19 نوفمبر، 2024 9:19 م
Search
Close this search box.

رواية الهيش.. انتهاك المرأة الفقيرة في الريف والعصبية الذكورية

رواية الهيش.. انتهاك المرأة الفقيرة في الريف والعصبية الذكورية

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “الهيش” للكاتب المصري “أشرف العوضي”، تحكي عن استضعاف الناس وانتهاكهم، من خلال الحكي عن أحد الأبطال في إحدى قرى الريف، الذي عاش حياته منبوذا مقهورا فقط لأنه بلا أب، طفل غير معروف نسبه وأمه تنتهك بشكل يومي لتستطيع أن تعيش وتربيه، فالرواية تحكي عن انتهاك الضعيف في الريف والذي يخضع لحسابات القوى.

الشخصيات..

برهان عجب جابر: البطل، رجل مهزوز الشخصية يعاني من الصرع، ويخاف من الناس في القرية التي يعيش فيها، لأنه تربى منذ طفولته على أنه ابن خطيئة وأن أمه منبوذة، حتى معلمه الذي علمه صناعة الفخار كان يناديه بدوما ب”الفاجر” رغم رعايته له، لم يجد أي معاملة طيبة من أهل القرية جميعا، فكلهم ينعتونه بأقذع الألفاظ بسبب أمه التي تعيش في كوخ وتعمل في الخدمة، وتحاول تربيته بمواردها القليلة. فقط رجلان هما من عاملاه بطيبة “المعلم هريدي” و”الشيخ أبو السعود”.

حميدة: امرأة فقيرة كانت تعيش مع خال لها، استغلها رجل غني من الأعيان، وتزوجها عرفيا وأوهما أنه يحبها ثم تركها بعد أن سرق عقد الزواج، لتكتشف أنها حاملا، وتظل تبحث عن والد طفلها وعندما تجده لا يتغير الأمر، وتضطر إلى الاستسلام لانتهاك المجتمع، لكي تعيش في وسط قرية هي غريبة عن أهلها، ولا يحميها الرجل الذي خدعها في المرة الأولى حتى حين يعلم أنها أنجبت ابنا له، رغم أنه أصبح ورعا.

الشيخ أبو السعود: والد البطل الذي تنكر لأمه وله، وقد انقلبت حياته بعد أن ماتت أسرته، بسبب وباء انتشر أثناء غيابه، ولم يتبق إلا ابن له كان يعيش في تركيا، وقد سلبه ممتلكاته، وقد تغيرت أحوال الشيخ أبو السعود بعد تلك الكارثة، وتقرب إلى الله وعاش بعيدا عن القرية في عزلة تامة، لكنه رغم تقربه من الله وورعه الظاهر ظل جبانا، ولم يعترف بولده وتركه يتعذب سنوات طوال من معاملة أهل القرية ومن قسوتهم.

المعلم هريدي: رجل صعيدي، هرب من قريته واستقر في القرية التي تدور فيها أحداث الرواية، وقد كان بارعا في صنع الفخار من أواني وغيره، وقد علم البطل هذه المهنة وترك له بيته وتجارته.

منيرة الدكش: ابنة شيخ العربجية، امرأة تتمتع بقدر كبير من الجمال، تعرضت في شبابها إلى حادث اغتصاب من رجل حمسيني كريه، وتحولت بعد ذلك إلى امرأة شرهة للجنس، وتزوجت من صبي يعمل لدى والدها والذي كانت لا تحبه ولا تحترمه.

عليش جاد الله : زوج “منيرة”، كان ابنا لرجل غني لكن هذا الرجل طرده من المنزل، وترك ثروته لفتاة شابة تزوجها، وتحول “عليش” إلى صبي مشرد فرضا بالزواج من “منيرة” لكي يستولي على أموالها، لكنه لم ينجح رغم ذلك وظلت تعامله بازدراء، وهو نفسه مثال للرجل السيء الذي يتعاطى المخدرات ويعاشر النساء في فجور.

سعاد: ابنه “عليش” و”منيرة “وهي فتاة طيبة، أصبحت ضحية فيما بعد.

الراوي..

الراوي عليم ، يحكي عن الشخصيات ولا يتدخل في الأحداث أو يحكم على الشخصيات ويكاد لا يظهر، يترك الحرية للشخصيات في التعبير عن نفسها بوضوح أثناء سرده ومن خلال الحوار.

السرد..

الرواية تقع في حوالي 102 صفحة، وهي قصيرة لكنها ثرية بالشخصيات وبالأحداث وبالوصف الدقيق لمعالم القرية، تحكي عن البطل وعن “منيرة الدكش” و”عليش” و”أبو السعود” السرد يعتمد على لغة مميزة وأحداث شيقة.

انتهاك الضعفاء..

تحكي الرواية عن “حميدة” التي اضطرت أن تبيع جسدها أو تتركه عرضة للانتهاك، لكي تستطع أن تعيش وسط قرية غريبة عنها، ورغم أنها تعمل بالخدمة بشكل معلن إلا أن عملها السري كان موضوع للتندر بين أهالي القرية، فقد كانوا يتقولون عليها ويتعاملون مع ابنها بدناءة وقسوة، وينبذونه فقط لأنه لا أب له، وبعد موتها خاف البطل أن يعيش من دونها، وأن يواجه الناس بمفرده، كما ترصد الرواية من خلال البطل نفاق أهل القرية وتناقضاتهم، فهم يدعون الفضيلة والأخلاق في حين أنهم يمارسون الرذيلة في الخفاء، ومالت الرواية إلى التعميم على كل أهل القرية.

ثم حكت عن “منيرة الدوكش” التي تعد نموذجا لممارسة الرذيلة، فهي امرأة شرهة جنسيا، تذهب إلى البطل لكي يشبعها جسديا، ولا تكترث لزوجها الغاضب والتي تقول له في وجهة أنه “لا يملي عينها”، كما أنها امتنعت عن ممارسة الجنس معه منذ زمن طويل، ولأنها غنية وورثت تركة والدها شيخ العربجية فهي تستطيع أن تفعل ما تشاء، دون أن يستطيع زوجها منعها، وكل ما يستطيع فعله هو ضرب البطل بالركرباج ومعاملته بقسوة، لكنه يتحين الفرصة للخلاص منها بعد أن يضع يديه على ممتلكاتها.

ليست “منيرة الدوكش” فقط هي من تمارس الرذيلة، بل نساء كثيرات في القرية، زوجة كاتب المحكمة، وزوجة الغفير، لدرجة أني كقارئة شعرت أن كل نساء القرية يمارسن الرذيلة، وفي هذا التعميم ما يخل بواقعية الأحداث. فقط “سعاد” ابنة “منيرة” هي من تميزت بالبراءة، ورغم ذلك تحكي الرواية أن زميلات كثيرات تجنبن مصاحبتها بسبب سمعة أمها السيئة، مما ينفي فكرة التعميم.

يقرر البطل الانتقام لنفسه ولأمه فيذبح “سعاد” بعد أن يغتصبها بوحشية، لكنه يشعر بالندم وتنتهي الرواية نهاية رحيمة، لأن سعاد تظهر له كشبح وتأخذه معها ليغرق في النيل.

استطاعت الرواية أن تصور النفاق الاجتماعي داخل القرية، والقواعد الاجتماعية المتفق عليها، والتي تتواكب مع الأخلاق العامة، والتي يحكم من خلالها على الناس، لكنها للأسف لا تطال إلا الفقراء ومن لا ثروة أو مال أو عائلة تدعمهم، لكن من يملكون المال لا يتعرضون لمثل تلك القسوة، فقط بعد الأقاويل من وراء الظهر،  والتي لا تؤذيهم بقدر ما تؤذي الفقراء ومن لا أهل لهم.

كما نجحت في رصد العصبية الذكورية للأغنياء، في حكاية ذلك الرجل الغني الذي ذبح ابنته وزوجها الفقير على الكوبري، وحين حكت عن ممارسات “عليش” وزملائه من متعاطي المخدرات، الذين يتندرون على النساء ويتفحصون أجسادهن، ثم ينتهكونهن في حفلة الزار، كما انتهكت “منيرة” من ثلاث رجال بعد إصابتها بالإغماء، رغم أن الرواي يشكك في كونها فاقدة الوعي.

الرجال ينتهكون النساء ويدعمهم موقفهم العائلي والمالي، ولا يكتفون بذلك بل يفضحونهن ويتقولون عليهن وكأنهم ليسوا شركاء معهم في ممارسة الرذيلة والإثم، والفعل الجنسي المذموم من المجتمع والدين.

والبطل ينتهك النساء انتقاما لوالدته، لكن النساء أيضا يتعاملن معه كآلة لتوفير اللذة، رجل مستكين لن يطلب الكثير ولن يستغلهن أو يتعامل معهن بقوة وسلطة. العلاقات الاجتماعية قائمة على الخداع والتخفي ولعبة المصالح، وحين يقرر المظلوم الانتقام ينتقم بنفس وحشية ظالميه.

الرواية رصدت جانبا هاما من العلاقات الاجتماعية في الريف، ورصدت كون المرأة الفقيرة هي من تتعرض للانتهاك بشكل مضاعف، في حين أن المرأة الغنية تنتهك أيضا ويتم اغتصابها وذبحها، لكنها على الأقل لديها حرية الاختيار والتصرف، ولديها مناعة من قسوة الناس المباشرة والفجة.

رغم أن الرواية لم تقصد فعل ذلك بشكل مباشر وإنما ركزت بشكل أساسي على مظلومية البطل “برهان”، الذي ولد لأم ينبذها الناس ومن دون أب وتعرض للقسوة، ولم تهتم مثلا بتصوير مشاعر “حميدة” وانفعالاتها ورد فعلها على ما حدث لها من ظلم في حياتها.

الكاتب..

“أشرف العوضي” كاتب وروائي مصري، من مواليد المنصورة. عضو اتحاد الكتّاب المصري. مدير تحرير مجلة الدانة الثقافية. صدر له: (عفاريت شجرة السرو مجموعة قصصية 1998- حذاء السيد المنسي مجموعة قصصية 1999- هؤلاء لم يهبطوا من السماء دراسة أدبية 2003- الهيش رواية 2004 أربع طبعات- شاعر المنافي والمساءات الباردة دراسة 2005- دحل الحمام رواية الدار الجديدة 2008- حلم أمة كتاب توثيقي 2010- النوبي متوالية قصصية).

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة