خاص: قراءة- سماح عادل
في ملف (الحضارة المصرية القديمة)، نواصل قراءة الكتاب الثاني في (موسوعة مصر القديمة) للكاتب المصري “سليم حسن”.
الجيش والحروب ..
أهدت الطبيعة لمصر حدودا طبيعية جعلتها في الأزمان السحيقة منعزلة عن العالم، والإغارة عليها صعبة، كانت صحراء لوبيا سدا منيعا من الحدود الغربية وسواحلها الشمالية لم تعرضها لأي خطر، لأنه في ذلك العهد من التاريخ لم يكن لها أعداء لهم أساطيل تمر في البحر، أما الأقوام الذين يقطنون وراء حدودها الشرقية والجنوبية فكانوا أقل مدنية وخطرهم ضئيل، لذا بقيت مصر فترة طويلة من الزمن هادئة مطمئنة، مما جعل أهلها يشتغلون بالزراعة.
لكن رغم ذلك عرف المصريين الحرب، فقد كانت مصر في فترة من الزمن سيدة ممالك العالم المتمدين بقوة جيشها وانتصاراته، وكانت في قمة أمم الشرق فترة من الزمن ليست قصيرة.
ما قبل التاريخ..
عثر على ألواح من عصر ما قبل التاريخ تدل على قيام حروب بين المصريين وبدو الصحراء وأهل بلاد النوبة، وبين سكان مصر أنفسهم بين الوجه البحري والقبلي، ووثائق قليلة عن اشتباك المصريين مع الآسيويين في حروب.
ليس لدينا من الآثار ما يدل على وجود جيش موحد لكل البلاد قبل عهد الملك “زوسر”، ويظن أنه كان لملك الدلتا جيشا ولملك مصر العليا جيشا كذلك، ويغلب الظن أن جنود كل جيش لم يكونوا خاضعين للملك بل كانوا يجندون من المقاطعات، وكان يقود جند كل مقاطعة حاكمها لمساعدة الملك وقت الحرب.
ولما تولى “زوسر” الحكم في الأسرة الثالثة ووطد السلطة الإدارية في يده كان لابد من جيش قائم، وقد أقام”زوسر” سورا من أسوان إلى الفيلة يبلغ طوله نحو 12 كيلو متر ليضمن سلامة حدوده الجنوبية.
إدارة الجيش كانت موكلة لمصلحة خاصة، أطلق عليها اسم بيت الأسلحة “برعحا” مهمتها تسليح الجيش الذي كان مؤسسا على نظام ثابت، وبالإضافة إلى تموين الجيش كانت تجمع كل المكاتبات الحربية، أما قواعد صنع الأسطول فكانت تحت إدارة شخصية يلقب “باني السفن”، وكان للأسطول المصري أهمية كبيرة، ويتألف من سفن مختلفة الأنواع وأعظمها حجما يبلغ طوله 50 متر.
كان الجيش جيشا حكوميا مؤلفا من وحدات حربية، تحت إشراف ضباط فنيين ليس لهم أي عمل مدني، وكان مظهر الجيش في السلاح والملبس واحد، والجيش مؤلف من فرق تتألف منها فيالق كلها تحت أمرة القيادة العامة، وكل فيالق الجيش تخضع لقائد الجيوش العام الذي كان القائد الأعظم لكل الجنود. ومنذ الأسرة السادسة شمل الجيش غير فيالق الجنود عساكر مرتزقة.
وتدل النقوش على أن الجيش كان منفصلا تماما عن السلطة المدنية، وقد كان القائد الأعلى إلى عهد السارة الخامسة عضوا في مجلس العشرة العظيم، ووجوده بين أعضاء مجلس العشرة بمثابة رابطة بين الجيش والإدارة، وفي عهد الأسرة الخامسة فصلت الإدارة المدنية عن الإدارة الحربية فصلا تاما، بعد إصلاح بمقتضاه قسمت الإدارة والجيش إلى قسمين واضحين لمصر العليا والسفلى، ولم يعد قواد الجيش يجلسون ضمن أعضاء المجلس العشرة العظيم، لكن في المقابل أصبح قائد الجيش يلقب مثل الوزير”مدير كل أوامر الملك”، أي معادل للوزير، وكان مدير الإدارة الحربية يجلس في المجلس التشريعي الملكي، ولم يقم الجيش المصري على السخرة أو السلب، بل حتى وقت الغزوات كان يعتمد في عدته وعتاده وطعامه على الإدارة الحربية.
الأسرة في عهد الدولة القديمة..
أقدم الوثائق عن كيفية تأسيس أسرة يرجع عهدها إلى عصر متون الأهرام، إذ نقرأ في نقوشها أن الكهنة المصريين كانوا عندما أرادوا أن يمثلوا للشعب تكوين العالم مثلوه في صورة ما يحدث أمام أعينهم، وأضفوا عليه ثوبا دينيا عليه مسحة من الغموض والرهبة، يقولون عن أصل العالم أنه كان يطفو على سطح المحيط الأزلي “نون” بيضة خرج منها الإله “آتوم” وهو المسمى في التوارة والإنجيل والقرىن “آدم”.
ثم تقص الأسطورة أن الإله “آتوم” عطس وتفل فنشأ من ذلك ذكر وأنثى، وهما الإله “شو” ولفظه يمثل مثل العطس، إله الفضاء، والإلهة “تفنت” وتمثل صوت التفله، وهي إلهة الندى، ثم تناسل هذا الإلهان وأنجبا جب إله الأرض، ونوت إلهة السماء، ثم كان منهما نسل فرزقا الإله “أوزير” والإله “ست”، ثم الإلهتين “ايزيس” و”نفتيس” وكان العالم يحكمه الإلهة قبل أن يحكمه البشر.
وأقدم وثيقة وصلت لها علاقة بحقوق الأسرة هي ترجمة حياة “متن”، الذي عاش في أواخر الأسرة الثالثة وبداية الرابعة، وهو ابن ” إنبو إم عنح” وكان موظفا قضائيا، وأمه تسمى “نبسنت” فقد كتبت أمه وصية لأولادها كان نصيب “متن” فيها قطعة من الأرض، وتوضح الوثيقة كيف كان الميراث، ويستنتج من تلك الوثيقة أن الأولاد كانوا يرثون ثروة والديهم بالتساوي، وهناك وثيقة في عهد الملك “خوفو” تثبت حق وراثة الذكور والإناث أملاك والدهم، وصية الوزير “ني كاو رع” ابن “خوفو” فقد قسم ثروته بين أولاده بالتساوي، بالإضافة إلى ما أوصى به لزوجته.
ويستنتج مما وصل من وثائق قليلة أن الأسرة كانت مكونة من رجل وامرأة وأطفال، وأنها لم تكن تؤلف وحدة شرعية، بل كانت مؤلفة من شخصيات مميزة مستقلة، فالزوج والزوجة على قدم المساواة المطلقة، ولكل منهما ملكه الخاص يديره ويتصرف فيه بكل حريته، والسلطة الزوجية معدومة ولا رقابة على النساء، ونشاهد في قبور الأسرة الثالثة أن النساء لم يدفن مع الرجال، ومن المحتمل أن الزواج كان يعقد في عهد الدولة القديمة، وإن لم تصل إلينا وثيقة من هذا النوع، وكانت الزوجة تفوز بجزء من أملاك زوجها، ويكون نصيبها كالعادة أكبر من نصيب أحد الأولاد، وكان تعدد الزوجات غير موجود بين الأغنياء وعامة الشعب، كما أن الأولاد البالغين لهم أملاك خاصة منفصلة عن أملاك الأب والأم.
أعيد تنظيم الأسرة على قاعدة إشراف الابن الأكبر شرعا على أملاك والده، وأن الزوج كان يستولى على كل حقوق المرأة، ويجعلها خاضعة تمام الخضوع، ويلاحظ أن الضياع الكبيرة كانت تتزايد باستمرار منذ الأسرة الرابعة حتى نهاية الأسرة الخامسة، وكان من جراء ذلك تغير مركز المرأة من الوجهة الشرعية، ومن ذلك أن العلماء لم يجدوا قبل الأسرة الخامسة تمثيل محظيات على المصاطب، ولكن منذ الأسرة الخامسة وجد أن الأغنياء كان لهم محظيات وكانوا فخورين بهن، ومن هؤلاء ” تي” زوج الأميرة الملكية ” نفر حتبس”، فكانت له محظيات يرقصن له وقد استعرضهن على جدران قبره.
وفيما بعد كانت المحظيات يمثلن كثيرا في عهد الأسرة السادسة، ونجد الرقص الخليع في مقبرة الوزير “مرا” في عهد الملك “تيتي”، وفي مقبرة الكاهن “دوا كا” حيث امرأة ترقص في وسط راقصين وراقصات عارية الجسد، وهناك منظرا في مقبرة “فتاح نفر سشم” مثلت فيه جنازة مارة أمام باب “الحريم” والنساء يولولون ويعولن أثناء مرورها قائلات: “يا أيها الأب الوديع يا سيد الجميع”، وفي المتحف البريطاني يوجد رسم من عهد الدولة القديمة، تظهر فيه صورة امرأة متمنطقة بحزام لتطمئن سيدها على عفتها ولاشك أنها كانت إحدى محظياته.
فالمحظيات ظهرن في الوقت الذي بدأت تكون فيه المرأة تحت سيطرة الرجل، وأصبحت المرأة سيدة البيت بحكم القانون فقط، وأصبح الرجل يعطف عليها بعد أن سلبها حقوقها، أما المحظيات فلم يكن زوجات شرعيات، ولم يؤلفن جزء من الأسرة وأولادهن لم يكونوا شرعيين ولا ينسبون إلا إلى أمهاتهم.
ويمكن استنتاج أن طبقة الأغنياء كان لها امتيازات، فقد استولت على كل الوظائف الدينية والإدارية، وجمعت في قبضتها ثروة مالية تتزايد بالتدريج، وكان من نتائجها أن أخذت تقضي على الاستقلال الفردي في الأسرة شيئا فشيئا، وحل محل ذلك توحيد الأسرة بالتفافها حول الهبات الملكية التي أصبحت موقوفة، وبالمركز الذي أصبح يشغله الابن الأكبر، وبانتقاص حقوق الزوجة تدريجيا حتى ذهب استقلالها شرعا، وفقدته نهائيا وأصبحت آخر الأمر تحت سلطة الزوج، وبعد مماته تحت سلطة الابن الأكبر أو وصي يعينه الزوج قبل مماته بوصية، وكان الابن الأكبر بحكم القانون حتى من دون وصية هو الوصي الشرعي، الذي يدير شئون أملاك والده المتوفي، دون أن يتصرف بها لحسابه الخاص.