كلنا يعرف إن الله سبحانه وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه واله بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله وسراجا منيرا ليخرج الناس من الظلمات إلى النور وبدأ التحول في تأسيس هذه الحضارة على يد النبي صلى الله عليه واله وصحابته الكرام وهكذا بدأت المسيرة ولكن في نقطة ما من تاريخ هذه الأمة وهذه الحضارة حدث شيء قلب الموازين , حدث المكروه لهذه الأمة توقفت تلك المسيرة الإلهية التي أرادها وأسسها النبي وصحابته وبدأت مسيرة أخرى مغايرة تماما في الأهداف والغايات وفي الوسائل أيضا مسيرة قادها خط آخر لا يحمل الفكرة والمشروع الذي ابتناه رسول الله وصحابته هذا الخط كان يبتغي السلطة والحكم وبالتالي النفوذ والأموال والدنيا وزخرفها وكل ما فيها من مباهج وزخارف وأهواء وعصيان وفساد وكما أوضحنا في الأجزاء السابقة أنهم استخدموا الإسلام نفسه للوصول إلى مآربهم إذ كانوا يتظاهرون بالإسلام أمام الناس ويؤمونهم في الصلوات ويقيمون بعض أركانه لا لأجل الفضيلة ونشر العدل كما نصح ( ميكافيلي ) – متأخرا عنهم – ولكن لإغراض السيطرة على الناس من خلال الوازع الديني واستعبادهم وسرقتهم باسم الدين وهذا الحال وهذا المنهج ظل قائما ليومنا هذا ,
إذن هو انحراف وانهيار وانجراف نحو الهاوية ونحو الهزيمة وان كان حدث ذلك بصورة بطيئة استغرقت قرونا طويلة ولكن متى حدث هذا ومن بدأ تلك الأحداث ومن قام بالخطوة الأولى لذلك علينا أن نبدأ من البداية منذ الوهلة الأولى ومنذ الخطيئة الأولى والعصيان والانقلاب الأول ..
لذلك سوف نبدأ تلك القصة المحزنة والمأساوية التي أوصلتنا إلى هذا الحال من التشرذم والضعف والوهن والتي دفعت الأمة بالأمس ثمنها وسوف تدفع ثمنها باهظا في الحاضر والمستقبل من تلكم الحركة من تلك النقطة والحدث الأول الذي أسس للتفرق والطائفية وتوريث الحكم واستعباد الناس وتمزيق الأمة سوف نبدأ هذه القصة منذ وفاة النبي صلى الله عليه واله ..
وهناك انقسمت الأمة أو هكذا كان المشهد عند وفاة النبي الطرف الأول هو علي بن أبي طالب عليه السلام وأهل بيته وبني هاشم وعلي هو المرشح الأول لاستلام الخلافة بعد النبي صلى الله عليه واله وحسب الوصية المعروفة من النبي والذي كان منشغلا بتجهيز النبي صلى الله عليه واله وتكفينه لإغراض دفنه والطرف الثاني هم الصحابة وأتباعهم وقد اجتمعوا تحت سقيفة بني ساعدة والطرف الثالث وهو الطرف الأخطر الذي كان يراقب عن كثب ويحاول الوصول للسلطة بأي طريقة كان يؤلب هذا المعسكر على ذاك وذاك الصحابي على ذاك انه يصنع المؤامرة ويحيك خيوطها بكل دقة وهدوء انه يعمل وراء الكواليس وفي الغرف المظلمة انه يمثل الميكافيلية بعينها والانتهازية بكل مساوئها ويمثل العصيان والشر والمؤامرة ومن المؤكد أن النبي وعلي عليه السلام وبعض الصحابة رضوان الله تعالى عنهم كانوا في واد والأمة كلها في واد آخر إذ لم تفهم الأمة مراد الرسول صلى الله عليه واله واعتقد بل اجزم إن الأمة إلى الآن لم تفهم مراد النبي ورسالته الخالدة ..
ومن هنا ننطلق مع سماحة المحقق السيد الأستاذ الصرخي الحسني دام ظله المبارك وهو ينفض غبار الزمن عن صفحات التاريخ ليظهر لنا الحقيقة في أجلى صورها ويعطينا دروسا بليغة لم نسمعها أو نقرأها من عالم ومحقق آخر غيره , حيث نبدأ من تأكيد سماحته بأنه يريد تأسيس نظرية أو منظومة فكرية في أصل وأساس قراءة التاريخ القراءة الصحيحة وأشار المحقق الصرخي ان رواية حديث الشورى التي يذكرها البخاري في صحيحه ,أكدت ان الخليفة عمر يؤكد وجود حزب وكتلة وتجمع وخط ومنهج تآمري يقود للفتنة والدمار وسفك الدماء والفساد ،نعم إنّه الحيّ الأمويّ المروانيّ الذي حذّر منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحذّر من أنّه سيهلك الأمّة ويفتك بالإسلام ، ولم يتأخّر ذلك بل سرعان ما ظهر وبان عند وفاة الرسول الأمين (صلى الله عليه وآله وسلّم)،وما نقله عمر عن خطيب الأنصار واضح في الدلالة عليه { وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ ، فَإِذَا هُم ْيُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونا منْ أَصْلِنَا وَأَنْ يَحْضُنُونَا مِنَ الأَمْرِ}،وفي مقابل هؤلاء يوجد أحزابأ وكتلأ وتجمعات أو توجهات أو مناهج يجمعها الخوف على الإسلام والمسلمين من خطر المتآمرين وأضاف سماحته في المحاضرة السابعة عشرة من بحثه الموسوم (الدولة المارقة في عصر الظهور منذ عهد الرسول) قائلا .. ( الفرق بين خط الصحابة كخط إسلامي يقول الذي له والذي عليه،على خلاف الخط الأموي الذي يقلب الحقائق والموازين وهو الخط الذي يتبناه ابن تيمية والدواعش المارقة ..) ..
بين ذلك سماحة المرجع “دام ظله “في معرض رده على دعوى ابن تيمية من وجود إجماع على البيعة والخلافة مع ان سيد الخزرج الصحابي البدري الرضواني سعد بن عبادة “رض ” قد تخلف عنها وكذلك علي وفاطمة ” عليهما السلام ” .. فلا يتم كلام التيمية من ان جميع الصحابة وبنو هاشم كلهم اجمعوا على بيعة الخليفة .
واستدل المرجع برواية صحيحة عن السيدة عائشة ” رضي الله عنها ” والتي وردت في ( البخاري / المغازي ومسلم / الجهاد والسير )
وبذلك تكون حجة كافية لبيان مزاعم التيمية المارقة حيث تذكر السيدة عائشة “رض” موقف بضعة النبي “صلى الله عليه واله وسلم” فاطمة الزهراء “عليها السلام” من خلافة أبي بكر “رض” واحتجاجها على الميراث وأحقية الخلافة والوصية لعلي “عليه السلام ” وعزلتها وغضبها وهجرتها فلم تكلم الخليفة حتى وفاتها وهو الأمر الذي جعل موقف الناس يختلف مع الإمام علي “عليه السلام” بعد ان توفيت الزهراء “سلام الله عليها ” لما لها من اثر في نفوسهم فتغير موقف الناس مع علي “عليه السلام “وصار ذلك التغير يسبب الحرج لعلي ” سلام الله عليه ” فاضطر لان يبعث إلى أبي بكر “رض” لإنهاء القطيعة والخلاف بينهما الذي دام ستة أشهر لتنعقد المصالحة وهو الأمر الذي يستدعي أن تنتهي فيه أي خلافات في الآراء والمواقف مادام تضمن الإطار العام في خدمة الناس وصلاح دينهم ودنياهم ووفق مبدأ احترام الرأي والمعتقد بين الجميع دون إباحة الدماء والأموال والأعراض .وأثناء نقل الرواية والتي سيأتي بيانها في الخبر قال المرجع الصرخي بما نصه :
(لست أنا ولا الشيعة من تقول، بل عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها هي من تقول ،لاحظ هذا خط الصحابة المرتبط بالرسول ” صلى الله عليه وآله وسلم” وأهل البيت “عليهم السلام”،وبكل تأكيد فإنّ الصحابة غير معصومين فتوجد شبه وإشكالات وأخطاء واجتهادات ،لكنها ليست كالخط الأموي ، فالخط الأموي ينفي كل شيء ويقلب الموازين والحقائق، أما خط الصحابة فهو خط إسلامي يقول بالذي عنده والذي له والذي عليه ، مع ملاحظة أنّ هذا مما وصلنا بعد تجاوز مراحل الغربال الأموي والسلطة والحكام الأمويين ، فجزى الله الصحابة والخلفاء وأم المؤمنين خير الجزاء ، فلولاهم لانقلبت الحقائق رأسًا على عقب)..
إذن يتبين لنا ومن خلال تحقيق السيد الأستاذ وهو التحقيق الأقوى والأرجح بان هناك خطان الأول هو خط الصحابة المرتبط بالنبي وأهل بيته عليهم السلام والخط الثاني هو الخط الأموي الانتهازي الذي يقلب الحقائق والموازين ويجعل من التدليس والافتراء والكذب ديدنا ومنهجا له على طول الخط وسنكمل إن شاء الله في المقال اللاحق ما وصلنا إليه وبالخصوص حديث السيدة عائشة رضي الله عليها .. ..