خاص : كتبت – هانم التمساح :
تأتي ذكرى الحرب (العراقية-الإيرانية)، هذه الأيام؛ بعد ثلاثة عقود من الزمان تحول العدو إلى حليف، وتغيرت موازين القوى واستمر ما يتم ترويجه من أكاذيب وقلبٍ للحقائق في وسائل الإعلام المختلفة – خاصة بعد دخول “العراق”، “الكويت”، في 2 آب/أغسطس 1990 – بهدف تحميل القيادة العراقية سبب الحرب بين “العراق” و”إيران”، التي أمتدت لمدة 8 سنوات، (1980 – 1988)، مع أن الحكومات العربية والشعب العربي، (خاصة حكومات دول الخليج العربي وشعبها؛ لأنها أقرب للأحداث)، كانت كلها تعلم من هو المعتدي في هذه الحرب والمُصر على استمرارها.
“روحاني” : مستعدون للتغاضي عن أخطاء الماضي لدول الجوار..
إنطلقت، أمس الأحد، في “طهران” مراسم العرض العسكري لـ”الحرس الثوري” والجيش الإيراني بمناسبة ذكرى بدء الحرب (العراقية-الإيرانية)، بكلمة للرئيس، “حسن روحاني”، الذي تطرق لظروف الصراع (الأميركي-الإيراني).
وقال “روحاني”، في الكلمة التي ألقاها أمام قادة الجيش و”الحرس الثوري”، إن: “العدو اليوم لا يجرؤ على إتخاذ القرار بشن عدوان على إيران”.
وأضاف الرئيس الإيراني أن: “العدو بدأ حربًا اقتصادية ويمارس الإرهاب الاقتصادي ضد إيران”، مشيرًا إلى أن الهدف هو تدمير “إيران” وتجزئتها.
وأكد على أن “إيران” ستصمد في مواجهة الحرب الاقتصادية والنفسية والتهديد بالحرب العسكرية، مشيرًا إلى أن الوجود الأميركي يتسبب في زعزعة الأمن في “الخليج” و”العراق” و”أفغانستان”، وأن “الولايات المتحدة” تريد السيطرة على المنطقة وثرواتها.
وقال الرئيس الإيراني إن قوات بلاده وقفت إلى جانب “العراق وسوريا وفلسطين”؛ وحاربت الإرهاب وجلبت الأمن للمنطقة، مضيفًا أن “إيران” تمد يد الصداقة والأخوة لجميع دول الجوار ومستعدة للتغاضي عن أخطائهم السابقة.
وإنطلقت فعاليات العرض العسكري السنوي، صباح الأحد، في “طهران” وعدد من المحافظات الأخرى بمناسبة ذكرى “الدفاع المقدس”، الحرب (العراقية-الإيرانية)؛ التي إندلعت سنة 1980 وأنتهت سنة 1988.
موازين القوى كانت في صالح إيران..
إن أي صراع أو قتال عندما يندلع بين طرفين، (مهما كان الطرفين دولتين أو قبيلتين أو شخصين أو غيره)، فإنه وبناءًا على منطق الحرب والقتال يكون الطرف الأكثر إمكانيات وقوة هو الذي يسعى للقتال والحرب وليس العكس، و”إيران” تمتلك إمكانيات أكثر بكثير من “العراق”.
ففي بداية الحرب كان عدد سكان “إيران”، 39 مليون نسمة، و”العراق” 13 مليون نسمة؛ أي أن سكان “إيران” ثلاثة أضعاف سكان “العراق” – ومساحة “إيران” تزيد على مساحة “العراق” بأكثر من ثلاثة أضعاف ونصف وطول الحدود؛ وإفتقاد “العراق” للعمق الإستراتيجي لمدنه يجعل عدد كبير من مدن “العراق” والمهمة، (مثل البصرة والعمارة وديالى وأربيل وخانقين وغيرها)، تحت مرمى المدفعية الإيرانية، ومدنه الأخرى ومنها العاصمة، “بغداد”، والتي تبُعد 120 كم عن الحدود مع “إيران”، تحت مرمى الصواريخ الإيرانية القصيرة المدى – (سكود) وغيرها، والتي لا تتجاوز 150 كم – التي تمتلكها “إيران” و”العراق” في بداية الحرب. بينما “إيران” تمتلك عمقًا إستراتيجيًا كبيرًا بسبب سعة مساحتها؛ فلذلك معظم مدنها المهمة مثل عاصمتها، “طهران”، و”أصفهان” و”شيراز” و”قم” وغيرها؛ بعيدة عن المدفعية والصواريخ العراقية .
“العراق” كان يعتمد على 85% من اقتصاده على تصدير “النفط”؛ الذي يتم تصدير معظمه عن طريق (مينائي البكر والعميق في الخليج العربي)، والباقي عن طريق “تركيا” و”سوريا”، التي أوقفت تصديره في السنة الثانية للحرب بناءًا على وقوفها في الحرب مع “إيران”، وبما أن الساحل الشرقي من الخليج العربي كله لـ”إيران” و”العراق”؛ لا يملك إلا ما طوله 30 كم من السواحل فقط في شمال الخليج، فهو بذلك مهدد بأن تقوم “إيران” بمنع “العراق” من تصدير نفطه عن طريق “الخليج العربي”، وهذا ما قامت به “إيران” منذ اليوم الأول لبدء الرد العراقي، في 22/9/1980.
شيعة العراق إنحازوا لوطنهم..
كانت القيادة الإيرانية تعتقد، (متوهمة)، بأن الشيعة العرب، في “العراق”، الذين يمثلون أكثر من 40% من الشعب العراقي آنذاك، سيقفون معها في الحرب باعتبارهم ينتمون لنفس المذهب، وكذلك الشعب الكُردي الذي نسبته 13%، وما حصل هو العكس.
شهادة ضابط بالجيش العراقي السابق..
يقول ضابط كبير بالجيش العراقي السابق، على صفحة الجيش العراقي السابق بموقع التواصل الاجتماعي، (فيس بوك): “عايشت سنوات الحرب بكل تفاصيلها، باديء ذي بدء سأصف لكم الحالة بين العراق وإيران قبل اندلاع الحرب بسنوات، حيث أنه في بداية السبعينيات قامت القيادة الإيرانية، في زمن الشاه الذي كان حليفًا لأميركا، بتحريض الجيب العميل في كُردستان العراق بقيادة، المُلا مصطفى البرزاني، على التمرد على القيادة العراقية، (ورفض بيان 11 آذار للحكم الذاتي لمنطقة كُردستان الصادر من القيادة العراقية عام 1971)، وذلك بالتعاون مع المخابرات الأميركية، (CIA)، والإسرائيلية، (الموساد)، بهدف زعزعة القيادة العراقية وإسقاطها أو استنزافها، والتي تمثل خطرًا على مصالحهم غير المشروعة بسبب خطواتها الوطنية الشجاعة والتي من أهمها، (ضرب الجواسيس وتأميم النفط ومنح الحكم الذاتي لمنطقة كُردستان والتوجه للبناء والتطوير والسعي لإعداد جيش قوي لحماية الوطن ومنجزاته)، وبسبب رفض المُلا مصطفى البرزاني؛ كل المحاولات التي قامت بها القيادة العراقية لإيقاف حرب الاستنزاف هذه اضطرت القيادة العراقية إلى توقيع اتفاقية الجزائر عام 1975، بين العراق وإيران والتي من أهم بنودها عدم التدخل بالشؤون الداخلية لكلا الطرفين وتقاسم مياه شط العرب وعدد من البنود الخاصة بترسيم الحدود، مما مكن القيادة العراقية من بسط نفوذها على منطقة كُردستان وإقامة حالة الاستقرار فيها والتوجه إلى مرحلة البناء والتطوير الوطنية، حتى أصبح العراق لديه، في نهاية السبعينيات، أفضل اقتصاد في المنطقة وتوفر له احتياط بلغ أكثر من 35 مليار دولار !.. وكان الدينار العراقي يساوي أكثر من 3 دولارات !.. كما كان لديه أفضل نظام طبي وتعليمي في المنطقة، ونظرًا لرغبة الأميركان التخلص من الشاه بسبب توقيعه معاهدة الجزائر مع العراق ولتأجيج الفتنة مع العراق ولأسباب أخرى؛ تم تحريك الشارع الإيراني ضد الشاه الذي كان متعطشًا للخلاص منه وإقناع الشاه بضرورة الخروج من إيران حتى يهدأ الوضع، كما جرى تلميع صورة الخميني وتسهيل عودته من فرنسا وإستلامه السلطة وإنتهاء عهد الشاه”.
“صدام حسين” بعث لـ”الخميني” رسالة تهنئة بالثورة فاعتبروه خائف !
ويضيف: ومع إستلام “الخميني” القيادة في “إيران”؛ بدأت رائحة وشرارة الحرب تفوح وتشتعل شيئًا فشيئًا، وإليكم أهم الأدلة والحقائق التي تثبت أن القيادة الإيرانية تتحمل كامل المسؤولية في دق طبول الحرب وإندلاعها واستمرارها لمدة 8 سنوات، وأن القيادة العراقية لم تكن تريد الحرب مع “إيران” مطلقًا بل خاضتها مضطرة للدفاع عن “العراق”، وهي :
– أرسل الرئيس، “صدام حسين”، رسالة تهنئة للزعيم الإيراني، “الخميني”، بنجاح الثورة وتسلمه السلطة؛ معربًا عن أمله بأن تكون مكسبًا للأمة العربية والإسلامية، ومتمنيًا بأن تكون العلاقات بين الشعبين، العراقي والإيراني، مبنية على مباديء الدين الإسلامي الحنيف والجيرة الحسنة بما يطور العلاقة بين البلدين والشعبين، وقد قال السيد “موسى الموسوي”، (مستشار الخميني آنذاك)، المتواجد حاليًاً في “لندن”؛ بأن “الخميني” قال له بعد قراءة الرسالة أمامه بأن “صدام” خائف لان هناك نسبة كبيرة من الشعب العراقي سيؤيده حالما ينادي بإسقاط النظام العراقي باعتباره عاش في “العراق” 13 سنة، وقد رد الزعيم “الخميني” برسالة جواب للرئيس العراقي تتضمن تهديدًا ووعيدًا؛ وختمها بجملة “والسلام على من أتبع الهدى”، وهي جملة معروف أنها تقال لغير المسلم.
إيران حاولت تصدير الثورة الإسلامية وكفرت الأنظمة..
وتابع الضابط العراقي: “بدأت القيادة الإيرانية بحملة إعلامية واسعة وكبيرة من خلال وسائل الإعلام المختلفة بالترويج لما يسمى بتصدير الثورة الإسلامية للأقطار المجاورة، خاصة العراق ودول الخليج، لزعزعة وإسقاط أنظمتها، (التي كانت تصفهم القيادة الإيرانية بالأنظمة الكافرة والعميلة للغرب)، لإقامة أنظمة موالية لها، كما رددت من خلال خطابها الإعلامي في أنه أي اتفاقية وقعها الشاه لا تُعبر عن طموح الشعب الإيراني وتطلعاته تعتبر لاغية، وخصت بالذكر اتفاقية الجزائر الموقعة مع العراق”.
واستطرد: “بدأت القيادة الإيرانية؛ واستمرارًا لحملتها الإعلامية الواسعة، ومنذ يوم 4/9/1980، بالتحرش بالمدن والقصبات العراقية الحدودية وقصفها بالمدفعية والتحرش بالسفن في الخليج العربي وشط العرب وفرض رفع العلم الإيراني فوق السفن العراقية وتحريض ما يسمى (حزب الدعوة) لإشعال نار الفتنة الطائفية وللقيام بتفجيرات داخل المدن والعاصمة، بغداد، وقيام طائراتها بالإغارة على عدد من المنشآت العراقية، حيث تم إسقاط إحدى الطائرات وأسر قائدها الذي أحتفظت به القيادة العراقية إلى نهاية التسعينيات على أنه دليل إثبات على بدء الحرب من قِبل الجانب الإيراني، وقد قدمت القيادة العراقية أكثر من 260 مذكرة احتجاج موثقة ضد الجانب الإيراني على ممارسته وتجاوزاته وخروقاته للأراضي والمياه العراقية للأمم المتحدة؛ وصور منها للجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي والسفارة الإيرانية في بغداد، وقد تحملت القيادة العراقية كل ذلك بصبر وحكمة ومسؤولية عالية بهدف منع تطور الوضع إلى ما هو أسوأ”.
“صدام” مزق اتفاقية الجزائر عندما اتهموه بالخوف وأشعلو الفتنة الطائفية..
وتابع: مع الأسف القيادة الإيرانية فسرت صبر القيادة العراقية وحكمتها وشعورها بالمسؤولية، بالضعف والخوف والتردد، مما جعلها تتمادى وتستمر بالتجاوزات والخروقات وقصف المدن والقصبات والاستفزازات في المياه الإقليمية والدولية وإشعال نار الفتنة بين الشعب العراقي، ولما تأكدت القيادة العراقية من عزم وإصرار القيادة الإيرانية في إلحاق الضرر بـ”العراق” وإشعال الفتنة الطائفية فيه؛ والتصميم على إسقاط القيادة العراقية قولاً وعملاً، خرج الرئيس، “صدام حسين”، على شاشة التليفزيون ومزق “اتفاقية الجزائر”، وقال أنها لاغية لأن الإيرانيون خرقوا الاتفاقية في أهم بنودها؛ وهو بند عدم التدخل بالشؤون الداخلية لكلا الطرفين، ولإفهام القيادة الإيرانية بقدرة “العراق” على الرد بكل قوة، قامت القيادة العراقية مضطرة بالرد، في يوم 22/9/1980، بقيام عشرات الطائرات العراقية بقصف معظم المطارات الإيرانية بوقت واحد؛ رافقه دخول الجيش العراقي بعمق 10 كم داخل أراضى “إيران” على طول الجبهة، بهدف إبعاد المدفعية الإيرانية عن المدن والقصبات الحدودية.
وقال: “شعورًا من القيادة العراقية بالمسؤولية لوقف نزيف الحرب، فقد وافقت على كل قرارات مجلس الأمن الدولي، من أول قرار صدر في الأسبوع الأول من بدء الحرب العسكرية وحتى القرارالأخير رقم 598؛ الذي صدر بداية عام 1988 وعلى كل المبادرات والنداءات الدولية، بينما رفضت القيادة الإيرانية كل قرارات مجلس الأمن والمبادرات الدولية ووضعت شروطًا تعجيزية لوقف إطلاق النار؛ وهي إسقاط النظام العراقي الذي تصفه بالكافر والعميل للغرب وإحلال نظام إسلامي على غرار النظام في إيران ومحاكمة صدام والقيادة العراقية باعتبارهم هم المعتدين ودفع التعويضات، حتى أن أمين المنظمة الدولية، ديكويلار، ومن خلال شاشة التليفزيون كان دائمًا ينصح إيران بقبول وقف النار وإنهاء الحرب وأهتمامًا من الرئيس، صدام حسين، وشعورًا منه بالمسؤولية الإنسانية والأخلاقية، باعتباره رئيس الدولة، فقد وجه عدة رسائل للقيادة والشعوب الإيرانية خلال سنوات الحرب لتذكيرهم وتبصيرهم بمآسي وخطورة استمرار الحرب ونزيف الدم والدمار اليومي الذي هو ليس من مصلحة البلدين والشعبين، وتأكيدًا على تمسك القيادة العراقية بالحل السلمي، فقد قامت بالمبادرة بإيقاف الحرب من طرف واحد في المناسبات الدينية، كشهر رمضان المبارك والأعياد وعاشوراء وغيرها، بهدف إتاحة الفرصة المناسبة للقيادة الإيرانية لوقف الحرب”.
كانت القيادة الإيرانية تتعامل بوجهين..
والحديث يستمر على لسان العسكري العراقي: كانت القيادة العراقية واضحة مع شعبها والشعوب الإيرانية والعالم، في السر والعلن، في أقوالها وأفعالها، بينما كانت القيادة الإيرانية تتعامل بوجهين؛ فهي تصف “أميركا”، بـ”الشيطان الأكبر”، لكسب تأييد الشعوب الإيرانية والعربية والإسلامية؛ بينما كانت هناك علاقات بالسر مع “أميركا” و”إسرائيل” وتتزود بالأسلحة وقطع الغيار الأميركية، فيما سمي بفضيحة “إيران كونترا”، (لان معظم أسلحة إيران ومنذ زمن الشاه هي أميركية؛ بينما أسلحة العراق جميعها من الاتحاد السوفياتي وفرنسا)، وقد أعترف بذلك، “الحسن بني صدر”، رئيس “إيران”، وقال بأن “الخميني” كان يعلم بذلك؛ وقال له سنتعاون مع “الشيطان” لإسقاط النظام العراقي، كما كانت القيادة الإيرانية تصف “بعث العراق”، بـ”الكافر”، وتتحالف مع “بعث سوريا”.
ويستمر: “في السنة الثانية للحرب، 1982، واستجابة لدعوات بعض الدول والمنظمات العربية والدولية بهدف إقناع القيادة الإيرانية بالحل السلمي ولإثبات حسن نية القيادة العراقية وتمسكها بالحل السلمي، انسحبت القوات العراقية من جميع الأراضي الإيرانية إلى داخل حدودها، ما قبل يوم 22/9/1980، حسب اتفاقية الجزائر، رغم ما يمثله ذلك من خطورة على المدن والقصبات العراقية الحدودية بسبب وقوعها تحت مرمى نيران المدفعية الإيرانية، وبدل أن ترد القيادة الإيرانية على مبادرة العراق الحسنة بالمثل، قامت القوات الإيرانية، وبكل حقد ووحشية، بقصف المدن والقرى الحدودية بالمدفعية بشكل يومي لأنها أصبحت قريبة من مرمى المدفعية الإيرانية، كما بدأت تقوم بهجمات بأعداد كبيرة بما سمى بالموجات البشرية بهدف خرق الحدود العراقية واحتلال أجزاء منه، خاصة المناطق الجنوبية في البصرة والعمارة، واستمرت بقصف المدن والهجوم بالموجات البشرية حتى استطاعت احتلال شبه جزيرة الفاو على الخليج العربي، عام 1986، وأطلقت عليها اسم الفاطمية وأقامت عليها دوري بكرة القدم بهدف ضمها للأراضي الإيرانية … استمرت القوات الإيرانية بقصف المدن والقصبات العراقية بالمدفعية وبكل وحشية وبشكل يومي منذ انسحاب العراق من الأراضي الإيرانية، كما قامت القوات الإيرانية، في عام 1987، بقصف العاصمة، بغداد، وغيرها لأول مرة بصواريخ سكود، (المتوفرة لدى إيران والعراق ومداها 150 كم)، التي هي الأكثر تدميرًا من المدفعية والتي سميت في حينها، (حرب المدن)، والتي بدأتها بالفعل القيادة الإيرانية لأن المدن العراقية، كما ذكرت، معظمها ومنها العاصمة، بغداد، (التي تبعد 120 كم عن الحدود الإيرانية)، تقع ضمن مدى المدفعية والصواريخ الإيرانية، وكان ضمن ما شمله القصف الوحشي مدرسة بلاط الشهداء في بغداد التي راح ضحيتها عشرات الأطفال، ولأن القيادة العراقية لا تستطيع الرد بالمثل بسبب بُعد معظم المدن الإيرانية، ومنها طهران، (التي تبعد 600 كم عن الحدود وأصفهان وشيراز وغيرها)، عن مرمى صواريخ سكود أكتفت بالرد من خلال القصف بالطائرات، (رغم خطورته على الطيارين)، التي أحتفظ بها العراق واستنفذتها إيران خلال الأشهر الأولى للحرب من خلال إسقاطها من قِبل القوات العراقية، وحذرت القيادة العراقية، إيران، من جريمة قصف المدن وتدميرها وقدمت عدة مذكرات بذلك للأمم المتحدة والجامعة العربية؛ وإنها سترد على تلك الإعتداءات في الوقت المناسب”.
ويضيف: استطاعت القوات العراقية، وفي الأشهر الأولى من عام 1988، من تطوير صواريخ (سكود) بزيادة مداها إلى صواريخ (الحسين) 300 كم و(العباس) 600 كم وغيرها، وقامت القوات العراقية بمفاجئة الإيرانيين بالرد العنيف بعد الصبر، حيث دكت الصواريخ العراقية معظم المدن الإيرانية، ومنها العاصمة “طهران”، والتي سقط عليها لوحدها 160 صاروخ مما جعل سكانها، البالغ عددهم أكثر من 8 ملايين آنذاك، أن يتركوها إلى الضواحي والجبال وبدأت معنويات الإيرانيون تنخفض وتصل إلى حالة الإحباط – في نفس الوقت أكملت القوات العراقية تجهيزاتها للقيام بتحرير الأراضي والمدن العراقية التي احتلتها القوات الإيرانية، فقامت بتحرير شبه جزيرة “الفاو”، بتاريخ 16/4/1988، خلال 36 ساعة وبعدها تحرير “الشلامجة” و”نهر جاسم” وجزيرة “أم الرصاص” والقرى والقصبات الأخرى؛ حتى أن القوات الإيرانية من شدة تدني معنوياتها وإحباطها هربت من قرية “حلبجه”، التي كانت مسيطرة عليها، ودخلت القوات العراقية مرة ثانية إلى داخل الأراضي الإيرانية بعمق 10 كم على طول الحدود مع “إيران”، وكان بإمكانها أن تدخل أكثر، (بسبب إحباط القوات الإيرانية وتدني معنوياتها وهروبها من ساحة القتال)، وهو كان رأي معظم القادة العراقيين في أن تستمر القوات العراقية حتى إسقاط نظام الحكم في “إيران”، إلا أن الرئيس، “صدام حسين”، أمر بإيقاف تقدم القوات العراقية داخل العمق الإيراني؛ وقال نحن أصلاً لم نرغب في الحرب وإنما اضطررنا لها ولا نريد لها أن تستمر يومًا واحدًا، وإسقاط النظام الإيراني مسؤولية شعوب “إيران”.
ويتابع: بعد تمكن العراقيون من تطوير صواريخهم وقصف معظم المدن الإيرانية، بما فيها “طهران”، وتمكنهم من تحرير جميع أراضيهم من القوات الإيرانية، بل ودخول القوات العراقية داخل العمق الإيراني إلى ما كانت عليه قبل انسحابها منها، عام 1982، أصاب القيادة الإيرانية الإحباط واليأس فقررت مضطرة وقف الحرب وقبول قرار “مجلس الأمن الدولي” الأخير رقم (598)، الصادر في 1988، والتوقف عن إطلاق النار على الأراضي العراقية، وأعلنت القيادة العراقية قبولها بذلك بشرط أن يكون لـ”العراق” الحق في إطلاق آخر قذيفة وأن لا ترد “إيران” عليها وخلافه ستستمر الحرب، ورضخت القيادة الإيرانية لهذا الشرط، (وكان هدف القيادة العراقية من هذا هو إيضاح للشعبين، العراقي والإيراني، والعالم بأن إيران هي التي بدأت الحرب والعراق هو الذي أنهاها وهو الذي انتصر فيها)، وقد قال حينها “الخميني”، (الذي كان مُصرًا على الحرب حتى إسقاط القيادة العراقية)، بأنه يتجرع السم لقبوله وقف الحرب مع “العراق” !.. بينما عمت الفرحة الشعب العراقي والقيادة العراقية لقبول “إيران” وقف إطلاق النار وتوقف الحرب، وقامت القيادة العراقية بعد توقف إطلاق النار مباشرة بإطلاق جميع الأسرى الإيرانيين، ما عدا الطيار الذي أسقطت طائرته، بتاريخ 4/9/1980، للإحتفاظ به كدليل إثبات على أن الجانب الإيراني هو الذي بدأ الحرب العسكرية، بينما أطلقت القيادة الإيرانية ما يساوي فقط عدد الأسرى الإيرانيين الذين أطلقهم “العراق”، وأحتفظت بباقي الأسرى لديها، (حيث كان عدد الأسرى العراقيين في إيران ما يقارب 65 ألف أسير؛ بينما عدد الأسرى الإيرانيين في العراق ما يقارب 30 ألف أسير)، وذلك مخالف لقرار مجلس الأمن (598)، الذي ينص أحد بنوده بإطلاق جميع الأسرى لدى الطرفين فورًا، وبدأت تماطل في إطلاق الأسرى العراقيين المتبقين لديها واعتبرتهم ورقة للمفاوضة.
أرسل الرئيس، “صدام”، رسالة، بعد توقف إطلاق النار ووفاة “الخميني”، يسمي فيها الزعيم، “خامنئي”، “الأخ الأكبر”، ويأمل منه أن يتم البدء بصفحة جديدة بين الشعبين الجاريين المسلمين مبنية على روح التسامح الإسلامي، وبنفس الوقت تم سحب القوات العراقية من جميع الأراضي الإيرانية إلى ما قبل 22/9/1980.
– سمحت السلطات العراقية بقيام الزوار الإيرانيون بزيارة العتبات المقدسة في “كربلاء” و”النجف” وغيرها.
– كانت القيادة العراقية أول المبادرين في إرسال طائرات خاصة لمساعدة منكوبي الزلزال الكبير، الذي وقع شمال “إيران”، عام 1989.
– قامت القيادة الإيرانية بسلسلة من الإعتداءات، بعد توقف إطلاق النار في 8/8/1988، بموجب قرار “مجلس الأمن الدولي” رقم (598)، وبعد انسحاب “العراق” من الأراضي الإيرانية؛ وأثناء العدوان الثلاثيني على “العراق”، عام 1991، بالوقوف مع من تصفه بـ”الشيطان الأكبر”، (أميركا)، بإدخال عدد من حراس الثورة وقوات مسلحة معارضة داخل “العراق” مستغلة انسحاب القوات العراقية من “الكويت”، وكذلك استغلالها فترة الحصار الظالم على “العراق” في القيام بسلسلة من إعتداءات على المدن والقرى العراقية وقصف قواعد منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية المعارضة، داخل الأراضي العراقية، بالصواريخ والإغارة عليها بالطائرات ودعم المخربين للقيام بتفجيرات في “بغداد” والمدن الأخرى، ودعم المتمردين الأكراد.
– إمتنعت القيادة الإيرانية من إعادة الطائرات العراقية، التي أرسلت أمانةً إلى “إيران” وبموافقتها أثناء العدوان الثلاثيني على “العراق”، عام 1991، بعد إنتهاء العدوان وتوقف الحرب. بحسب العسكري العراقي الكبير.
إيران تعاونت مع من تصفه بـ”الشيطان الأكبر” !
ويسخر العسكري العراقي السابق من تناقض “إيران”، قائلًا: “تعاونت القيادة الإيرانية مع من تصفه بالشيطان الأكبر مرة أخرى، (القوات الأميركية)، والقوات البريطانية في غزو العراق وإسقاط الحكومة والقيادة العراقية، في 9/4/2003، حسب تصريح الرئيس الإيراني، خاتمي، الذي قال لولا تعاون إيران لما استطاعت القوات الأميركية والبريطانية احتلال العراق، كما قامت القوات الإيرانية من إدخال عناصر الحرس الثوري والمعارضين في العراق وإثارة الفوضى والقتل والطائفية والإعتراف بالحكومة العميلة في العراق والتعاون معهم، (الذين هم أصلاً كان معظمهم في إيران ومدعومين منها)”.
مضيفًا: “أنه بناءًا على كل هذه الحقائق والأدلة الدامغة، (والتي أضعها أمام كل إنسان منصف وعادل)، يتبين أن القيادة الإيرانية هي السبب في بدء الحرب والإصرار على استمرارها لمدة 8 سنوات، وهي تتحمل كامل المسؤولية فيها وعلى رأسها التعويضات، وأن القيادة العراقية لم تكن تريد لهذه الحرب أن تبدأ ولا في استمرارها وحاولت وبكل صبر وحكمة وبمنتهى المسؤولية أن تمنع هذه الحرب أو توقفها، ولكنها فشلت بسبب الإصرار والتعنت الإيراني مما اضطرها إلى خوض الحرب وإدارتها بكل قدرة وشجاعة والخروج منها منتصرة، (وأقول انتصرت القيادة العراقية في الحرب إذا عرفنا هدف الطرفين المتحاربين، ومن منهم حقق هدفه، فإن الإيرانيين ومن خلال خطابهم السياسي كان هدفهم ومن أول أسبوع في الحرب هو إسقاط الحكومة العراقية ومحاكمة صدام ومعاونيه ودفع التعويضات وضم العراق لايران، بينما كان هدف القيادة العراقية وقف الحرب وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والإحتكام لأي جهة دولية محايدة لتحديد المعتدي، فيتبين أن القيادة العراقية هي التي حققت هدفها وبموجبه تعتبر هي المنتصرة)، فضلاً أن القيادة الإيرانية تتحمل المسؤولية والتعويضات عن جميع الإعتداءات والتدخلات بالشؤون العراقية ما بعد الحرب وحتى سقوط الحكومة العراقية، في 9/4/2003، وما بعدها وحتى تاريخه. وكذلك انتصر العراق عسكريًا، حيث أن إيران خسرت ما يزيد عن 2 مليون مقاتل و6 مليون جريح وأكثر من 100 ألف أسير و4 مليون لاجيء، ودمر الجيش الإيراني وأنهك، أما العراق خسر 200 ألف شهيد و500 ألف جريح و40 ألف أسير تقريبًا، وهذا رقم طبيعي بالنسبة لحرب استمرت 8 سنوات، وكذلك الخسائر الاقتصادية الإيرانية كانت عشر أضعاف العراقية … وكذلك تم تحرير جميع الجزر والمدن العراقية المحتلة من قِبل إيران … هكذا يقاس المنتصر في الحرب والمهزوم … الحرب انتصرنا بها، ولن يستطيع أحد تغيير تاريخنا وأعترف الإيرانيون والخميني نفسة بالهزيمة”.