خاص: إعداد- سماح عادل
“سامي عبد الحميد” كاتب وممثل ومخرج عراقي، من مواليد السماوة في العراق عام 1928، وهو أستاذ متمرس في العلوم المسرحية بكلية الفنون الجميلة جامعة بغداد. حاصل على ليسانس الحقوق ودبلوم من الأكاديمية الملكية لفنون الدراما في لندن، وماجستير في العلوم المسرحية من جامعة اورغون الولايات المتحدة. وهو رئيس اتحاد المسرحيين العرب، وعضو لجنة المسرح العراقي، وعضو المركز العراقي للمسرح، ونقيب سابق للفنانين العراقيين.
ألف عدة كتب تخص الفن المسرحي منها: (فن الإلقاء، فن التمثيل، فن الإخراج). ترجم عدة كتب تخص الفن المسرحي منها: (العناصر الأساسية لإخراج المسرحية الكسندر دين، تصميم الحركة لاوكسنفورد، المكان الخالي لبروك). كتب عشرات البحوث من أهمها: (الملامح العربية في مسرح شكسبير، السبيل لإيجاد مسرح عربي متميز، العربية الفصحى والعرض المسرحي، صدى الاتجاهات المعاصرة في المسرح العربي).
شارك في عدة مهرجانات مسرحية ممثلا ومخرجا أو ضيفا منها: (مهرجان قرطاج، مهرجان المسرح الأردني، مهرجان ربيع المسرح في المغرب، ومهرجان كونفرسانو في إيطاليا، ومهرجان جامعات الخليج العربي، وأيام الشارقة المسرحية).
حصل على الكثير من الجوائز والأوسمة منها: (جائزة التتويج من مهرجان قرطاج، وسام الثقافة التونسي من رئيس جمهورية تونس، جائزة الإبداع من وزارة الثقافة والإعلام العراقية، جائزة أفضل ممثل في مهرجان بغداد للمسرح العربي الأول). من أشهر أعماله الإخراجية المسرحية: (ثورة الزنج، ملحمة كلكامش، بيت برناردا، البا، انتيغوني، المفتاح، في انتظار غودو، عطيل في المطبخ، هاملت عربيا، الزنوج، القرد كثيف الشعر).
افلامه السينمائية:
- فيلم (من المسؤول؟ – 1956) إخراج : عبد الجبار ولي.
- فيلم (نبوخذ نصر 1962) إخراج : كامل العزاوي. (أول فيلم عراقي ملون).
- فيلم (المنعطف 1975) إخراج : جعفر علي.
- فيلم (الأسوار 1979) إخراج : محمد شكري جميل.
- فيلم (المسألة الكبرى (فيلم) 1982) إخراج : محمد شكري جميل.
- فيلم (الفارس والجبل 1987) إخراج : محمد شكري جميل.
- فيلم (كرنتينا) للمخرج : عدي رشيد.
المسرحيات التي مثلها:
- مسرحية (النخلة والجيران) للمخرج المسرحي الراحل: قاسم محمد.
- مسرحية (بغداد الأزل بين الجد والهزل) للمخرج المسرحي الراحل: قاسم محمد.
- مسرحية (الإنسان الطيب) للمخرج المسرحي الراحل: عوني كرومي.
- مسرحية (انسو هيروسترات) لمؤلفها العالمي: غريغوري غورين- إخراج: فاضل خليل.
- مسرحية (قمر من دم) إخراج: فاضل خليل
- مسرحية (غربة): إخراج كريم خنجر.
التنظير..
في حوار معه أجرته “زهور شنوفنشر” يقول “سامي عبد الحميد” عن المسرح: “مازلت جنديا من جنود المسرح، مازلت في الحقيقة أكافح، أحاول أن أجد طريقي، لكي أثبت إمكانياتي، أثبت معرفتي، اكتشفت بعد سنين طويلة أن ثقافتنا المسرحية كانت فقيرة جدا، ولكن في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي بدأت أذهاننا تتفتح على المعارف والثقافات، وكان لمجلة ”المسرح” المصرية دورا في هذا، ازداد هذا التفتح بالنسبة لي عندما درست المسرح في لندن، بل أكثر من هذا عندما ذهبت إلى الولايات المتحدة إلى جامعة هوريغن ودرست المسرح للحصول على شهادة الماجستير، هناك اكتشفت مدى الفقر في الثقافة لدينا، آنذاك شعرت أن حتى الأساتذة الذين درّسوني في بغداد ثقافتهم كانت جدا جدا فقيرة بالرغم من ممارساتهم النظرية والتطبيقية، فعلى سبيل المثال أستاذنا الراحل، حقي الشبلي، درس المسرح في باريس وجاء منها في بداية الأربعينيات وأسس في معهد الفنون اختصاص للتمثيل والمسرح، ومن خلال تدريسه وتدريبه كنت أشعر أنه مثقف، لكن الآن عندما أسترجع الأمور أقول إنه لم يكن يمتلك ثقافة مسرحية، يمكن أن تكون لديه خبرة من خلال التطبيقات والتجربة جعلته يعرف كيف يقف الممثل على خشبة المسرح وكيف يلقي بشكل صحيح·· أما التنظير فلا يوجد شيء، فعلى سبيل المثال لا أتذكر في يوم من الأيام أنه ذكر الموسيقار “فاغنر” وأثره في المسرح، أو ذكر الدوق “ساكس ماينغل” ودوره ودور فرقته في المسرح، لا أتذكر حتى أنه أشار إلى “ستانسلافسكي”، هذا الاسم الذي عرفناه بعد أن عاد بعض المبعوثين من الولايات المتحدة مثل “إبراهيم جلال”، “جاسم العبودي”·· وإذا بهم يقولون إن هناك طريقة تسمى طريقة” ستانسلافسكي”، واكتشفت أنني عرفت بهذه الطريقة قبل أن يأتوا بها هم، بترجمتي لكتاب “ديفد ماغرشاك” عن الطريقة ونشرته في سلسلة بمجلة السينما التي كانت تصدر في بغداد سنوات بين 54 و56، والحقيقة أنني ترجمته، ولم أكن أعرف ما هي هذه الطريقة”.
ويواصل: “وهنا أرجع وأقول أنني اكتشفت هذا الفقر في الثقافة عندما درست الماجستير في جامعة هوريغن وذهبت إلى المكتبة، وكنت أريد أن أخرج مسرحية كتبها مؤلف عراقي بعنوان ”نيجينسكي ساعة زواجه بالرب”، أردت أن أعرف من هو نيجينسكي، فذهبت إلى مكتبة الجامعة واكتشفت أن هناك رفوفا عديدة حول راقص البالي هذا، ومن هنا امتد بحثي إلى أمور كثيرة، وبدأت أفكر في كيفية نقل هذه المعارف إلى طلبتي، حيث سبق وأن قمت بترجمة أول كتاب في الإخراج المسرحي ”أسس الإخراج المسرحي” لألكسندر دين، وهو واحد من علماء الإخراج المسرحي في العالم، وترجم هذا الكتاب بعد ذلك بسنوات في مصر، وهكذا رحت أؤلف العديد من الكتب في فن التمثيل وخصوصا في فن الإلقاء”·
المسرح العراقي..
وعن أهم ملامح المسرح العراقي يضيف: “في البداية، لم يظهر كتاب نصوص تغري المخرجين أو تصل إلى المستوى الفني العالي كما في العالم، وهذا جعل الوجه إلى النص خارجية، لكن في بداية الستينيات ظهر عدد ولو قليل من المؤلفين أمثال يوسف العاني، عادل كاظم، نور الدين فارس، طه سالم·· خلقت بصمة، نحن كمخرجين أو كممثلين كنا نترك النصوص العراقية في البداية ونبحث عن أخرى أجنبية مترجمة لاعتقادنا أنها مكتملة، وبها عناصر دراما راقية، ولكن لما ظهر هؤلاء اندهشنا، على سبيل المثال أنا كنت أخرج نصوصا ليوسف العاني محلية أي تتحدث عن المجتمع العراقي، بعدها أعطاني المؤلف عادل كاظم نصا بعنوان ”تموز يقرع الناقوس” يحكي عن أسطورة، فتموز مع حبيبته أرنيني يتفقان على أن يضعا قلبيهما في مادة لصنع الجرس وعندما يدق هذا الجرس تحدث الثورة ويتغير النظام، عندما قرأته دهشت ومباشرة قررت أن أخرجه، والسينوغرافي الذي عمل معي ضياء العزاوي أيضا عراقي من أهم الرسامين، واشتغل الديكور بألواح تحيلنا على الآثار لكنها تنبض بالحياة، وهكذا بدأت تتشكل ملامح المسرح الأولى، وفي هذه الفترة يوسف العاني نفسه بعد أن كان يكتب نصوصا بسيطة، وإذا به يكتب مسرحية اسمها ”المفتاح” قدمت، مؤخرا، بالجزائر بعنوان ”الخربة” مع فرق الزمن الذي كتبت فيه، لكنها تتميز بالمستوى العالمي، وبذلك دخلنا المسرح الملحمي، وهكذا حدث التحوّل من النص الأجنبي إلى النص المحلي· النقطة الثانية في تحولات المسرح عندنا كانت أيضا بالستينيات التي تعتبر الفاصلة بالنسبة للمسرح العراقي، حيث كان المسرحيون في منتصف الخمسينيات وإلى غاية بداية الستينيات مقلدون للمسرح المصري، فكانت تأتي فرق زائرة إلى بغداد كفرقة يوسف وهبي وفرقة جورج أبيض·· وغيرها، فأخذوا يقلدون هذه الفرق في كل شيء، ولكن بعد أن ذهب مجموعة من خريجي المعهد العالي للفنون الجميلة في بعثة إلى الولايات المتحدة جاءوا لنا بمعرفة وتقنيات لم نكن نعرفها ووقتها تغير شكل العمل المسرحي· النقطة الثالثة، والتي هي أيضا جد مهمة وجعلت المسرح العراقي أكثر تفتحا وأكثر حيوية، ومن المسارح العربية المتقدمة، أن معظم المخرجين درسوا في أماكن مختلفة روسيا، الولايات المتحدة، إنجلترا، اليونان، هذا ما خلق ثراء معرفيا وتطبيقيا في المسرح العراقي الذي تحول العرض فيه من تقليد ساذج للفرق المصرية إلى رؤى وتقنيات انعكست في الأعمال التي قدمها من درّسونا من المخرجين الأوائل أمثال إبراهيم جلال، جعفر السعدي، جاسم لعبودي··· وغيرهم، والتي أقولها بصراحة الآن المخرجين الشباب من الصعب تقديم مثلها·· أيضا هناك نقطة مهمة في تحولات المسرح العراقي وهي ظهور الفرق المسرحية، فإلى جانب تأسيس فرقة المسرح الوطني أو كما سميت ”الفرقة القومية للتمثيل”، وفي الحقيقة أنا بدأت بالتأسيس غير الرسمي في العام 1964 وقدمت إلى غاية 1967 أربع مسرحيات مهمة ”تاجر البندقية لشكسبير، انتيغوني، الحيوانات الزجاجية، النسر له رأسان/” ومن شاهد هذه المسرحيات ممن درسوا في الخارج، أكدوا أنها لا تختلف عن أي عرض يقدم في الخارج، وبعد ذلك جاء التأسيس الرسمي لفرقة المسرح الوطني سنة 1968 وضمت عدد كبير من الممثلين والمخرجين لديهم تنوع بالرؤى ومعارف كبيرة، وهي مستمرة في عملها إلى غاية اليوم، وإلى جانبها ظهرت فرق خاصة ومنافسة من بينها الفرقة التي أنتمي إليها فرقة المسرح الحديث، والتي أسسها إبراهيم جلال، يوسف العاني وأنا، ومجموعتنا كان معظم عناصرها من الطبقة المثقفة وأنا ويوسف من خريجي كلية القانون ونحمل أهدافا وأفكارا معينة، كنا نؤمن أن المسرح وسيلة للتوجيه والتوعية، ولنقد ما هو سلبي في المجتمع والسلطة وليس وسيلة للتسلية وحسب·· ورحنا نبحث عن جمهور جديد غير جمهور الجامعة وتوسع جمهورنا عدديا عبر السنوات، كنا في البداية نقدم العرض لليلة أو اثنين وينتهي الأمر، وإذا بنا في بعض العروض كمسرحية ”النخلة والجيران” التي أعدها وأخرجها الراحل، قاسم محمد، عرضنا أكثر من شهرين، وفي سنة 1969 استأجرنا بناية خاصة سميناها مسرح بغداد وأصبحت مقر مسرحنا، وأصبح الناس يأتون من المحافظات المجاورة بالحافلات يشاهدون العروض ويعودون في الليل، ومسرح بغداد مازال موجودا إلى اليوم لكنه مدمر”·
وعن العصر الذهبي للمسرح العراقي يقول: “الستينيات، واستمر إلى السبعينيات، في الثمانينيات حدث تحول سلبي، ظهر ما أسميناه المسرح التجاري، لماذا يسمى مسرحا تجاريا لأن هدفه تجاري وليس فكري أو فني، والوسائل التي يتعامل بها مع الممثلين ومع الجمهور وسائل تجارية قائمة على العرض والطلب، زائد أن المنتج يريد أن يستثمر في العمل المسرحي تجاريا، ومعروف هذا النوع في كل العالم أن عليه مآخذ كونه آني وسطحي، لأن وسيلته وهدفه هو التسلية، وطفت هذه الموجة وتوسعت، وفي بداية التسعينيات كانت أكثر من 20 بناية مسرح كلها لا تشغل سوى مسرحا تجاريا، وساهم في ذلك الحرب مع إيران والمشاكل الاجتماعية وظروف الحياة بوجه عام دفع الناس للبحث عن متنفس، وبهذا اختل التوازن بين مسرحنا، المسرح الأصيل وهذا المسرح· وما زاد الأمر سوءا أنه لما تكاثرت هذه الفرق التجارية اضطروا إلى تشغيل أناس طارئين، أحيانا من الشارع، وخصوصا العنصر النسائي، وهذا ما كنا نخشاه، أن تجعل هذه الظروف من هبّ ودبّ يدخل عالم المسرح”·
المسرح الانتقائي..
في مقالة بعنوان (الانتقائية في تجربة سامي عبد الحميد المسرحية) يقول “عبد الخالق كيطان”: “في الكثير من الأحاديث الجانبية مع الأستاذ سامي وجدته يركز على مفهوم يسميه: المسرح الانتقائي، وفي حوار طويل معه أجريته قبل سنوات أشار الأستاذ سامي إلى تجربته بوصفها رائدة في هذا المجال، وأذكر أنه تحدث عن تجربة الفنان الراحل عوني كرومي بالصيغة ذاتها.. واليوم، يعود الأستاذ للحديث عن المسرح الانتقائي في كتابه الجديد: نحو مسرح حي (بغداد 2006)… فما هو المسرح الانتقائي في فكر سامي عبد الحميد؟ يرى الأستاذ عبد الحميد أن الانتقائية تدعو إلى تعدد الابتكارات وإلى توسيع الخيال وفسح المجال للتجريب، وفسح المجال للتبسيط والاختزال وللتحول من التخصيص إلى الإعمام. ويواصل حديثه بالقول أن الانتقائية تحرر المخرج من قيود البناية المسرحية التقليدية. وهو في مقاله الموسوم: الانتقائية هي الأرجح (الفصل الثاني من الكتاب) يقرر سلفاً، كما هو واضح من العنوان بأن المنهج الانتقائي الذي يدعو إليه يطلق العنان لإبداع الفنان مما يجعله يتنفس أنسام الحرية، وهي جملة شعاراتية لا تؤسس حقيقة للمشروع الذي يريده هو شخصياً بالرغم من سياحته القصيرة على تجارب مخرجين أجانب عدهم البحث ضمن الرؤية الانتقائية.. يريد الفنان عبد الحميد بدعوته هذه التقعيد لتجربته الممتدة على مدى أكثر من نصف قرن، وهو المخرج المجرب الذي جالت مسرحياته المناهج المختلفة ولم تستقر على منهج بعينه، وهو في مقاله الطويل يذهب إلى المقارنة مع تجربة الفنان الدكتور صلاح القصب، صاحب مسرح الصورة المشهور، بوصفها تجربة أسلوبية ثابتة.. ونحن نعرف أن الأسلوب يؤدي إلى النمط والنمط معناه قبر التجريبي. لقد تعامل الأستاذ عبد الحميد مع نصوص أجنبية وعربية ومحلية مختلفة، وكان في كل تجربة جديدة له يريد ابتكار رؤية إخراجية تناسب الظرف السياسي العراقي المشحون طيلة القرن الماضي، فهو كالماشي على حقول جمر، فتراه يوماً يميل إلى الواقعية، ومرة إلى التعبيرية ومرة إلى الرمز والكلاسيكية وهكذا.. وعلى صعيد التمثيل أيضاً كانت إسهاماته تتقلب حسب الأدوار التي يلعبها، وإذا كان الأمر مقبولاً بدرجة كبيرة في فن الممثل، على اعتبار أن الممثل صانع أوجه ماهر، فأنه لأمر مختلف حقاً في الإخراج، من دون أن نسقط في فخ الترويج للأسلوب الثابت المكرر”.
ويضيف: “لا تعني الانتقائية في تقديرنا التقافز بين المناهج المختلفة، بل تعني مطابقة العروض للضرورات، وقد نختلف في توصيف الضرورات، ولكننا سنتفق حتماً في أن لكل عرض، انتقائي بلغة عبد الحميد، شروطاً وظروفاً محيطة ما يبعد العمل عن فكرة المسرحة لصالح أفكار أخرى.. فعبد الحميد مثلاً عندما يشتغل مع طلبة الأكاديمية هو ليسه الذي يعمل مع المحترفين في الفرقة القومية، وعندما يقوم بإخراج مسرحية حدث موسمي هو ليس عبد الحميد الذي يقلقه مشروع مسرحية فيستغرق من وقته وفكره وجهده الكثير.. هكذا يبدو تنقله بين الأشكال المسرحية في الكثير من الأحيان محاولة للإمساك بنحو عصي ومستفز، وبالضرورة خاضع لاشتراطات ما حولية.. تجربة مثل تجربة الفنان عبد الحميد، وعلى هذه الرقعة الزمنية الطويلة، وبكل معاصرتها لأجيال من التجارب والاتجاهات المسرحية المختلفة ليست بالنتيجة تجربة عابثة أو غير مدروسة، فهو حينما يقدم عملاً بتوقيع مؤلف جديد، أو شاب، مبتدئ في المسرح، فإن النزعة التربوية هي التي تتحكم بعمل من هذا النوع، وعبد الحميد، كما نعرف هو أستاذ الدراما في أكاديمية الفنون الجميلة على مدى عقود، فما يمكن تسميته بالمهنة (التدريس) يقع في صلب يومياته التي اعتاد عليها هذا العمر الطويل.. الأمر نفسه ينطبق على المخرج عندما يخوض في تجربة مختبر مسرحي مع مجموعة من المجربين، تراه في مثل العروض التي تنتجها تلك المختبرات يفكر بعقلية مجرب شبابي لا يأبه كثيراً للمتلقي واشتراطاته، ولا لتنظيرات النقاد واشتراطاتهم.. هنا أيضاً يكون عبد الحميد قاصداً في تجربته مطابقة الضرورات.هل على المخرج المسرحي في ضوء ذلك أن يكون انتقائياً؟؟ إن جوهر ما يدعو إليه الأستاذ سامي عبد الحميد يقع في ضرورة أن لا يتوقف المخرج المسرحي عند مشروع بعينه، بل عليه أن يتنقل في عروضه بين المناهج والرؤى الإخراجية التي تطابق ضرورات تلك العروض.. ولا يؤمن الأستاذ بالعروض التي يخضعها مخرجوها إلى رؤية قبلية مما يمنحها سمة التكرار، كما يعتقد”.
ويوضح: “لقد ظلت أعمال الأستاذ سامي المتناقضة في أشكالها تعبر عن تجريبية عراقية حائرة طبعت حياة العراقيين، وأقصد الحيرة، طوال أكثر من نصف قرن بسبب التقلبات السياسية العراقية المجنونة والتي دفع ثمنها العراقيون بشتى شرائحهم، وبالتالي فإن ما نراه اليوم، على سبيل المثال من عقم في المشروع الثقافي العراقي هو بلا شك نتيجة حيرة العقود الماضية.. حيرة لم يفلت منها عقل كبير مثل عقل الأستاذ عبد الحميد، ما دفعه للبحث عن مناطق أخرى لتحقيق أحلامه المسرحية الكبرى فكانت إسهاماته المؤثرة في مجالات: البحث، التدريس، النقد، التنظير، التمثيل والإخراج المسرحي.. وذلك لم يتحقق لمخرج مسرحي عراقي كما تحقق لعبد الحميد دون سواه سواء من جيل الريادة الأول أو الثاني أو أجيال ما بعد الريادة. تنقلات عبد الحميد بين المناهج المسرحية وفق هذا التصور كانت ضرورية بالنسبة للأجيال التالية من المخرجين، فهي تنقلات كانت بمثابة تنقلات جنود المشاة بحثاً عن حقول الألغام من أجل تمهيد الطرق لأرتال من الجنود القادمين.. كان سامي عبد الحميد يحاول في تجاربه المتعددة أن يكتشف ضمن منطق الضرورات آنف الذكر مناطق جديدة لم تكتشف من قبله، ولعل تجارب من قبيل: هاملت عربياً، المفتاح، تموز يقرع الناقوس، بيت برناردا ألبا، ثورة الزنج، إلى إشعار آخر، عطيل في المطبخ إلخ تعد اليوم علامات مهمة في تاريخ مسرحنا العراقي، وكل علامة من تلك العلامات كانت قد اشتغلت، ضمن نظم الأداء الصوري الإخراجي، على أشكال ورؤى قد تكون متناقضة، وهي كذلك حقاً، ولكن ما يربطها جميعاً هو ذلك الإصرار القوي عند الأستاذ عبد الحميد في العيش على الخشبة، لا جوارها، ولا أمامها، ولا خلفها…بل على الخشبة فقط”.
غربة..
في حوار آخر معه أجراه “عدنان يعقوب القره غولي” يقول “سامي عبد الحميد” عن مسرحية “غربة”: “مسرحية “غربة” تحكي باختصار غربة المثقف واغترابه إذا صح التعبير، مسرحية منودراما لمدة 40 دقيقة مستمرة من بطولتي وهي من تأليف جمال الشاطي وإخراج أحد طلابي هو الفنان كريم خنجر. ما لفت إليها الأنظار “كيف لممثل بهذا العمر يقوم بهذا الدور المرهق وينجح” هذا ما أذهل النقاد والجمهور إضافة إلى القيمة الفكرية للمسرحية. وهناك “أغنية التم” لتشيخوف هي تجربة منودراما أخرى لي قدمتها عدة مرات، الأولى كانت من إخراج الأستاذ الراحل إبراهيم جلال عام1956 لفرقة المسرح الحديث قدمت على قاعة الشعب “قاعة الملك فيصل آنذاك”، ثم أعدت تقديمها عام1976 بإخراج الفنان “قاسم محمد” على مسرح بغداد، ثم من تمثيلي وإخراجي عام 1987 على قاعة منتدى المسرح، ثم قدمتها بثلاث مدن ايطالية عام 1998 برؤية الفنانة عواطف نعيم وإخراج الفنان عزيز خيون، وبعنوان مختلف هو”ابحر في العينين”. وآخر مرة قدمت “أغنية التم” في الشارقة عام 2000″.
وفاته..
توفي “سامي عبد الحميد”، صباح الأحد 29 سبتمبر 2019 عن عمر ناهز الـ 91 عاماً، بعد صراع مع المرض.