خاص : كتبت – نشوى الحفني :
تدفع “تركيا” دائمًا بإتجاه إقامة المنطقة الآمنة شمال “سوريا”، مستغلة بذلك كل المناسبات التي تدعى لها، وهو ما فعله الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، أثناء حضوره “الجمعية العامة للأمم المتحدة”، الأسبوع الماضي، ووزير خارجيته، “مولود غاويش أوغلو”، الذي قال إن “تركيا” غير راضية عن وضع المحادثات الحالية مع “الولايات المتحدة”، لإنشاء “منطقة آمنة” مزمعة في شمال “سوريا” وستعمل من جانب واحد إذا لم يتحقق تقدم.
أما “إردوغان” فقد كشف، في خطابه أمام “الجمعية العامة للأمم المتحدة”؛ عن خارطة تظهر الخطط الطموحة لهذه المنطقة، وأوضح في مقابلة أجرتها معه الصحافة التركية لدى عودته من “نيويورك”، هذا الأسبوع، أن المنطقة سيبلغ طولها 480 كلم على طول الحدود في شمال “سوريا”؛ وعمقها 30 كلم.
وقال إنها يمكن أن تسمح لثلاثة ملايين لاجىء سوري بالعودة إلى بلادهم. وأصبح هذا الأمر يحمل أهمية قصوى ل”إردوغان”، الذي يواجه انتقادات داخلية بسبب وجود 3.6 مليون لاجىء سوري في “تركيا”، وهو أعلى رقم في العالم.
وتحدث الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، عن عمق مماثل لـ”المنطقة الآمنة”. لكن “قوات سوريا الديموقراطية” أشارت إلى منطقة بعمق خمسة كيلومترات أو حتى تسعة؛ وممكن أن تصل إلى 14 كلم في بعض المناطق بين “رأس العين” و”تل أبيض”.
وكان المبعوث الأميركي الخاص بسوريا، “جيمس غيفري”، قد قال على هامش اجتماعات “الجمعية العامة للأمم المتحدة”، إن “واشنطن” تمضي بإخلاص وبأسرع ما يمكن في هذا الموضوع، محذرًا من أي عمل أُحادي في المنطقة.
أهداف ظاهرة..
وما هو ظاهر في هذا؛ هو أن السبب الرئيس لمطالبة “إردوغان” بهذه المنطقة هو الضرورة بالنسبة لـ”أنقرة” أن تقيم منطقة عازلة بين حدودها والأراضي الخاضعة لسيطرة “وحدات حماية الشعب” الكُردية، العمود الفقري لـ”قوات سوريا الديموقراطية”، والتي تصفها “أنقرة” بأنها، “مجموعة إرهابية”، لكنها متحالفة مع “الولايات المتحدة”.
والسبب الآخر، بالنسبة لـ”إردوغان”، هو التمكن من إعادة اللاجئين، ولذلك يريد أن يتوسع نطاق تلك المنطقة لتصل إلى “الرقة” و”دير الزور”، إلى جنوب الأراضي السورية.
ورفع “إردوغان”، في خطاب ألقاه بالدورة الـ 74 لـ”الجمعية العامة للأمم المتحدة”، بمدينة “نيويورك” الأميركية، صورة توضح أبعاد وتفاصيل “المنطقة الآمنة”، مشيرًا إلى أنه: “في حال مد عمق المنطقة الآمنة إلى خط (دير الزور-الرقة)، بوسعنا رفع عدد السوريين، الذي سيعودون من بلادنا وأوروبا وبقية أرجاء العالم، إلى 3 ملايين”، وفق (الأناضول).
ولفت الرئيس التركي إلى: “أن بلاده تخطط لعقد مؤتمر دولي يشارك فيه لبنان والعراق والأردن، حول أزمة اللاجئين”.
وأضاف الرئيس التركي أن بلاده “تستعد لتطهير شرق الفرات من الإرهابيين”، مردفًا: “لا يمكنها تحمّل موجة هجرة جديدة إليها من سوريا، وبيّن أن إرساء الاستقرار في سوريا سينعكس بشكل إيجابي على جارتها العراق أيضًا”.
يسعى لتحقيق مكاسب اقتصادية..
موقع جريدة (الزمان) التركية المعارض؛ ذكر أن الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، يسعى لتحقيق مكاسب اقتصادية من وراء مشروعه الخاص بإقامة “منطقة آمنة” في شمال شرق “سوريا”، على غرار الأهداف الاستراتيجية الأخرى.
وسائل إعلام تركية قالت إن “إردوغان” يخطط لإنشاء بلدات وقرى في “المنطقة الآمنة” تستوعب مليون نسمة بشكل مبدئي، ونشرت تفاصيل المشروع السكني الذي يريد “إردوغان” إنشائه، للتخلص من عبء اللاجئين السوريين في بلاده.
ووفق المخطط؛ سيتم في “المنطقة الآمنة” إنشاء 10 بلدات بتعداد سكاني 30 ألف لكل منها، و140 قرية بتعداد سكاني يبلغ 5 آلاف لكل منها.
ومن المعلوم أن الرئيس التركي يرغب، عبر مخطط “ممر السلام”، في القضاء على الوجود الكُردي بالمنطقة، ومنع “قوات سوريا الديمقراطية” من إقامة كيان يتمتع بالحكم الذاتي في المنطقة.
حسب الخطة، التي أعلنها “إردوغان”، لتسكين نحو مليون سوري، تضم القرية الواحدة وحدات سكنية مستقلة، كل وحدة منها على مساحة 100 متر مربع، تتكون من 3 غرف وصالة واحدة، بإجمالي عدد 1000 وحدة سكنية، بالإضافة إلى مسجدين، و16 مدرسة كل منها بطاقة استيعابية 16 فصلًا، ومركز شباب واحد، وصالة رياضية مغطاة. كما سيتم منح كل أسرة قطعة أرض زراعية بمساحة فدان واحد.
أما البلدات؛ فتتكون البلدة الواحدة من 6000 وحدة سكنية، كل منها على مساحة 100 متر مربع، تتكون من غرفتين وصالة أو ثلاثة غرف وصالة، بالإضافة إلى جامع مركزي، و10 مساجد صغيرة في الأحياء، و8 مدارس كل منها بطاقة استيعابية 16 فصلًا، ومدرسة ثانوية، وصالتين رياضيتين، و5 مراكز شباب، و4 ملاعب كرة قدم، ومستشفى بسعة 10 أسرة لـ 8 بلدات، ومستشفى أخرى بسعة 200 سرير في بلدتين، بالإضافة إلى منطقة صناعية صغيرة، وجامعة، مع مشروعات لتلبية الإحتياجات اللازمة من البنية التحتية.
أما عن التكلفة الإجمالية لبناء الوحدات الكافية لإسكان مليون شخص، فتبلغ بنحو 150 مليار و965 مليون و400 ألف ليرة تركية.
يستغل القضية عبر “إعادة الإعمار”..
وبحسب (الزمان)؛ يشير الخبراء إلى أن “إردوغان” يريد استغلال قضية “المنطقة الآمنة” اقتصاديًا، عبر طلب المشاركة الدولية في “إعادة إعمار” شمال شرق “سوريا”.
ومن المنتظر أن تتولى شركة الإسكان التركية، “توكي”، الإنشاءات بـ”المنطقة الآمنة”.
يشار إلى أن مخطط “إردوغان” سبق تنفيذه في شرق وجنوب شرق “تركيا”، ذات الأغلبية الكُردية، حيث دمر أولاً المناطق السكنية بدعوى مكافحة العناصر التابعة لـ”حزب العمال الكُردستاني”، ومن ثم قام بإعادة تصميم المدن الكُردية.
ستواجه بالعقوبات وحشد المجتمع الدولي..
تعليقًا على الخطوات التركية، قال الكاتب والمحلل السياسي، “يوسف كاتب أوغلو”، إن: “الموقف الأميركي في أضعف صوره، فوجود حوالي 23 قاعدة أميركية جاءت لأهداف استراتيجية أساسها تقسيم سوريا وإنشاء فيدرالية كُردية أو دويلة كُردية في هذه المنطقة والاستفادة من الثروات الطبيعية في الرقة ودير الزور من خلال منابع النفط والغاز والمياه”، موضحًا أنه: “يعتبر بالأساس خيار استراتيجي للولايات المتحدة الأميركية وتريد الحصول على حصة من هذه الكعكة التي أصبحت مسرحًا لجميع القوى التي تريد تحقيق مكاسب استراتيجية”.
وأكد على أنه: “من المستبعد أن يحدث صدام بين تركيا وأميركا بهذا الخصوص، لأن الولايات المتحدة الأميركية هي الطرف الأضعف في هذا الملف تحديدًا؛ ويوجد تخبط واضح ولا توجد استراتيجية محددة، وبالتالي إذا قامت تركيا بعملية عسكرية أُحادية سترضخ الولايات المتحدة الأميركية وتنسحب أو ستأمر الميليشيات المدعومة من قِبلها بالانسحاب تلبية للمطالب التركية”.
وتوقع أن تواجه “أميركا”، التقدم التركي، بسياسة العقوبات على “تركيا” وحشد المجتمع الدولي ضد الأخيرة.
أمر صعب !
من جهتها؛ اعتبرت “دارين خليفة”، المحللة في مجموعة الأزمات الدولية، أنه: “تبين أن بلوغ اتفاق مقبول لتركيا ووحدات حماية الشعب الكُردية في الوقت نفسه؛ أمر صعب. ويبدو أن مطالبهما الأساسية لا يمكن التوفيق بينها”.
وبدأت القوات الكُردية، في نهاية آب/أغسطس الماضي، الانسحاب من الحدود التركية؛ خصوصًا مع سحب بعض “وحدات حماية الشعب” الكُردية.
وحتى الآن قام الجيشان، التركي والأميركي، بدوريتين مشتركتين في شمال شرق “سوريا” بهدف إزالة تحصينات “وحدات حماية الشعب”.
وقالت “خليفة”: “لكن الولايات المتحدة كانت واضحة جدًا حيال واقع أنها لم توافق على الاتفاق الذي يشمل الإعادة غير الطوعية للسوريين إلى هذه المنطقة”.
عاد خالي الوفاض..
فيما يرى “حسن أونال”، الأستاذ في جامعة “مالتيبي”، أن “أنقرة” و”واشنطن” تواجهان صعوبة أيضًا في التوصل إلى اتفاق. وقال: “يبدو أنه ليس هناك اتفاق واضح وجلي بين الطرفين، والتسوية تبدو هشة”.
بالإضافة إلى ذلك يرى المحلل أن “إردوغان” عاد من “نيويورك” بدون التمكن حتى من لقاء “ترامب”، وبالتالي “خالي الوفاض” إلى حدٍ ما.
يُذكر أن “إردوغان” حذر، في الأسابيع الماضية، من أنه في حال لم تتم إقامة “المنطقة الآمنة” قبل نهاية أيلول/سبتمبر 2019، فإنّ “تركيا” ستتولى الأمور بنفسها؛ وصولًا إلى إطلاق عملية عسكرية في شمال شرق “سوريا”.
وفي حال تمت تلك العملية؛ فإنها ستكون الثالثة التي تنفذها القوات التركية في “سوريا”، منذ 2016.
وفي مطلع 2018، قامت القوات التركية خصوصًا بالسيطرة على “عفرين”، إحدى المناطق الثلاث في منطقة الإدارية الذاتية الكُردية المعلنة في 2016.
يستهدف إقامة “حزام عربي” مؤيد..
من جهته؛ يرى الخبير في شؤون سوريا، “فابريس بالانش”، أنه: “من غير الممكن إرسال ثلاثة ملايين شخص الى تلك المنطقة، حيث مساحة المناطق التي يمكن السكن فيها محدودة، لأن غالبية المنطقة شبه صحراوية”.
لكن في المشروع الذي عرضه أمام وسائل الإعلام التركية ونظرائه، خلال “الجمعية العامة للأمم المتحدة”، تحدث “إردوغان” عن خطة بناء قرى ومدن يمكنها استقبال ما يصل إلى مليون شخص.
وقال “بالانش”: “هدف إردوغان كما يبدو إقامة، (حزام عربي)، مؤيد لتركيا على الحدود التركية عبر إبعاد الأكراد عن تلك المنطقة”.
وتابع الباحث: “إذا كان إردوغان يريد وضع اللاجئين على الحدود، آلاف أو حتى مليون شخص، فسيؤدي ذلك إلى تشتيت لحُمة السكان الأكراد”.
ويؤكد “حسن أونال”، أيضًا؛ على مشكلة أن الأراضي التي تخطط “تركيا” أن تبني فيها، “تعود ملكيتها لجهات أخرى على الأرجح”.
ويبقى السؤال؛ من يريد السكن في هذه المجمعات العقارية ؟
بالنسبة لـ”بالانش”، فإنّ: “مئات آلاف الأشخاص المتحدرين من تلك المنطقة فقط يمكن أن يعودوا إذا توافرت الشروط الاقتصادية والأمنية”.
وفي حال لم تتمكن “تركيا” من إيجاد مليون إلى ثلاثة ملايين متطوع للعودة، فإن القانون الدولي لا يسمح بالإعادة القسرية.