قبل سبعون عاما تم الاتفاق في لبنان على وثيقة دعيت بالميثاق الوطني تعتمد الديمقراطية التوافقية لحكم البلاد وفق اسس محددة من بينها تقاسم السلطات بين السنة والشيعة والمسيحيين وكان من ابرز افرازات هذا الميثاق ان عاشت لبنان حربا اهلية استمرت ستة عشر عاما عادت بعدها الاطراف المتحاربة لتقر في الطائف نفس الوثيقة وبتعديلات بسيطة فرضها الامر الواقع وتوازن القوى ، تصدر المشهد في هذا النظام امراء الحرب وصنع كل منهم امبراطوريته الخاصة ووجد من يمولها وجمع من حوله ابناء طائفته ورفع رايته ، وتم تقاسم الكعكة وتوزيع الادوار وتبادلها وبدأت المحاصصة كُلٍ ياخذ حسب حجمه ( ديمقراطية !) حتى وصل الامر ان يتقاسموا توزيع حصص وظائف فراشي المدارس وعاشت لبنان ( ان كان ذلك يسمى عيشا ) منذ ذلك الوقت الى يومنا هذا حقبة مليئة بالنزاعات والمهاترات والاغتيالات وتغير الانتماءات والولاءات والتحزبات والتخندقات مالم يشهده اي بلد اخر ، صراعات يومية دفعت البعض على الاعتقاد ان هؤلاء الزعماء يفتعلونها بالاتفاق فيما بينهم لغرض الحصول على التمويل الخارجي . مجموعة من البيوتات لايتجاوز عددها عدد اصابع اليدين تتوارث الامر وتتحكم بمصير شعب لاحول له ولا قوة عزاءه الوحيد قشور الحرية والديمقراطية .
بعد سقوط نظام صدام ولكي يبقى العراق ابدا في ازمة داخلية لاومضة ضوء في نهاية نفقه تم اختيار النموذج اللبناني ، النموذج الذي اثلج صدور امراء حرب لم تبدأ بعد حينها ، بدأوا بتغليب انتمائهم الطائفي والعرقي ومالبثوا ان تحولوا لتغليب انتمائهم الحزبي وسينتهون ( ان لم يفعلوا بعد ) الى تغليب انتماءاتهم العائلية ، هذا هو ماسينتهي اليه الامر كانتونات عائلية يؤسسونها بالاموال التي جمعوها طوال عشر سنوات ، كل منهم يبني قلعته الخاصة في محافظة يختارها ويشتري الاتباع والمناصرين ويعين ويرشح للتعيين من يشاء ويرفض ويقبل ما يشاء ويمنح ويمنع مايشاء عن من يشاء ويتصارع اليوم مع هذا ليتحالف معه غدا ، صورة طبق الاصل من لبنان بكل قبائح نظامها وباقل مايمكن من جمالها .فيا ايها النواب الكرام ليس من حق اي احد منا ان يشكك بوطنية اي احد منكم ولكن هل تقبلون لبلد مثل بلدكم ان يصبح مستقبله اسوأ من حاضره الذي نعيشه اليوم ، هل تقبلون لبلد علم البشرية اول حرف وسن اول قانون ان ينتهي به الامر الى صورة كهذه ؟ . ليس عليكم سوى تعديل ثوري في الدستور يجعل نظام الحكم رئاسي للرئيس فيه صلاحية اختيار طاقمه وحكومته ويختاره الشعب بالاقتراع الحر المباشر وتعديل اخر يجعل كل محافظة اقليم يتمتع بصلاحيات واسعة في ادارة شؤونه بعيدا عن الحكومة المركزية عدا الثروات والجيش والسياسة الخارجية ويتم انتخاب المحافظ من ابناء محافظته بنفس الية انتخاب رئيس الجمهورية ، وبهذا يصبح صوت المواطن هو الفاعل وليس صوت الكتلة وسترون كل المشاكل تختفي ولن يبقى شيء اسمه اقصاء او تهميش او محاصصة وستحل مشاكل النفط بعودته الى خزينة الدولة ولن نسمع عن مشكلة اسمها كركوك بعد ان تصبح اقليما بذاتها يحكمها ابناؤها لاخوف ان يبتلعها الكرد او يقضمها العرب ولن نخاف مستقبلا من نزاع بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستاني ولا صدام بين الدعوة والصدريين ولن نخشى على عروبة الموصل ولا على حقوق كردها ولن يشكو الرئيس من وزراءه وقد اختارهم بنفسه وسيطيح به اغلبية بسيطة من اصوات المحافظين ال ١٨ بدل جيش البرلمانيين واعضاء مجالس المحافظات وجيوش حماياتهم الذين يحتاجون لدهر لكي يتوافقوا ( وليس يتفقوا ) على ان الارض كروية ، تشجعوا وتغلبوا على انفسكم واتفقوا على هذه ، ليس هناك امر صعب او مستحيل وحتى لو كان فلماذا قيل ان الرجال تصنع المستحيل ، لقد اصبح تعديل الدستور ضرورة فلا تدعوا البلاد تنجر الى وضع تبدأ فيه من الصفر وتندلع فوضى لايعلم احد متى تنتهي ، الناس لن تبقى ساكتة ونائمة ومخدرة الى ابد الدهر . اقرأوا التاريخ قديمه وحديثه والحاضر ، وان شعرتم بضرورة التعديل وفاض كرمكم فعرجوا بطريقكم على قانون يمنح استقلالية وحيادية ويضيف مسحة وطنية اكبر للجيش تبعث الطمأنينة في نفوس الخائفين والحائرين وسنوا قانونا ينسلخ به القضاء تماما عن كل ارتباط وسيطرة للحكومة ودعوهم ينتخبون هيئاتهم ورؤساءها بانفسهم . بادروا فانتم اليوم اصحاب القرار ولا نعلم ولا انتم تعلمون مَن هم اصحابه غدا ، وتذكروا ان اصواتنا التي صنعت منكم جبالا تنتظر رجع الصدى .