيئة وذهابًا، ويلعب التناص دورًا بنائيًا في الربط بين أجزاء الرواية. فهي تستخدم آيات من الكتاب المقدس في أول كل فصل من الفصول تعبيرًا عن معناه، كما تتضمن صفحات من رواية شهيرة، بل تدمج صفحات كاملة من كتب المؤلف. وتحاول الرواية رسم شخصية بطل إشكالي حافل بالتناقضات، وربما كانت أول محاولة لتقديم ملامح عقلية لشخصية بطل تلعب الأفكار دورًا موجهًا لسلوكه. وتحت طبقات من الاستطرادات والتعليقات والاستشهادات تتألق صور جزئية مرسومة بدقة تفصيلية وتعتمد الأسلوب الشعري. ونرى بعد ذلك ملامح من واقعية السرد في روايات صدرت في الأربعينيات تشق طريقها داخل شكل السيرة الشعبية عند طه حسين في «شجرة البؤس» 1944 وتوفيق الحكيم في «الرباط المقدس» العام 1944، ومحمد فريد أبو حديد في «أبو الفوارش عنترة» 1947. وقد أخذت هذه الملامح الواقعية تتبلور عند نجيب محفوظ في سلسلة روايات مهمة وفيها يمكن الحديث عن اتجاه واقع نقدي عالي القيمة. وسنرى في الخمسينيات صدور قمة الواقعية المصرية ممثلة في ثلاثية محفوظ (1956-57)، و «الأرض» لعبد الرحمن الشرقاوي (1953) و «الجبل» لفتحي غانم (1957) و «الحرام» ليوسف إدريس (1959). ويرسم أنصار الحداثة للواقعية في مصر صورة شائهة يسهل إلحاق الهزيمة بها، فقد تعني محاكاة سطح الواقع في تفاصيله اليومية التافهة، وسلخ جلود جوانبَ من الواقع وتكديسَها. وقد تهتم بتصوير حيوات فئات شعبية بعينها وتمجيدها، أو وصف بؤسها ومعاناتها، كما قد تعني الدفاع عن أفكار مجردة تتعلق بالوطنية أو العدالة الاجتماعية، وقد تعني خليطًا من كل ما سبق”.

ويضيف: “وفي الستينيات أعيد النظر في التقنيات ورأى الروائي الواقع بعينيه لا بعيني الإيديولوجية الرسمية أو أية إيديولوجية أخرى، ولجأ إلى تقنية تصلح ممرًا إلى الحداثة، إلى تيار الشعور وعكس اتجاه الزمن والتوازي الأسطوري. وعند بعض روائيي السبيعينيات والثمانينيات مثلت الأفعال والأحداث أنماطًا أولية متصلة بشعائر الميلاد والوفاة ودوريات الحياة والخصوبة والتجدد أو الاضمحلال عند يوسف أبورية ومحسن يونس. وجاء صهر تقنيات تراثية وحداثية (جمال الغيطاني على سبيل المثال)، أو صهر تقنيات واقعية وحداثية (أصلان والبساطي وخصوصًا بهاء طاهر). وقد ظلت الرواية المصرية متنفسًا لتقنيات متعددة حتى الرومانسية عند إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي وأمين يوسف غراب. وقد ظهرت بشائر الحداثة باعتبارها عناصر انقلابية داخل التقليد الواقعي في «اللص والكلاب» لمحفوظ و «الرجل الذي فقد ظله» لفتحي غانم. وتحققت قطيعة مع التقنية الواقعية عند صنع الله إبراهيم، فهو يكسر عامدًا قواعد المنظور وتراتب أهمية التيمات والأحداث. ثم تألقت الحداثة على أرضية الحداثة عند إدوار الخراط، وبطريقة خاصة عند عبده جبير”.

ويؤكد: “في التسعينيات اعتبر التاريخ قائماً على أوهام الذاكرة والوجود متاهةً عند مصطفى ذكري ومنتصر القفاش، وحدث التصدي لمسائل فلسفية روائية عندهما وعند منصورة عز الدين. وتعتمد ميرال الطحاوي على شعرية الأداء في إزالة الحواجز بين الحلم والصحو، والأسطورة والتاريخ، والخيال والذاكرة التسجيلية. وفي العقدين الأول والثاني من القرن الحادي والعشرين انصهرت الرؤية والتقنية على نحو مغاير. واتسمت التقنية أحيانًا بالتشظي والتجريد أو الفانتازيا والعدمية وتصدير التساؤل حول علاقتها بمسائل التدين أو الواقع الافتراضي أو التاريخ أو اللغة عند إبراهيم عبد المجيد وعز الدين شكري وأمينة زيدان وهالة البدري، ثم عند طارق إمام وأحمد عبد اللطيف ومحمد علاء الدين على نحو مزعج للثوابت”.

وفاته..

توفى”إبراهيم فتحي” يوم الخميس3 أكتوبر 2019، عن عمر ناهز الـ 89 عاما، بعد صراع مع المرض، وذلك بعد عودته إلى العاصمة الإنجليزية لندن برفقة زوجته.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة