خاص : كتبت – نشوى الحفني :
مع انقلاب الموقف الأوروبي على “إيران” واستمرارية الضغوط التي تمارسها “أميركا” عليها، ورغم عنتريتها الشديدة بعدم التنازل، أبدت “طهران” تراجعًا واضحًا في موقفها المتعنت معلنًة على لسان المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، “علي ربيعي”، أمس الأول؛ أنه من الممكن إجراء تغييرات بسيطة بـ”الاتفاق النووي”، في إشارة إلى عرض الرئيس، “حسن روحاني”، بقبول التفاوض مع “الولايات المتحدة” حول قبول البروتوكول الإضافي الذي يسمح بالتفتيش والرقابة الصارمة والدائمة مقابل رفع العقوبات.
وأشار “ربيعي” إلى أن “طهران” مستعدة للتفاوض “إذا تم رفع العقوبات؛ وعادت الدول إلى شروط الاتفاق النووي السابقة”، وفق تعبيره.
رفض من قِبل المتشددون حول تعديل “الاتفاق النووي”..
مقابل ذلك؛ رفض المتشددون هذا العرض، حيث قال، “مجتبس ذوالنور”، رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان، إن: “البرلمان لن يوافق على البروتوكول الإضافي؛ حتى لو حصل ترامب علی موافقة الكونغرس لرفع العقوبات”.
وصرح “ذوالنور”، في لقاء تليفزيوني، أن: “تعديل الاتفاق النووي غير مقبول، وهي ذريعة لفرض أجندة الأعداء على الشعب”، وفق قوله.
كما أضاف أن: “الحكومة تريد أن ننفذ طوعًا البروتوكول الإضافي؛ على الرغم من أن الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق، وهذا يعني أننا نقدم تنازلات إضافية مقابل لا شيء”.
شرط رفع العقوبات..
وجاءت هذه التصريحات؛ بينما أكد “برويز إسماعيلي”، مسؤول العلاقات في مكتب الرئيس الإيراني، نقلاً عن “روحاني”؛ قوله: إن “التصديق على البروتوكول الإضافي في البرلمان يجب أن يتزامن مع رفع العقوبات في الكونغرس الأميركي، والتفاوض في إطار مجموعة (5+1)”.
وكانت وكالة (رويترز) قد نقلت، الثلاثاء الماضي، عن “روحاني” قوله، إن “طهران” مستعدة للتفاوض على تغييرات بسيطة في “الاتفاق النووي” إذا تم رفع العقوبات.
“خامنئي” يرفض التفاوض مع واشنطن..
يأتي هذا؛ في حين أکد المرشد الأعلى، “علي خامنئي”، مرارًا؛ رفضه لأي تفاوض مع الرئيس الأميركي، “دونالد ترمب”، معتبرًا ذلك بأنه “سم مضاعف”.
ودعا أمس إلى ضرورة “قطع الأمل” تجاه وعود الوساطة التي وصفها بـ”الفارغة” من قِبل الأوروبيين، مٌشيرًا في الوقت ذاته إلى أن طريق التفاوض مع طهران “ليس مُغلقًا”.
وقال “خامنئي”، خلال لقائه مع أعضاء مجلس خبراء القيادة، إن: “إيران لم تغلق باب التفاوض أمام أي بلد، عدا أميركا والكيان الصهيوني”، حسب ما أوردته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، (إرنا).
ورأى “خامنئي” أن: “الأوروبيون دخلوا في الظاهر كوسيط وتحدثوا كثيرًا، لكن أحاديثهم كانت فارغة المحتوى”، مُعتبرًا أن الأوروبيون إلتزموا بالحظر الأميركي المفروض على إيران “ولم يتخذوا أي إجراء”.
وقال “خامنئي”: “لا ينبغي الوثوق بأي شكل من الأشكال بالدول التي رفعت راية العداء للنظام الإسلامي، وعلى رأسها أميركا وبعض الدول الأوروبية، فهذه الدول أعلنت صراحة عداءها للشعب الإيراني”. وأضاف أن الأوروبيون فشلوا في الوفاء بتعهداتهم الـ 11 ضمن “الاتفاق النووي” مع “إيران”.
واعتبر “خامنئي” أن النظام الإيراني “صار أقوى من السنوات العشر الأخيرة؛ وتنامت قدراته الثورية والسياسية في المنطقة، كما تعمقت جذوره الثورية”.
وقال إن: “أميركا، التي هي عدونا الأول، تعتبر من الحكومات المنبوذة في العالم، كما أن الأوروبيون بدأوا يعترفون بضعفهم وتراجع قوتهم”.
“ترامب” رفض الوساطة الفرنسية وطلب الوساطة الباكستانية..
وكان الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، قد أعلن، الأسبوع الماضي، أن: “لدى إيران إمكانيات هائلة”، وأن واشنطن “لا تسعى لتغيير النظام”.
وكان قد رفض مساعي الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، للوساطة بين “الولايات المتحدة” و”إيران” في النزاع القائم بين البلدين.
وقال للصحافيين، على هامش اجتماعات “الجمعية العامة للأمم المتحدة”، الإثنين الماضي: “نحن لا نحتاج إلى وسيط … هو (ماكرون) صديقي؛ لكننا لا نبحث عن أي وسطاء”.
وكان “ماكرون”، الذي يقوم بدور وسيط في هذا الملف، قد أعلن الإثنين الماضي؛ أنه لا يزال يريد أن يؤمن “بأن شيئًا ما قد يحصل”، هذا الأسبوع، في “نيويورك”.
وفي غضون ذلك، كشف رئيس الوزراء الباكستاني، “عمران خان”، في مؤتمر صحافي بـ”الأمم المتحدة”، أمس الأول، أن الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، طلب منه لعب دور الوساطة مع “إيران”.
وأعلن “ترامب”، في 8 آيار/مايو 2018، انسحاب بلاده من الاتفاق المبرم مع “طهران” بشأن برنامجها النووي، عام 2015، واستئناف عقوبات اقتصادية صارمة استهدفت فيها، الإدارة الأميركية، تجفيف الموارد المالية الإيرانية، وفرض عقوبات على مشتري “النفط الخام الإيراني” ومنتجاته، وردت “إيران” على ذلك بإعلانها، مؤخرًا؛ أنها لن تلتزم بمجموعة أخرى من المعايير التي تم الاتفاق عليها، عام 2015، وإتخذت ثلاث خطوات في طريق تقليص تعهداتها النووية، كان آخرها في 7 أيلول/سبتمبر الجاري، عندما رفع القيود على أبحاث ومستوى تخصيب (اليورانيوم) وأجهزة الطرد المركزي.
اختلافات بين ما تريده واشنطن وطهران..
تعليقًا على الخطوة الإيرانية، قال الكاتب الصحافي والإعلامي الإيراني، “محمد غروي”، إنه: “لابد من قراءة موضوع التعديلات على الاتفاق النووي، الذي تحدثت عنها طهران، هي ليست تعديلات تقنية كما تريدها أميركا”.
مضيفًا أن: “واشنطن تريد تعديلًا على الاتفاق النووي يتعلق بعامل الزمن، بمعنى أن يكون الاتفاق مطلقًا، لكل العصور، والرقابة دائمة تكون على كل المنشآت النووية، وليس بعضها، أميركا تريد إدخال بند الصواريخ، وأمن المنطقة على الاتفاق النووي أيضًا”.
وتابع: “إيران أرادت أن تستنزف الطرف الأميركي بعرضه تمديد وقت الاتفاق النووي من 10 سنوات إلى 15، بالإضافة إلى ضمانات تؤكد أن طهران لا تريد الحصول على تقنية نووية ذات أبعاد عسكرية”.
أوراق إيرانية لن تتلقفها أميركا..
وحول إمكانية مساهمة تلك الخطوة في حلحلة الأزمة القائمة، أجاب: “هذه ليست تعديلات، بل مجرد أوراق تعطيها طهران لأميركا كمزيد من الضمان، بأن إيران لا تسعى لعسكرة الملف النووي، لكن أتصور أن أميركا لن تتلقف هذه المبادرة”.
واستطرد قائلًا: “أميركا تريد الكثير من إيران، وطهران لن تقدم أية تنازلات أكثر مما قدمته، أعتقد أن الطرق باتت مغلقة أمام المفاوضات، وبانتظار ما سيحدث في الأيام المقبلة”.
وختم بالقول: “أتصور أن المنطقة ستشهد تصعيدًا خطيرًا في المستقبل القريب، في حال ظلت الطرق مسدودة أمام المفاوضات، وهذا ما لا نأمله”.
الوساطة الفرنسية بدأت تؤتي ثمارها..
فيما رأى “مصطفى الطوسة”، الإعلامي والمحلل السياسي المقيم في “فرنسا”، إن: “هذه الإشارات التي صدرت عن القيادة الإيرانية في نيويورك والتي أبدت استعدادها بإدخال إصلاحات وتغييرات على الاتفاق النووي، يشير إلى أن الوساطة الفرنسية بدأت تؤتي ثمارها”.
وأضاف أن: “الإشارات تؤكد أيضًا أن القيادة الإيرانية مستعدة لتقديم التنازلات التي طلبها الجانب الفرنسي، كما تبعث إشارة للجانب الأميركي أن إيران ليست مغلقة، أو رافضة تمامًا لأي تغيير في موقفها وأنها مستعدة للدخول في مفاوضات”.
وتابع: “الإيرانيون ينتظرون فقط إشارة من الولايات المتحدة الأميركية ودونالد ترامب، أنه مستعد لرفع العقوبات أو لبداية رفع العقوبات الاقتصادية، لكي ينخرطوا في هذا الحوار السياسي الذين يريدون منه ربط خيوط التفاوض مع واشنطن بهدف رفع العقوبات الاقتصادية، وعودة الشركات إلى السوق الإيرانية”.
مؤشر واضح على تنازل القيادة الإيرانية..
وأوضح أنه: “إذاً هناك مؤشر واضح أن القيادة الإيرانية على استعداد لتقديم تنازلات ملموسة بالمقارنة مع رفضها القاطع في الأشهر والأسابيع الماضية، عندما كانت تقول بإنها لن تتنازل على أي بند في الاتفاق، وأن على الولايات المتحدة أن ترفع أولًا إرهابها الاقتصادي، وأن تعود للاتفاق كشرط أساس”.
واستطرد: “هذا يعطينا فكرة بأن إيران باتت تتحدث بليونة، وإذا كان هذا في العلن، فما الذي يجري في الكواليس الدولية للتفاوض، الموقف الإيراني يؤكد بداية نجاح الوساطة الفرنسية، ربما سيأخذ مزيدًا من الوقت، لكن ربما سيتم في الأيام المقبلة”.
وأنهى “الطوسة” حديثه؛ قائلًا: “الإيرانيون مستعدون لفتح باب الحوار وكسر التابوهات التي فرضوها على أنفسهم، وهذا بسبب نتيجة الجهود التي يقوم بها ماكرون عبر الوساطة الفرنسية”.
السعودية وأميركا اختارتا التهدئة..
من جهته؛ أوضح “د. رياض الصيداوي”، مدير المركز “العربي” للدراسات السياسية والاجتماعية، إن “ترامب” كان يأمل أن تخضع “إيران” لتهديداته، وتأتي صاغرة، ولكن هذا لم يحدث، موضحًا أن هناك توترًا كبيرًا في المنطقة؛ إما حرب أو تهدئه.
وأكد “الصيداوي”؛ أن الضربة التي تلقتها “السعودية”، في “أرامكو”، جعلتها تبحث عن حل مع “إيران”، أو حل لحربها في “اليمن”، لذلك يبدو أن “السعودية” و”أميركا” اختارتا التهدئة.. مشيرًا أن “إيران” أدارت الصراع بحنكة، وفي نفس الوقت تهدد بعمل عسكري لو تم الهجوم عليها.
وقال “الصيداوي” إن المبادرة الفرنسية والباكستانية تدل على أن هناك مساعي حثيثة للتهدئة، موضحًا أن “أميركا” تتهم “إيران” بضرب “أرامكو”، ولكن هناك رؤية أوروبية بأن القصف تم من “اليمن”، لأنه ليس من مصلحة “إيران” أن تضرب “أرامكو”، حتى لا تؤجج الرأي العالمي عليها.
ولفت إلى أن هناك أقمارًا اصطناعية؛ والدول الكبرى تعرف حقيقة ما حدث من خلالها، معتبرًا أن “ترامب” ليس برجل حرب بل هو أكثر الرؤساء الأميركيين بُعدَا عن التدخل المباشر، إنما هو رجل إعلامي واقتصادي فقط، يبحث عن المصلحة.