22 نوفمبر، 2024 6:02 م
Search
Close this search box.

متى تكون الحرب خياراً ، ولكن محتماً ؟! ما أشبه اليوم بالأمس !!

متى تكون الحرب خياراً ، ولكن محتماً ؟! ما أشبه اليوم بالأمس !!

منذ فترة قصيرة اعقبت احتلال العراق وحتى اليوم ينشغل العرب بموضوع واحد : ايران ونفوذها وبرامج تسلحها النووية والصاروخية .

قبل ايام قليلة قام الحوثيون باستهداف مجمعبين نفطيين سعوديين ( بقيق و خريص ) في المنطقة الشرقية أوقعا فيما يبدو إضراراً فادحة قلصت على الفور حجم الانتاج النفطي السعودي الى النصف ( وكذلك الغاز الذي يشغل الصناعات البتروكيماوية ) اي بحوالي خمسة ملايين برميل يومياً ، وهذا من شانه ان ينتج ضغطاً غير اعتيادي على اسواق النفط دفع الرئيس ترامپ الى الاعلان عن استعداد الولايات المتحدة استخدام احتياطيها الستراتيجي لتعويض النقص ، وهو اجراء لايتم عادة الا في ظروف غاية في الخطورة على شاكلة حرب عالمية تهدد إمدادات النفط الى الغرب بشكل شامل ومباشر ، ويعيد كذلك الى الاذهان سؤالاً مهماً : الى متى يستطيع العالم الاستغناء عن النفط الايراني .

من قام بالهجوم هم الحوثيون بطائرات مسيرة صغيرة ( وربما الايرانيون بصواريخ كروز حسب رواية امريكية ) ، واياً تكن هي الرواية الصحيحة فان توصيف الضربة من الناحية العسكرية هو واحد : ضربة تكتيكية ذات بعد ستراتيجي ، وهذا تطور في الحرب وضعه السعوديون خياراً متاحاً بين أيدي القيادة الايرانية .. هذا يعني ان السعودية تدير خصومتها المباشرة مع ايران من خلال حرب بالنيابة تشنها على احد أذرعها ، وتتلقى ضربات ايرانية من خلاله .

في هذه النقطة يتعين ان نوجه سؤالاً : هل تجنبت السعودية حرباً مباشرة مع ايران لتتورط فيما هو اسوأ منها ، اي حرب استنزاف غير متناظرة ( Asymmetric war ) لم يسبق ان انتصر فيها جيش نظامي ضد مليشيات مسلحة تحظى بعمق ستراتيجي تؤمنه تحالفات قبلية – طائفية وتتلقى دعماً مادياً وسياسياً من اكثر من طرف دولي وفِي المقدمة ايران ؟!

تنقل تسريبات ويكيليكس عن الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز ال سعود قوله لمسؤول امريكي رفيع خلال استقباله له بشأن ايران ونفوذها في المنطقة ” انه يجب سحق راس الأفعى لكي يتم التخلص من شرها ” وقالها من باب الحث على ضرب ايران مباشرة ضربة تسحق رأسها ، فلماذا لجأ السعوديون الى خيار ضرب ذيل الأفعى بدلاً من ذلك ؟!

الجواب واضح ويتلخص بوضوح في ان السعودية تتجنب المواجهات لانها عاجزة او خائفة من حجم نتائجها ، وهي لم تَألف في سياستها الخارجية غير الدسائس والمؤامرات وشراء دعم القوى الكبرى من قوت شعب يعاني رغم غنى بلاده من ألوان لاحصر لها من الجهل والتخلف والبطالة ؛ وهذا يعني انها غير مؤهلة لتحقيق أهدافها التي عملت عليها منذ قيامها وهي تتلخص في طموحها لتبوأ مكان القيادة في العالمين العربي والإسلامي .

الحروب ليست استثماراً تجارياً ، ولاتُحسب نتائجها وما تنجم عنه من خسارات وأرباح بالارقام ؛ على مستوى الأرقام فان جميع الحروب خاسرة وهي هدر للأرواح والموارد ان كان يتم اللجوء اليها في كل أزمة ، ولكنها تتحول الى ربح مطلق مستحق الاثمان ان كانت تؤدي الى ثني إرادة الخصم والحيلولة بينه وبين تحقيق أهدافه ، شريطة ان تكون الملاذ الأخير الذي لاحول منه .

تقف السعودية اليوم على مفترق طريق ، اما مواصلة الحرب في اليمن وقبول ماينجم عنها من استنزاف وتداعيات ، ولعل الأهم من بين تداعياتها هو انها تعمل على تحول مركز توازن القوى بين السعودية وتحالفاتها الاقليمية والدولية من جهة وبين ايران واذرعها من جهة ثانية لصالح الاخيرة وتزيد من تنوع خياراتها ، وبذلك تكون النتائج النهائية لهذا الصراع صفحة مقروءة واضحة ؛ اما الخيار الاخر، خيار الضرورة الحيوية ، فهو المواجهة المباشرة مع ايران وعدم الركون الى وعود ترامپ . سيكون ذلك خياراً محفوفاً بالمخاطر وقد يتطلب تقديم تضحيات جسيمة ، ولكنه خيار ضرورة ليس له من بديل من اجل ضمان المستقبل .

ان مايتعين على السعودية القيام به هو اعلان واضح وذو مصداقية : ان ضربات الحوثي تعتبر ضربات قادمة من ايران مباشرة ، ويتم الرد عليها رداً مباشراً ومتناسباً ، وانا على يقين ان ايران لن تذهب الى خيار مواجهة مع السعودية وستفهم الرسالة جيداً ، واذا كانت ايران قد تجرأت على الولايات المتحدة فلأنها تعلم ان الاخيرة لاترغب في مواجهة جديدة في المنطقة لاتُعرف مدياتها ، وهي مواجهة لاتحظى بشعبية لدى الرأي العام الامريكي الذي اظهر استطلاع اجري مؤخراً ان اكثر من ثمانين بالمائة من الامريكيين يرفضون حرباً مع ايران . ان مواجهة امريكية – ايرانية ان وقعت لن تكون الا مواجهة شاملة تنتهي بتدمير شامل لايران ، وهو مايتعارض مع ستراتيجيات الغرب الراسخة في المنطقة منذ القرن السادس عشر .

ان درس الثمانينات مع العراق ليس بعيداً ، فرغم كل الثمن الذي تحمله العراق خلال تصديه لسياسات الفوضى الطائفية التي دشنت بها ايران ” الثورة الاسلامية ” سياساتها الاقليمية فقد تمكن من ارساء نظام آمن اقليمي عربي رصين أبقى الموجة الصفوية الطائفية ونظيرتها الصهيونية العنصرية رهن نطاقهما الجغرافي وخارج دائرة التهديد لأمن الاقليم وعروبته وتماسكه الاجتماعي … ووفق ذلك تُقرأُ نتائج الحرب ، وما أعقب ذلك موضوع مختلف . في الظرف الحالي فان لدى ايران اهدافاً ثمينة لاتستطيع المجازفة بها في مواجهة مع قوة اقليمية تمتلك عمقاً ستراتيجياً يمتد في طول وعرض العالم الاسلامي ، رغم انه عمق طالما فرطت به القيادة السعودية الحالية من خلال المناكفات التي زجت نفسها فيها مع قوى اقليمية وخليجية وقوى سياسية ذات شعبية كبيرة .

على المستوى العسكري ، والى جانب قوة عسكرية كبيرة وحديثة براً وبحراً ، تمتلك السعودية واحداً من أقوى أسلحة الجو في العالم ، وطائراته قادرة على الوصول الى ابعد نقطة في ايران ، واذا أصلحت السعودية علاقاتها مع محيطها العربي والإسلامي فسوف تجد ايران نفسها في مواجهة قوة صلبة كبرى تتجاوز طاقاتها بمراحل .

لايجوز الاستمرار في التعويل على دعم الولايات المتحدة التي تعلن صراحة انها لن تخوض حرباً من اجل احد ، وكل ماهو مطلوب منها لقاء ثمن هو اعطاء الضوء الأخضر لبعض شركاتها المتخصصة بقضايا الامن السِبراني وتقنيات التشويش الالكتروني ان تقدم خدماتها الى سلاح الجو السعودي خلال عملياته المحتملة ضد اهداف ايرانية اذا عاود الحوثيون عملياتهم ضد الاهداف الحيوية السعودية . ينبغي كذلك التوقف عن التبرع بالملف الفلسطيني لايران والعودة الى احتضان حركات التحرر الوطني الفلسطيني والعمل على اصلاح ذات البين فيما بينها ، والكف عن التودد لليمين الاسرائيلي او اي طرف اسرائيلي اخر ؛ مهما بلغت تعقيدات العلاقات بين الدول الاقليمية فلا ينبغي السماح لاسرائيل ان تكون طرفاً فيها ، واذا كان لابد لها ان تكون طرفاً فلتكن الى جانب ايران لتكشف زيف ونفاق طغمة المعممين في طهران الذين ارادوا بغداد محطة في الطريق الى فلسطين ، واكتشفنا فيما بعد انهم أرادوها محطة تلتقي عندها مصالحهم وأحلامهم الصفوية المريضة مع مصالح واحلام الصهيونية المصابة بذات مرض الخوف حد الهوس من وحدة العرب مادة الاسلام .

اما اذا استمرت السعودية في خياراتها الحالية فانها تكون قد وقعت في فخ الاستنزاف وتبذير الموارد في حرب مع “عدو ” فرعي لايمكن الانتصار عليه ، وهو قادر على مواصلة الايذاء لقاء كلفة بخسة ، فضلاً عن كونه ليس عدواً ازلياً وليس ابدياً لانه خصم يمكن التفاهم معه وإعادته الى الدائرة الوطنية اليمنية في اطار تسوية سياسية شاملة بعد كف يد الامارات عن سياسات العبث في الحياة الوطنية لليمنيين .

هل ستذهب السعودية الى مثل هذه الخيارات ؟! لايبدو ذلك مادام البيت السعودي الحاكم يعيش في حالة الخوف والقلق بسبب خروجه عن قواعد ” الشرعية ” التي سارت عليها الاسرة الحاكمة منذ ثلاثة قرون وقبل قيام المملكة الحالية . على عقلاء البلاد وخاصة النخبة المؤثرة من الاسرة الحاكمة ان تقوم بمبادرة ما لاصلاح الوضع وترتيب البيت الداخلي ، والتمعن ملياً في موارد القوة التي تمتلكها البلاد والكف عن هدرها في الفساد او توظيفها في معارك لالزوم لها في الأماكن الخاطئة بدل تحويلها الى قوة ردع صلبة وناعمة ، ومن ثم الذهاب لمواجهة الخطر الواقف على الأبواب .

ان الضربة الحوثية الاخيرة هي نقطة البدء في مرحلة ان لم تتدارك السعودية امرها فيها وتحسم خيارها وتكف عن التعامل مع ظروفها وظروف المنطقة ومخاطرها بالغباء الستراتيجي الذي تعاملت به مع العراق ، فانها قد تكون قد اختارت طريق النهاية ،،

أحدث المقالات