خاص : ترجمة – محمد بناية :
التغييرات الإقليمية الحالية، وما ترتب عليها من جفاف وأزمة في المياه، من أهم القضايا التي تُشكل ماهية العلاقات بين الدول. ولا تقتصر أزمة المياه على نقص المعروض، وإنما إنعدام التعاون العابر للحدود والفشل في إدارة مصادر المياه.
من ثم تعمل كل دولة على زيادة إمكانية وصولها إلى مصادر المياه. بعبارة أخرى، تحول الماء إلى أحد العناصر المهمة والمحددة بالنسبة للدول.
لذلك أعدت “تركيا” مشروع بناء سد عظيم في إطار تنفيذ سياسة “الماء مقابل النفط”، ورغم تداعيات هذا السد، الإيجابية منها والسلبية، على “تركيا” نفسها، فقد ألحق السد ضررًا بالغًا بالدول أسفل النهر وهي؛ “سوريا والعراق وإيران”، منها جفاف البرك، وهبوب الأتربة، والقضاء على أنواع من النباتات والحيوانات، وارتفاع معدلات البطالة والهجرة.
وقد استعرض “مركز دراسات السلام الدولي” الإيراني تأثير المشروع التركي على دول أسفل النهر، لا سيما “العراق” و”إيران”..
الأكراد أول المضارين..
بدأت “تركيا”، منذ العام 1970، مشروع يستهدف الرفاهية العامة والتنمية الاقتصادية، وهو يعتبر أهم مشروع تنموي داخلي في هذا البلد. عُرف هذا المشروع باسم (GuneydoguAnadoluProjesi)، ويشمل إحداث 22 سد و19 محطة مائية على مصادر “دجلة” و”الفرات”.
وتتباين آثار هذا المشروع على “تركيا” نفسها، فقد حققت المحافظات التسع، محل المشروع، التنمية، ووفرت حتى العام 2009؛ عدد 2300 فرصة عمل مع توقعات بارتفاع إنتاج “القطن” التركي في العام 2024؛ إلى حوالي 3839 قنطارًا سنويًا، لكن من جهة أخرى، كان لتلكم السدود آثار تدميرية على “تركيا” على نحو ما ينقل الأكراد، الذين يشكلون أغلبية السكان في منطقة، إحداث سد “گابوايليسو”، حيث تسببت هذه السدود في غمر الأراضي الزراعية بالمياه، وتحديدًا قرية (حسن كيف) التاريخية.
ويعتقد الأكراد أن الهدف من سد “ايليسو”، هو تقييدهم. كما أن الخطوة التركية تتعارض والمواد الخامسة والسادسة والسابعة من “لجنة قوانين الاستفادة غير الملاحية من الممرات المائية الدولية، التابعة لـ”الأمم المتحدة”، والتي تمنع الدول فوق النهر من إحداث أو تنفيذ مشاريع بنية تحتية مائية بالشكل الذي يتسبب في مشاكل وأضرار خطيرة على الدول أسفل النهر.
والواقع أن تبعات هذا المشروع على الدول أسفل النهر ملموسة. فقد تسبب سد “أتاتورك” في تبوير 670 ألف هكتار من الأراضي الزراعية العراقية، كذلك حال سد “ايليسو” في الحيلولة دون تدفق 56% من المياه على نهر “دجلة” في “العراق”.
وقد تسبب جفاف “العراق” في رطوبة التربة وكثافة الغبار، وكذلك القضاء على الأرض الزراعية والبطالة والهجرة.
في حين كان المسؤولون الأتراك قد أعلنوا أن الهدف من بناء السد هو إنتاج الكهرباء، ولن يتسبب في أي مشكلة للدول أسفل النهر بعد إمتلاءه. وقد شرعت “العراق” و”تركيا” في بدء المفاوضات بشأن السدين، عام 1946، أي قبل ثلاثة عقود تقريبًا من مشروع “گاب”. وأنضمت “سوريا” إلى المفاوضات، عام 1965.
ورغم المفاوضات الكثيرة؛ إلا أن الدول الثلاث فشلت بالنهاية في الوصول إلى اتفاق مشترك ملزم حتى اليوم. الآن وبعد الشروع في مليء سد “ايليسو” فقد إزدادت أوضاع “العراق” المائية تدهورًاً لدرجة أنه سيكون بمقدور “تركيا”، بعد إمتلاء السد، السيطرة على المياه الداخلة لـ”العراق”.
الخلاصة وتقديم الحلول..
مما سبق؛ نستخلص أن عدم وجود نظام قانوني مناسب لتقسيم المياه بالمنطقة هو سبب بروز الأزمة. وكذلك سوف يبعث عدم وجود اتفاقيات واضحة على بحث كل دولة عن الحد الأقصى من مصالحها دون اهتمام للدول الأخرى.
وفيما يخص نهر “دجلة”، لا يوجد اتفاق بين الدول الثلاث، (تركيا وسوريا والعراق)، يتعلق بطبيعة النهر الدولية أو عابرة الحدود.
ومع الأخذ في الاعتبار لعدم مشاركة “إيران” في المذكرات الثلاثية سابقة الذكر، ربما يكون من الأفضل أن تضطلع ببدء جولة جديدة من المفاوضات لحل الأزمة. وفي حال إنعقاد اجتماعات مستمرة بوساطة إيرانية، يعقبها تقديم نظام قانوني مناسب والوصول إلى اتفاق واضح المعالم، فقد تحقق جميع الأطراف مصلحة مشتركة على الأقل.
وبعد ذلك يمكن إحياء اللجنة الفنية المشتركة تضمن تطبيق الاتفاقية. وتستطيع “إيران” إنطلاقًا من امتلاكها القدرات العالية لإنتاج الطاقة النظيفة، توفير وتصدير الطاقة الكهربائية لسكان المناطق الغربية والجنوبية الغربية، بتركيب أنظمة طاقة شمسية، لأن السبب الرئيس لإحداث هذه السدود هو إنتاج الكهرباء عبر الأساليب المائية.