خاص : ترجمة – محمد بناية :
قبيل الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، كانت استراتيجية “المحافظون الجدد”، في “واشنطن”، تصنف “الصين” كأهم تهديد مستقبلي على مصالح “الولايات المتحدة الأميركية”، ويصفون العلاقات (الصينية-الأميركية) بالمنافسة الاستراتيجية.
مع هذا كانت مكافحة الإرهاب تفوق في الأولية، نسبيًا، جيواستراتيجية “واشنطن” في مواجهة “الصين”، لكن لايزال حكم “المحافظون الجدد” على نفس الشاكلة القديمة. بحسب (مركز دراسات السلام الدولي) الإيراني.
هدف بكين “الاستراتيجي-الأمني”..
حاليًا “الصين” هي القوة التي تشارك على مشهد السياسة الدولية بمستوى أقل من ثقلها. وقد هيأت أجواء مكانة هذه القوة الحقيقية في تحسين أوضاعها، ورفع إمكانياتها الاقتصادية والعسكرية.
وفي تلك اللحظة؛ تؤمن “الصين” مصالحها بالاستفادة من مواقفها الدفاعية ومنهجها السياسي القائم على مبدأ المحافظة على الاستقرار، وكلما إزدادت مصالح القوة الصينية أتسمت المواقف الصينية بالحسم. وهدف “بكين”، (الاستراتيجي-الأمني)، هو حلول “الصين” في موقع المنافسة الإيجابية، والبحث عن الحكم الذاتي في جميع أبعاد طبيعتها الجماعية.
ويرتبط التقدم الصيني، من المنظور الاقتصادي، بالصادرات؛ وهذا يستدعي إقامة علاقات مقبولة مع شركاءها التجاريين، والاهتمام بتوفير الاستقرار في سائر مراكز القوة.
وتعتزم “بكين”، من المنظور العسكري، تشكيل قوات مسلحة مناسبة استنادًا للمبدأ الثوري في الشأن العسكري واستخدام الحرب بالجمع بين الآلية وضخ المعلومات. والاستكمال الثوري الناجح، في الشأن العسكري، هو من أهم شروط “بكين” الجيواستراتيجية؛ لأنه سيكون بمقدورها حينها فقط أن تكون بديل “واشنطن” و”المحافظون الجدد”، في (البنتاغون) يدركون هذه المسألة؛ وهذا أساس اهتمامها بالمحافظة على مكانة “واشنطن” المهزومة في شرق وجنوب شرق آسيا.
“واشنطن-طوكيو” علاقة مقلقة !
ومع الأخذ في الاعتبار للحليف الأميركي المسالم، وأعني “اليابان”، فسوف تتأثر “واشنطن” و”طوكيو” بتعقد جيواستراتيجية “بكين”، لأن الأخيرة تقف على مفترق طرق.
لطالما كانت “واشنطن” و”طوكيو” مشكلة “بكين” الأساسية والقديمة، ولو تمكنت “بكين” من تهميش “واشنطن” في شرق آسيا، فإن “طوكيو” تميل إلى رفع مستوى الخصومة والعداء مع عدوها القديم والمعروف إلى الحالة العسكرية أو النووية.
ووجود “اليابان” يضع المواجهة المحتملة بين “بكين” و”واشنطن” قيد المراقبة، ويمنح “واشنطن” أداة ضغط. وإنطلاقًا من التنافس (الياباني-الصيني) في الأسواق والمصالح الاقتصادية، يجعل وجود “واشنطن” أداة إحتواء للعداء المعلن بين “بكين” و”طوكيو”.
كذا فإن كيفية تعاطي “بكين” مع العلاقات والقوى الثلاثية قد يعكس إلى حد كبير مكانة هذه الاستراتيجية.
منافسات شرق آسيا..
وأفضل مؤشرات فوز “بكين” أو “واشنطن” في منافسات شرق آسيا؛ هو مكانة “تايوان”، والتي هي محل اهتمام “الصين”. والواقع إن قضية “تايوان” تضع الكثير من الصعوبات أمام “واشنطن” و”بكين”.
وتهتم “واشنطن” بتأمين “تايوان”؛ لأنها تعتبرها أقوى موطأ قدم لـ”الولايات المتحدة” في شرق آسيا. فإذا تريد “الصين” ضم “تايوان” فسوف يتراجع نفوذ “واشنطن” في المنطقة بشكل ملحوظ.
لكن “واشنطن” تريد إبقاء علاقاتها الاقتصادية مع “بكين” للمحافظة على الاستثمارات الأميركية في “تايوان”، وهو ما يعني أن على “واشنطن” إتباع سياسة “الصين” المتحدة؛ وأن تسعى إلى مراقبة تحركات (تايبيه) للاستقلال.
في المقابل؛ تفتقر “بكين”، حتى الآن، لاستعدادات المواجهة العسكرية مع “تايوان” وتريد المحافظة على أسواق التصدير لـ”الولايات المتحدة”. وقد وصلت مناقشات “بكين” و”واشنطن” الجديدة إلى طريق مسدود، لكن لايزال الوضع غير مستقر.
وعليه؛ يجب أن نقبل بتحول “الصين” حاليًا إلى منافس صعب المراس بالنسبة للغرب و”الولايات المتحدة”، فيما يخص الشأن الاقتصادي و(الصناعي-العسكري).
ويثير إنفراد “الصين”، في شوارع “ووال استريت”، وانتشار السلع والمنتوجات الصينية حول العالم، وشراء وإستئجار الموانيء المهمة والاستراتيجية في “البحر الأبيض المتوسط” وغيره، وكذلك البنوك في “الولايات المتحدة”، والأراضي الزراعية ذات المحصولات الاستراتيجية في “أوروبا” و”أميركا الجنوبية”، مخاوف الغرب؛ وبخاصة “الولايات المتحدة الأميركية”.
ولذلك فإن إنشغال “الولايات المتحدة” بمشكلات الحرب والمواجهة في جنوب غرب آسيا، وهجوم متضرري الحروب على الغرب؛ هيأ لـ”الصين” إمكانية تغيير المعادلات العالمية لصالحها باستخدام التكنيكيات (الاقتصادية-الجيوايكونوميك) الناعمة.
في المقابل؛ تراقب “الولايات المتحدة” سلوكيات “الصين”، لكنها تنشغل فعلاً بالفصل في الأزمات الناجمة عن إنفراد منافسها القديم، “روسيا”، وكذلك القوى الإقليمية حديثة النشأة مثل “تركيا” و”إيران”، وحل هذه الموضوعات في الوقت الراهن يمكن تخيل منظورها الغامض.
لكن مما لا شك فيه أن “الصين” أظهرت نفوذًا مؤثرًا في العالم مهما إزداد تعقيد مشكلات الشرق الأدنى الكبير، وحققت من جهة أخرى إمتيازات جيواستراتيجية في محيطها المجاور.