تاريخ العراق عريق و غني لو نظرنا بعمق و حيادية الى ماقبل الغزوات الجزيرة العربية التي مهدت الارضية لاستيراد ماهو الدخيل اليه. لم يكن على ارضه ما يدعي الخوف على حياة الناس الا ما افسدته الغزوات الخارجية و الاحتلالات الشرقية و الغربية من قبل الامبراطوريات التي اقحمت نفسها بكل ما تمتلك من الخصائص محتلة من اجل نهب خيراتها و سرقة ثرواتها الثقافية التاريخية الغنية قبل الغزوات القديمة الجديدة ومن ثم ما فرضه الاستعمار من نهب الثروات الجديدة المهمة و في مقمدتها الثروة النفطية بشكل خاص بعد اكتشافها. فكانت الخزينة الثقافية و الحضارية للعراق مليئة و ترسانته ممتلئة من كافة الجوانب الثقافية و الحضارية وفيها من المفاهيم المتداولة المهمة التي لم تكن موجودة في ارقى الدول في حينه، اي الوضع الاجتماعي كان مسيطر عليه من قبل المستوى الثقافي النخبوي رغم قلة الوسائل المعتمدة على تداول تلك المفاهيم و العلوم بشكل عام صعوبة انتشارها بشكل واسع. الاساطير و المعلومات و المفاهيم التقدمية نسبة الى وقته كان بشكل لا يمكن ان يكون الا نابعا من الحضارة التقدمية العريقة التي تمتع بها العراق القديم.
و بعد الاحتلالات و الغزوات المتكررة من كل حدب و صوب شرقا و غربا و جنوبا و شمالا، بدا انجراف ما كانت عليه ارض الرافدين و سلبها من كل ما تمتعت به طوال قرون من قبل المحتلين و ثم من قبل الغازين. المعروف ان المبتذل هو البالي المهترء الممزق بفعل الزمن او نتيجة ضغوطات مؤثر خارجي عليه. فعندما احل المفاهيم الغيبوية المثالية المستوردة على المفاهيم الواقعية النابعة من تقدم الوضع الاجتماعي و الثقافي، فانها سوف تتعرض للابتذال و ان كانت هناك مقاومة جراء فعل ما تراكم من الموروثات الاتية من زمن التقدم ماقبل الاحتلال و احلال البديل. فبدات زمن اساليب و ثقافات خيالية كثيرة سطحية و من اجل الاستعماء و هي لا تمت بصلب الثقافة بشيء، نتيجة سيطرة العقيدة الخيالية الغيبية بديلا للعقلية الواقعية العلمية التقدمية البسيطة في حينه. و لم يكن البديل شسئا له قيمة تُذكر بل فرض الادعاءات الخاوية من اي جوهر تقدمي ثقافي بقوة غاشمة . فان كانت خزينة المصدر الدخيل و الوارد خاوية من الثقافة الحقيقية فلا يمكن ان تجلب معها مفهوما و ثقافة حقيقية، ولا يمكن ان يبني الباطل حقا او الفارغ مليئا من اي جانب كان، فالمعدم ليس له ما يعطيه. المفاهيم و ما لا يمكن ان نسميها بالثقافة او الفلسفة التي كانت مبنية على الصحراء الجرداء غير الصالحة حتى للحياة البسيطة. لا تملك غير اللغو و الكلام و البناء على فراغ و الاستناد على الغيب و الترواح في مستنقع من ما تتطلبه الحاجة و العوز الاهم في حياة الكائنات و لا سيما البشرية التي هلكه العدم و القحط.
تحولت ترسانة العراق الممتلئة بمفاهيم عصرية تقدمية في حينه لما كانت تناسب مع المستوى الاجتماعي العلمي في مرحلته و عصره، و احلّ ماكان مجودا بكل ماهو من المستورد المبتذل و ازاح القديم و امتلأ لحد القمة. و اصبح عالا على الشعب صاحب التاريخ العريق و ما ورثه من اجداده الذي تصلادم مع الجديد نتيجة عدم تلائم او توافقه مع ما امتلكته اسلافه الاثرياء ثقافة و فلسفة و علما و معرفة و ثروة.
المدهش في الامر ان من جلب معه هذه المفاهيم ادعى بان الموجود اصلا هو المبتذل و المستهلك، ليصرف سلعه و بضاعته الفاسدة اصلا بسرعة مطلوبة، انه ادعى الخيال بديلا للحقيقة و الواقع، ويا ليته امتلك خيالا يحوي في كنفه ما يفيد الانسان، فلم يجلب الى الشعب السومري و البابلي والاكدي و الاشوري و الارمني غير النكد و المفاهيم الخيالية الغيبية المؤدية الى الغرق في ترهات الحياة و ليس حقيقتها الناصعة التي كانت واضحة المسار قبل مجيء هؤلاء الاشرار. فملأوا الترسانة بما هو المبتذل المضر و اغلقوا عن القرون التي توارث الشعوب ماقبل الغزو العربي للعراق كل ما فيه الخير للمنطقة والعالم، اهل الحضارة و الحياة التقدمية السعيدة المفيدة للجميع.
للاسف ان الدخلاء تمكنوا من استئصال كل ما يمت بالحضارة التي كانت موجودة قبل اية حضارة اخرى في العالم، مسحوا الارض بما فيها، و احلوا بديلا عنه.
اليوم و بعد طول هذه القرون العجاف حضاريا و ثقافيا و علميا، لابد ان يدرك الشعوب العراقية المختلطة اليوم من السلالات الاصيلة و كذلك السطحية من ما ا نتجته الدخلاء و احرقوا الاخضر و اليابس من البنى الفوقية والتحتية. فيحاتج الواقع الجديد المبني خلال قرون عديدة على التخرفات المبتذله في اساها الى عمل مضني طويل الامد، في ظل ماموجود من العقلية المتاثرة بما استوردته الدخلاء و ما يمكن اهل البلد من اعادة السلعة العفنة اليهم. يجب العودة الى الاصالة التي بنت عليها الثقافة العامة و الحضارة، و ازالة هذه المراحل المظلمة بالخطوات التي تحتاج الى عمل و وقت و جهد منقطع النظير.
اول الامر يجب ان يكون خلال العمل في امر البنى الفوقية و توضيح الحضارة التي تمتع بها الاجداد القدماء جدا للاصلاء الحاليين الذين يعترفون باصالتهم العراقية ونسبهم غير العربية، رغم تفوق العقيدة الدينية التي فرضت الجاه و الموقع الاجتماعي مما تسببت في تغيير النظرة الى الموجود الاصيل و الى السلالة و تفرعاتها غير العربية الغازية الاتية ن الجزيرة. و يبدا هذا بايجاد منفذ لاخراج ماهو المستورد من المفايهم التي امتلات بها الترسانة الثقافية الحضارية للعراق و ما حملت تحولاته و انعطافاته العديدة خلال تاريخه الغابر و الحاضر, كي يكون بداية تفرغ الخزينة من المفاهيم المبتذلة البالية المهتراة المزيفة الفاسدة المسيطرة على عقول الناس. و بداية الغيث القطر. فهناك جهود لتوضيح الامر و بيان الاصح لدى الشعوب العراقية و من ثم محاولة اعادة البنى الفوقية الاصيلة الى مكانها او على الابتعاد عن ماهو المزيف و ما صنعه الدخيل المضر و الالتزام بما هو البديل الجديد المفيد بشكل عام.