18 نوفمبر، 2024 1:28 ص
Search
Close this search box.

التمييز بين الأعيان المدنية والأهداف والعسكرية اثناء النزاعات المسلحة

التمييز بين الأعيان المدنية والأهداف والعسكرية اثناء النزاعات المسلحة

يتمثل أساس جميع قوانين الحرب في أن الهجوم على أهداف عسكرية مشروعة أمر قانوني تماماً وطبقاً للغة البروتوكول الإضافي الأول إذا استخدمت الأعيان المدنية في دعم مباشر لعمل عسكري يجوز تدميرها (1) مع مراعاة  , في كل الأحوال , أنه ليست هناك ثمة ضرورة تقتضي توجيه الأعمال العدائية ضد غير المقاتلين من السكان المدنيين وأعيانهم وقد ذهب رأي في الفقه إلى القول بأن حالة الضرورة تضفي شرعية على العمليات العسكرية التي تباشرها الدولة ما دامت هذه العمليات في إطار قوانين  الحرب وخلص الرأي إلى عدة نتائج أهمها :
1- أن القوة المستخدمة يمكن السيطرة عليها من الشخص الذي يستخدمها .
2- أن القوة المستخدمة تؤدي بطريقة مباشرة وسريعة لإخضاع العدو سواء أكان جزئياً أم كلياً .
3- أن القوة المستخدمة لا تزيد من حيث تأثيرها عن الحاجة لإخضاع العدو .
4- أن لا يكون الوسيلة المستخدمة محرمة دولياً (2  ) .
ولكن من الملاحظ أن الضرورة العسكرية تبدو في وجهين الأول : هو أن الضرورة العسكرية لا تحددها نصوص القانون إنما الضرورة على أرض الواقع أو التي يمليها سير العمليات العسكرية , فالنصوص القانونية ليست هي المعيار الذي يركن أليه لأجل تقييم شرعية التصرفات الحربية لكن يلجأ إلى الضرورات العسكرية ذاتها لتقييم ذلك وبذلك تفرض الضرورات العسكرية قيوداً على نفاذ القانون دون أن يكون للقانون أثراً عليها وقد راجت هذه النظرية لدى الفقه الألماني وضمنت في قواعد القانون الوضعي وجاء في ديباجة تعليمات لاهاي 1907 الملحقة باتفاقية جنيف الرابعة (( أن التعليمات تصطبغ وتهيمن عليها روح الرغبة في تقليل شرور الحرب بقدر ما تسمح به روح الضرورة العسكرية )) .
أما الوجه الثاني : فهو أن الضرورة العسكرية تعد مانعاً من موانع المسؤولية الجنائية للجاني في حال توفرها ( 3 ) وكذلك الحال مع الممتلك الثقافي الذي قد يصبح , بحكم استخدامه , هدفاً عسكرياً فيكون عرضة للهجوم ولكن بشرط أن يكون الهجوم هو الوسيلة الوحيدة لإنهاء استخدام الممتلك الثقافي هدفاً عسكرياً وأن تتخذ جميع الاحتياطات المستطاعة في اختيار وسائل الهجوم وأساليبه بهدف إنهاء ذلك الاستخدام وتجنب الأضرار بالممتلك الثقافي أو حصره بأقل قدر ممكن وما لم تحل الظروف دون ذلك بسبب مقتضيات الدفاع الفوري عن النفس ويتعين أن يصدر أمر الهجوم من أعلى المستويات التنفيذية للقيادة وأن يصدر إنذار مسبق فعلى إلى القوات المجابهة بطلب إنهاء الاستخدام  كهدف عسكري , وإن تتاح لقوة المجابهة فترة معقولة من الوقت تمكنها من تصحيح الوضع . ( 4 ) فالهجوم العشوائي محظور بشكل مطلق وبكافة أنماطه التي تشمل الهجوم الذي لا يستهدف أهدافاً عسكرية واستخدام أسلحة لا يمكن توجيهها إلى أهدافها بدقة واستخدام أسلحة لا يمكن التحكم بنتائجها أو الهجوم الذي يعامل منطقة ذات كثافة عسكرية ومدنية متشابهة كهدف عسكري منفرد أو الهجوم الذي يتوقع أن يوقع أذى بالمدنيين والأهداف المدنية يتجاوز الميزة العسكرية المتوقعة المحدودة المباشرة . (5 )
وتقدم اجتهادات محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة دليلاً إضافياً على أن حظر مهاجمة الأعيان المدنية هو عرفي في المنازعات الدولية وغير الدولية وتطلب خطة العمل للسنوات 2000 – 2003  التي اعتمدها المؤتمر الدولي السابع والعشرون للصليب الأحمر والهلال الأحمر في العام 1999 من جميع الأطراف في النزاعات المسلحة احترام الحظر التام على توجيه الهجمات ضد الأعيان المدنية وقد ناشدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الأطراف في نزاعات مسلحة دولية وغير دولية احترام التمييز بين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية وعدم توجيه الهجمات إلى الأعيان المدنية ولقد شددت عدة دول على أن القاعدة الواردة في المادة 52 ( 2 ) من البروتوكول الإضافي الأول التي تشترط أن تقتصر الهجمات على الأهداف العسكرية فحسب تحظر الهجمات المباشرة ضد الأعيان المدنية ولا تعالج مسألة الأضرار العرضية الناتجة عن الهجمات الموجهة ضد أهداف عسكرية والغاية من هذه البيانات التأكيد على أن الهجمات التي تؤثر على الأعيان المدنية لا تعتبر غير شرعية ما دامت هذه الهجمات موجهة ضد أهداف عسكرية والأضرار العرضية اللاحقة بالأعيان المدنية التي تسببها غير مفرطة وقد أخذ هذا الرأي بعين الاعتبار في صياغة القاعدة الحالية باستخدام كلمات (( توجه الهجمات ضد )) مع أخذ الفروق الخاصة بعين الاعتبار وترد أيضاً الأهداف الاقتصادية التي تدعم العمليات العسكرية بشكل فعال كمثال على الأهداف العسكرية شرط أن يحقق الهجوم عليها ميزة عسكرية أكيدة وعلاوة على ذلك تعد كتيبات من الدليل العسكري وبيانات رسمية عديدة أن بقعة من الأرض قد تشكل هدفاً عسكرياً إذا استوفت الشروط التي يتضمنها التعريف وفيما يخص الرسائل المزدوجة الاستخدام كوسائل النقل والاتصال المدنية التي يمكن استخدامها لأغراض عسكرية تعد الممارسة أن تصنيف هذه الأعيان يعتمد في التحليل النهائي على تطبيق تعريف الهدف العسكري ( 6 ) الذي عرفته الفقرة 6 من المادة 2 من البروتوكول المتعلق بحظر أو تقييد استعمال الألغام والإشراك الخداعية والنبائط الأخرى لسنة 1996 بأنه (( أي شيء يسهم بحكم طبيعته أو موقعه أو غرضه أو استعماله إسهاما فعلياً في العمل العسكري ويتيح تدميره أو الاستيلاء عليه أو أبطال مفعوله كلياً أو جزئياً في الظروف القائمة في حينه فائدة عسكرية أكيدة )) وطبقاً لهذا التعريف فإن الهدف العسكري يشمل كلاً من المقاتلين ووسائل النقل العسكرية بجميع أشكالها وكذلك المواقع العسكرية والمواقع ذات الأهمية التكتيكية وكذلك المنشآت العسكرية التي عرفها البند 40 من دليل سان ريمون بشأن القانون الدولي بأنها هي (( التي تسهم من حيث طابعها أو موقعها أو الغاية منها أو استعمالها إسهاماً فعلياً في العمل العسكري ويوفر تدميرها الكلي أو الجزئي أو الاستيلاء عليها أو تحييدها في هذه الحالة فائدة عسكرية أكيدة )) إلا أن اتفاقية جنيف الأولى لعام 1949 لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان أوضحت أنه لا يجوز بأي حال الهجوم على المنشآت الثابتة للخدمات الطبية بل تحترم وتحمي في جميع الأوقات بواسطة أطراف النزاع وتكون القوات المسلحة ملزمة بضرورة أن تكون مواقع هذه المنشآت والوحدات الطبية بمنأى عن أي خطر قد تسببه الهجمات على الأهداف العسكرية وإمعانا في الحرص على عدم المساس بالمنشآت الطبية العسكرية أوجبت الاتفاقية ضرورة رفع العلم المميز للمنشآت والوحدات المتحركة الطبية إلى جانب العلم الوطني لطرفي النزاع الذي تتبعه الوحدة أو المنشأة وذلك لجعل العلامة المميزة للوحدات والمنشآت الطبية ظاهرة بوضوح لقوات العدو البرية والجوية والبحرية تلافياً لاحتمال وقوع أي اعتداء عليها , على أنه في حالة ثبوت أن هذه المنشآت الثابتة والوحدات المتحركة قد خرجت عن واجباتها الإنسانية واستخدمت في أعمال حربية كضرب العدو فإن الحماية الواجبة لها قد توقف ويحق للعدو مهاجمتها ولكن بعد توجيه إنذار لها بمهلة زمنية معقولة للعودة إلى واجباتها الإنسانية ولا يمكن تقديم أي من الظروف التالية كمبرر للهجوم على المنشآت الثابتة والوحدات المتحركة التابعة للخدمات الطبية وحرمانها من الحماية بمقتضى اتفاقية جنيف الأولى لعام 1949 .
1- حمل أفراد الوحدة أو المنشأة السلاح للدفاع عن أنفسهم أو عن الجرحى أو المرضى الذين يعنون بهم .
2- كون الوحدة أو المنشأة محروسة بنقط حراسة .
3- وجود أسلحة صغيرة وذخيرة أخذت من الجرحى والمرضى .
4- امتداد النشاط الإنساني للوحدة أو المنشأة الطبية أو أفرادها ليشمل العناية بالجرحى والمرضى المدنيين . ( 7)
وتجدر الإشارة إلى المادة 27 من لائحة لاهاي الخاصة بالقيود التي ترد على حق العدو في قذف المدن بالمدفعية والتي أوردت طائفة من القيود تتعلق بحماية الأماكن الخاصة بالعبادة والفنون والعلوم وكذلك الآثار التاريخية والمستشفيات وأماكن تجمع الجرحى والمرضى بقدر الإمكان وبشرط ألا تكون مستخدمة في ذات الوقت للأغراض الحربية لم تورد أي قيد فيما يتعلق بحماية السكان المدنيين من سكان المدن – المحصنة – في مواجهة مثل ذلك القذف بالمدفعية وسلم الفقه في ظل هذا النص , بمشروعية قذف المنشآت والمباني العامة والخاصة على حد سواء بالقنابل وتدميرها للوصول إلى استسلام المدينة وقهر إرادة الخصم وبقيت تلك القاعدة سارية على الرغم من التقدم الهائل الذي شهده العالم ومن ناحية أخرى فإن هناك الحق في ضرب المدن بالقنابل أثناء العمليات البحرية فمن المسموح به طبقاً لقواعد قانون الحرب البحرية أن تفتح سفن الأسطول نيرانها على المدن المحصنة بهدف إصابة الأهداف الحربية بغض النظر عن الأضرار التي يمكن أن تلحق غير المقاتلين أو ملكيتهم الخاصة . ( 8)

أحدث المقالات