17 نوفمبر، 2024 8:34 م
Search
Close this search box.

شرعنة ألمكر في الأنقلاب الكونيّ

شرعنة ألمكر في الأنقلاب الكونيّ

في مجتمع ما .. حين يُسيطر الجّهل و الأوهام و آلسّحر و الشعوذة وآلغيبة و العقائد الخاملة التي توحي نتائجها إلى التحجّر و القعود والتذلل لأصحاب ألسّلطة و المال و القوة, كل ذلك للأفكار والعقائد والمذاهب التي تُسوّق باسم الله؛ في مثل هذا المستنقع الآسن لا بد من الأنقلاب الكونيّ, الذي يُشرْعن قانون ميكافيللي (الغاية تبرّر الوسيلة) وهنا فقط يكون مباحاً, فماذا يعني الأنقلاب الكونيّ, وكيف يتحقق؟

(مارثن لوثر) ألمُفكر والمصلح العظيم الذي له الفضل الأكبر والأوّل لأسس هندسة النهضة (ألرّينوسانسية) عندما تسبّبَ بإنقلاب شبه كونيّ ضمن أجواء أوربا المغلقة وقتها إبان القرون الوسطى, حيث كان من الصعب بمكان إستنهاض و تنوير و تثقيف الناس – أكرر- تثقيف الناس الذين قفلوا عقولهم – بثقافة التحرر لأجل الكرامة والحياة الطبيعية بعيداً عن العبودية و النكوص للحكام و سلطة رجال الدِّين التي وصلت حدّ حلولها مباشرةً محلّ سلطة الله تعالى حين وصل الأمر لبيع صكوك الغفران من قِبَلِهم للدخول إلى آلجنة!

فكرّ (مارثن لوثر) بعد أنْ عجز و كاد اليأس يدُبّ في وجوده .. فكّر بطريق لخلاص الناس من تلك المحنة بسبب الأوهام و المعتقدات و الطقوس التي لا تناسب طبيعة كرامة الأنسان ألسّوي و حتى البشر ناهيك عن (الآدمي), هذا بعد ما إنقطعت به السبل حيث حاول ليلاً و نهاراً؛ سراً وجهراً .. لخلاصهم لكن الناس رفضوا دعوته التي كادت أن ترتقي للكونية وللنبوة لو كان يُؤمن تماماً بنهج آلعلي الأعلى!

إلا أنهُ لم يستسلم أمام ضغط الناس ورجال الدين والحكومة معاً, لأنه كان واثقاً بأنه لا يمكن أن يخون تجربة صرف لأجلها العمر في أقبية الكنائس ودراسة الدّين وكيفيّة إستغلاله لأكل الدّنيا, وتأمين مستقبل أبنائهم وأحفادهم للعيش كآلأغنياء بغطاء الدّين وكأنهم إمبراطورية خفية عميقة لا يمكن تجاوزها لتحصّنها بآلناس وبلباس الدّين والمذهب و بآلطقوس التي يعتبرها الناس حياتهم!

إذن ماذا يفعل هذا المصلح ألشّبه الكونيّ ألذي عرف كرامة الأنسان .. بعد ما يأس من تجاوب الناس – بل و معاداتهم له بمن فيهم أقرانه إلا ثلاث فلاسفة منهم فقط – و فوقها صدرت بحقّه من المتسلطين أحكاما قاسية وعاش حياته بين سجن و تعذيب و تشريد!؟ ولم يبق أمامه سوى إستخدا المكر و الحيلة وهي أقسى و أمرّ خيار يلجأ إليه نبيٌّ أو مُفكر أو فيلسوف مثل مارثن لوثر أحياناً لتحقيق هدفٍ كونيّ أكبر(1), لأنّ الفلاسفة هم أشرف الناس و أتقاهم يؤمنون بآلغيب بآلباطن و ليس بآلظاهر كما العلماء والناس السُّذّج!
فماذا هي تلك الحيلة التي شرّعها(مارتن لوثر) مرغماً بعد ما إنقطعت به السبل؟
ذهب إلى رئيس أساقفة القوم في (نوتردام) و سأله عن إمكانيّة شراء (جهنم)؟
إستغرب رئيس الأساقفة من طلبه, وقال لهُ:
الناس تشتري الجّنة و أنتَ تشتري جهنم!؟
أجاب: نعم أريد شراء جهنم, فكم السـعر؟
تأمّل الرّئيس قليلاً .. و قال:
سعر جهنم 3 ليرات ذهبية.
قال خُذ .. و أعطاه 3 ليرات, وأمضى له ورقة(صك) بتوقيع الكنيسة, يثبت بأنّ المدعو (مارتن لوثر) قد إشترى جهنّم و هي ملك له.
أخذ مارتن الصّك و أمر بإحضار الناس في الساحة الرئيسيّة للمدينة, و أعلن لهم عن شرائه لجهنم و هذا هو (صكّ ألشّراء), وأضاف: [بهذه المناسبة السعيدة ولكونيّ مالك لجهنم أعلن لكم بأنيّ من الآن لن أسمح لأيّ إنسان من دخول جهنم ..
لهذا لا داعي لشراء صكوك الغفران ما دمتم لا تدخلون جهنم, وبذلك أنهى شراء (صكوك الغفران) بتلك (الخدعة) وأفشل مخطط الكنيسة الظالم الذي كان يقف ورائه الحكام الذين أخضعوا رجال الدِّين و القساوسة لسلطتهم و منهجهم بآلمال والقوة, و شيئا فشيئا إستطاع مارتن مع أقران الفلاسفة و المصلحين من تغيير الوضع و إنْجاح الثورة ثم النهضة ثم المراحل الأخرى التي وصلت لما هي عليها الغرب اليوم, هذا بغض النظر عن موقفنا – موقف الفلسفة الكونية – من قضية النهضة الغربية – و أهدافها و مسيرتها و ما آل إليه وضعها بعد سيطرة (المنظمة الأقتصادي العالمية) على منابع الأقتصاد في العالم(2).

في بلادنا أيضا و بعد يأسنا من إقناع الناس بمن فيهم ألأكاديميون و المثقفين و الكتاب بضرورة التخلص من المعتقدات و الأوهام والعقائد التي أدّت إلى هذا المصير خصوصا بعد الفساد الكبير للحكام المدعين للدّين والوطنية والدعوة؛ أرى سلوك طريق آخر مغاير لما كان, قد ينجح مع (الخدعة) لأقناع الناس والمثقفين أوّلاً بكون الكرامة فوق كل شيئ في هذه الحياة, ولها إرتباط وثيق بآلوجدان والضمير وإن الله تعالى ما خلق الكون إلا لأجلها, لكن المثقفين كما الأكاديميون ناهيك عن الناس لا يعرفون قيمة و مكانة تلك الكرامة ومساراتها, و كيفية خسرانها أو تعزيزها بتوثيق صلتها بآلعقل الظاهر المسؤول عن توطين الكرامة في القلب لتحقيق الرسالة الكونية.
الفيلسوف الكوني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يعادل هذا المبدء الفلسفي في الفقه ألأسلاميّ (نظرية ألتزاحم),التي تجيز الأتيان بعمل مخالف للشرع لتحقيق الواجب الأكبر.
(2) لمعرفة الحقيقة, راجع: [مستقبلنا؛ بين الدِّين و الدِّيمقراطية]. و هي مجموعة دراسات على شكل حلقات.

أحدث المقالات