إقصاء “الساعدي” يكشف الكثير .. هل تباع الرتب العسكرية بـ”العراق” لحساب الطائفية والميليشيات ؟

إقصاء “الساعدي” يكشف الكثير .. هل تباع الرتب العسكرية بـ”العراق” لحساب الطائفية والميليشيات ؟

خاص : كتبت – هانم التمساح :

“الضابط الدمج”؛ مصطلح أُشيع في “العراق”، خلال مرحلة ما بعد عام 2003، حيث يُطلق على الضباط الذين تم تعيينهم ودمجهم مع القوات الأمنية، دون أن يتدرجوا عبر الكلية العسكرية، أو نيلهم شهادة دراسية، إذ حصل الآلاف على رتب عسكرية عالية في عهد رئيس الوزراء الأسبق، “نوري المالكي”، ليحلو محل الضباط النظاميين، هذه القضية فُتحت من جديد بعد استبعاد قائد قوات مكافحة الإرهاب من منصبه رغم قضاءه على تنظيم (داعش) الإرهابي.

ولم يسبق أن شهد “العراق”، منذ عام 2003؛ حملة رفض على المستويين الشعبي والرسمي ضد عملية نقل قائد عسكري من موقع لآخر؛ مثلما حدث مع قرار نقل الفريق الركن “عبدالوهاب الساعدي”.

ردود الفعل العراقية المعترضة والرافضة لقرار القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء، “عادل عبدالمهدي”، بنقل قائد قوات مكافحة الإرهاب، الفريق الركن “عبدالوهاب الساعدي”، إلى دائرة الإمرة في “وزارة الدفاع”، لم تتوقف على مدار اليومين الماضيين، حيث أعرب عدد كبير من السياسيين عن رفضهم للقرار، كما ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات صدرت عن كُتاب وصحافيين منتقدين لاستبعاد “عبدالوهاب الساعدي”، الذي كان من بين أبرز قادة جهاز مكافحة الإرهاب في الحرب ضد (داعش).

إهانة لقيادة عسكرية !

وترى غالبية الإتجاهات الرافضة للقرار، أنه يمثل “إهانة واستبعادًا” لشخصية عسكرية تحظى بشعبية جارفة نتيجة دورها المعروف في المعارك ضد (داعش)، وتؤكد مصادر عسكرية أن نقل الضباط الكبار إلى دائرة “الإمرة” في “وزارة الدفاع”، تعني عمليًا “معاقبتهم” أو “إبعادهم والاستغناء عن خدماتهم في أفضل الأحوال”. وقد أشار “الساعدي” نفسه إلى ذلك، حين أعلن عن تفضيله “السجن أو الإحالة إلى التقاعد” على قرار النقل إلى دائرة “الإمرة”.

تفسيرات متباينة..

وتباينت التفسيرات حول دوافع نقل “الساعدي”، بين من يقول إنها: “حركة تنقلات عادية تجري بشكل دوري على القيادات العليا في الجيش”، ومن يرى أن وراءها “أجندات خارجية” هدفها كسر هيبة المؤسسة العسكرية الإحترافية لصالح صعود قادة من الضباط (الدمج) والفصائل المسلحة صاحبة الولاءات الطائفية، وهناك من أشار صراحة إلى “دور إيراني محتمل” في أمر النقل، باعتبار حالة العداء بين “إيران” والمؤسسة العسكرية العراقية؛ التي حاربتها لثماني سنوات.

وثمة إتجاهات قليلة “عابت” على “الساعدي” تصريحاته الصحافية الرافضة لقرار النقل؛ باعتبار أنها تتقاطع مع مفهوم الإحتراف العسكري الذي يتطلب إطاعة الأوامر دون اعتراض.

تحقيق نيابي..

بيد أن نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع البرلمانية النائب عن نينوى، “نايف الشمري”، يرى أن “الساعدي”؛ “أحد ضحايا عدم حسم ملف الدرجات الخاصة”، مؤكدًا على أن لجنته “ستفتح تحقيقًا في موضوع نقله الذي مثّل صدمة لم نكن نتوقعها؛ ولم نجد لها حتى اللحظة أي تفسير”.

مطالبات بالعدول عن القرار..

وترددت أنباء عن تدخل زعيم التيار الصدري لحث رئيس الوزراء على إلغاء أمر نقل “عبدالوهاب الساعدي”، وطالب رئيس “جبهة الإنقاذ والتنمية” ورئيس البرلمان السابق، “أسامة النجيفي”، رئيس الوزراء، بالعدول عن قراره. وقال “النجيفي” في بيان، أمس، إنه: “في تاريخ الأمم والشعوب يُكرم ويُحتفل بالمقاتلين الشجعان الذين سطروا ملاحم مشرفة في الدفاع عن الوطن، وللأسف الشديد فقد فوجئنا اليوم بإحالة البطل العراقي الغيور، الفريق الركن عبدالوهاب الساعدي، إلى الإمرة بعد صولات وجولات كان فيها نجمًا بارزًا من نجوم القضاء على (داعش) الإرهابي”. وأضاف أن: “إنعكاس هذه الخطوة على المقاتلين والشعب؛ تمثل رسالة سلبية تصيب المعاني العالية بالإحباط وعدم القناعة بالإجراءات”.

بيع المناصب العسكرية بمبالغ ضخمة !

أما رئيس الوزراء السابق، “حيدر العبادي”، الذي كان القائد العام للقوات المسلحة إبان الحرب على (داعش)، خلال الأعوام (2014 – 2017)، فقد غرد عبر (تويتر) قائلًا: “ما هكذا تكافيء الدولة مقاتليها الذين دافعوا عن الوطن”. وأضاف: “المؤكد أن هناك سياقات لتغيير أو تدوير المواقع العسكرية والأمنية، لكن يجب أن تكون على أساس المهنية وعدم التفريط فيمن قدموا للشعب والوطن في الأيام الصعبة”.

وفي إشارة إلى ما يتردد عن عمليات بيع للمناصب العسكرية بمبالغ ضخمة؛ واحتمال تعرض منصب “الساعدي” لأمر مماثل، تساءل “العبادي”: “هل وصل بيع المناصب إلى المؤسسة العسكرية والأمنية ؟”.

وعبر رئيس تيار (الحكمة الوطني) المعارض، “عمار الحكيم”، عن استغرابه من موضوع نقل “الساعدي”، وقال عبر بيان، أمس: “من حقنا أن نستغرب من قرار تجميد، الفريق الركن عبدالوهاب الساعدي، الذي تشهد له سوح الوغى في مشوار دحر الإرهاب الداعشي بصولاته وإقدامه وشجاعته حتى كان في طليعة من حررها من دنس الظلاميين”. وأضاف أن: “هذا الإجراء، حينما يكون بديلاً عن المكافأة والتقدير، فإنه يبعث رسالة مغلوطة ليس فقط عن آليات إدارة الملف الأمني فحسب، بل عن إدارة الدولة بشكل عام”.

ورأى عضو اللجنة القانونية في البرلمان، “فائق الشيخ علي”، أن الرسالة التي بعثها قرار نقل “الساعدي” تؤكد على أن: “لا مكان للأبطال والقادة المنتصرين في الأمام، عليهم أن يتراجعوا إلى الخلف”.

غياب الكفاءة العسكرية لصالح الطائفية..

حملة التضامن الواسعة التي سمت فوق الطائفية؛ وهذا الإجماع الوطني برفض القرار، جاء نتيجة لتاريخ شخصية “الساعدي” الذى يكشف تشبعه بمباديء الوطنية والروح العراقية الأصلية، خلال معارك تحرير “الموصل” من (داعش). وإلى جانب معرفتة بين الناس، بمواقفه الإنسانية مع الأهالي وإبتعاده عن الميول الطائفية، في معارك “نينوى” وغيرها، لهذا وجد فيه الشعب نموذجًا للقائد العسكري الوطني وهبّ للدفاع عنه في موقف شرفي لم ينله أيًا من السياسيين العراقيين، منذ 2003.

ويفسر أستاذ العلوم السياسية في جامعة “الكوفة”، “إياد العنبر”، ذلك بأن الناس ترى في “عبدالوهاب الساعدي”، نموذجًا ورمزًا للدولة في مقابل تغول الفصائل وقادة الميليشيات، كما أن قصة التعاطف مع “الساعدي” ترتبط أيضًا بشعور المرارة الناجم عن إعتقاد الناس بتعمد الدولة إلى عدم تكريم الأبطال والسعي إلى إهانتهم بدلًا من تكريمهم.

أنتقدت النائبة عن تحالف (سائرون)، “هيفاء الأمين”، قرار رئيس الوزراء، ووصفته بأنه: “قرار مفاجيء ومُحبط “، وقالت في بيان صحافي: “إن الساعدي أحد رموز المهنية والبطولة، وقد فوجئنا وأُحبطنا بهذا الإقصاء”، أضافت: “إن العراق يعاني من التأثيرات السلبية لوجود الرتب العسكرية غير ذات الكفاءة لاسباب حزبية وطائفية وعرقية”.

بينما أعلن النائب عن كتلة (الحكمة) المعارضة، “أسعد ياسين المرشدي”، أن الكتلة ستمنع تنفيذ أمر رئيس الوزراء، “عادل عبدالمهدي”، بتهميش قائد قوات مكافحة الإرهاب، الفريق الركن “عبدالوهاب الساعدي”.

وقال “المرشدي”، في بيان، أن: “من ما تتفاخر به الأمم وتحتفي به الشعوب؛ هو تخليد القادة الشجعان الذين أذادوا عن أوطانهم وشعوبهم، إلا نحن ننكر عطائهم ونهمش دورهم، بل ويصل بنا الأمر أحيانًا إلى معاقبتهم بدل مكافئتهم، وهذا ما حصل اليوم للقائد الشجاع، الفريق عبدالوهاب الساعدي”.

وأضاف: “من باب مسؤوليتي، باعتباري منتخب من أبناء شعبي، فأني أستنكر وبشدة إحالة ذلك الرمز البطولي إلى إمرة وزارة الدفاع، ليس إنتقاصًا من إمرة الوزارة، بل لكي لا تستنفد خبرة ذلك المقاتل الأشم بعيدًا عن ساحات المواجهة وقيادة القوات”.

وناشد “المرشدي”؛ “القائد العام للقوات المسلحة بإلغاء الأمر؛ وبعكسه سوف نعمل مع أبناء شعبنا وبالطرق التي نراها مناسبة لمنع هذا الأمر”.

الفساد الذى تغلغل فى أرجاء “العراق”، منذ سقوط نظام “صدام حسين”، لم يترك بابًا إلا وطرقه؛ فليس غريبًا أن يصل الفساد إلى المؤسسة العسكرية.

في 30 أيلول/نوفمبر 2014؛ كشف رئيس الوزراء، آنذاك، “حيدر العبادى”، عن وجود 50 ألف موظف قضائي في “وزارة الدفاع”، يستلمون رواتب بأسماء وهمية !

سيطرة إيرانية !

وكشف قرار “عبدالمهدى”، المخطط الإيراني للسيطرة على المؤسسة العسكرية في “العراق”، والذي يقوده الإيراني، “قاسم سليماني”، قائد (فيلق القدس)؛ التابع لميليشيات (الحرس الثوري) الإيرانية.

وقال مصدر بالحيش العراقي؛ إن “سليماني” يسعى لإضعاف القوات المسلحة العراقية من خلال تصفية الضباط عبر إحالة المئات منهم للتقاعد وتنفيذ عمليات اغتيال ضد آخرين، محذرًا من: “سيطرة إيرانية كاملة على الملف الأمني”.

وقال: “لم تتوقف إيران، منذ سقوط نظام حزب البعث في العراق عام 2003، عن عمليات تصفية الضباط العراقيين من خلال تنفيذ عمليات اغتيال في صفوفهم؛ لا تزال مستمرة حتى الآن”.

وأضاف أن: “سليماني يواصل، منذ نحو أسبوعين، اجتماعاته في بغداد مع قادة الميليشيات والمسؤولين العراقيين التابعين لإيران، ويشرف على غرفة عمليات مهمتها إقصاء الضباط العراقيين في الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب والقوات الأمنية الأخرى؛ وتسليم الملف الأمني بالكامل للحشد الشعبي”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة