“إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ”
الذين انتخبوا الفاسدين على القرابة والصداقة والمحاباة وعلى المحسوبية هم من يتحملون النتائج ..وهذا وقت توجيه كهذا وليس يوم الانتخاب ..حيث ان نتائج مايفعل في يوم او في شهر الانتخابات هي الان ، وللمعتبر ان يفهم الان ..فقد تضررالاب (وهو صاحب حق الانتخاب) ، من الرواتب وعدم كفايتها لاستمرار تردي الخدمات وهذا بسبب المسؤول الفاسد او الفاشل او غير الكفوء او غيرالاختصاص في احسن الاحوال. ..وتضررت الزوجة (ولها حق الانتخاب) بعد ان فقدت مستقبل ابنها او فقدته تماما وكذلك راحة زوجها وبيتها بسبب تسلم المنتفعين لمناصب وضعهم بها الانتخاب او التصويت غير الواعي او غير المخلص ، او مقاطعة التصويت .! وتضرر الولد والشاب (الذي يحق له التصويت) في جامعته ورداءتها وتضرراخوه الاصغر (الذي لايحق له التصويت ) في مدرسته وفي قاعته الامتحانيه في أجواء الحرة اقاتلة للتفكير الصحيح والاجابة المريحة ..كما رأينا .
صحيح ان الانسان لايتذكر وطبعه النسيان (فهو ينسى معاناة الحرعندما يحل البرد ) وينسى ماحصل لابناءه في قاعات الامتحان ، عندما يحل وقت الانتخابات الجديدة ..ولكن لنعود انفسنا على عدم النسيان ..فليس هذا مما يمدح معه التسامح والتغاضي ..فالامم لاتبنى بالخواطر ولابالتغاضي والمحسوبيات (وحب عمك) !. الامم تبني بالنقد والمراقبة والمتابعة والمحاسبة الشديدة للمقصرين.
وافضل وقت لمحاسبة المقصرين دون ضررعلى السلم الاهلي ودون تشويش هو وقت الانتخاب واختيار الرجال القادة . فيلفظ ويرمى بالمقصر بعيدا عن العمل القيادي والخدمي ويؤتى بغيره اصلح منه ليكون عبرة وليكون كل المتقدمين لنيل المناصب العامة في المستقبل على بينة بأن المقصرسيبعد ويطرد ، فيصير هم المرشح اوالذي في نيته الترشح هو اثبات جدارته واحقيته ، ويصبح قلق الفائز من تقصيره ومراقبة الناس له اشد من همه على المكاسب المرافقة لمنصبه . وقت الانتخاب هو أوان الحساب والعقاب والثواب ، فلاتفوتوه . وبعد الانتخاب أوان المراقبة والمحاسبة .وليس لرجل ذي منصب خولته اياه الجماهير حق في مكافأة او تطبيل او تمجيد . وصوله لهذا المنصب بموافقة الناس هو مجده ، ومعاشه الكبير الذي يتقاضاه من اموال الناس هي مكافأته وحقه في الوقت ذاته . وله عند ربه الأجر على حسن قيامه بعمله وعند الناس حسن الذكر وطيب الحديث .
الاختيار أمانة وشهادة فتحروا ان لاتكون شهادتكم شهادة زور، وهي من الكبائر واعظم الامور. قال تعالى: “فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ”. جعلها ندا للشرك وعبادة الاوثان . فهل اقبح من هذا وأشد ؟! عجبي لمن يترفع عن عبادة الاوثان ويشهد للفاسدين زورا .!
ويقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح المتفق عليه: “ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا، قلنا: بلى يا رسول الله ! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت”. يعني: حتى قال الصحابة: ليته سكت إرفاقًا به عليه الصلاة والسلام لئلا يشق على نفسه، كررها كثيرًا ليحذر منها؛ لأن بعض الناس يتساهل فيها، وربما يعطى مالًا ليشهد بالزور.واعتداله في جلسته عند هذا دلالة على الامر الجلل. وفي حديث آخر:
“الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادةة الزور” فهذه الكبيرة العظيمة عليه إثمها، وعليه أن يغرم للمشهود عليهم ما فوتها بشهادته، إذا كانت شهادته فوتت عليهم نفعا أوغرمتهم مالاً فإن الواجب عليه أن يغرم لهم ما حصل تفويته عليهم بشهادته،
أما إن كان ترتب على شهادته شيء من الظلم للناس فإن عليه أن يغرم لهم ما ظلموه بأسباب شهادته، مع التوبة والاستغفار والندم العظيم والإقلاع من هذا الشيء وعدم فعله في المستقبل، مع الندم على الماضي والأسف على ما مضى، ومع العزم الصادق أن لا يعود في ذلك خوفاً من الله وتعظيماً له سبحانه وتعالى، “وإذا تحللهم وسمحوا عنه فلا بأس، إما أن يعطيهم حقهم وإما أن يتحللهم”. نعم. فمن يحللك ايها المسكين من بين الملايين ؟!
“ومن أقبح وأخطر صورشهادة الزور : أن يشهد شخص لمترشح ، غير مؤهل علميا ولا عمليا ، وغير مرضي السيرة والسلوك ، بالصلاح والاستقامة والإخلاص والكفاءة .. فيبيع له صوته وذمته لقرابة او صداقة او مال ، ولا يكتفي بذلك ، بل يتعاون معه على الباطل بتحريض غيره من الناس وإغرائهم ببيع أصواتهم له مقابل الحصول على عرض من الدنيا تافه وخسيس !! وربنا تبارك وتعالى يقول : “وأقيموا الشهادة لله “.
رأينا -اسفا- من أبناء مجتمعنا من الرعاع الأغرار يستهينون بالأمانة ، ويستجيبون لإغراءات شياطين الإنس ، فيعطون أصواتهم لمن لا يستحقها على أساس نفعي محض ، وقد يكون هذا الذي يزكونه ويبيعون له أصواتهم من الخونة الانتهازيين الذين لهم سوابق في الفساد والإفساد واللعب والضحك على الجماهير. ولايظن الناس ان عقوبة شهادة الزور يوم الحساب فحسب بل في الدنيا عليه العقاب والخزي .
فقد أثرعن الامام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قضى بتعزير شاهد الزور تشهيرا ، فقد روى عنه علي بن الحسن أنه كان إذا أخذ شاهد زور بعث به إلى عشيرته ، فقال : إن هذا شاهد زور فاعرفوه وعرفوه ، ثم خلى سبيله …
ورغم ان ابا حنيفة – رحمه الله تعالى – قال: يكتفى بتشهيره على الملأ ، ولا يضـاف إلى ذلك أي نوع من أنـواع العقوبـات التعزيرية الأخرى ، وهو مشهور المذهب ، وعليه الفتوى .ولكن صاحبيه زادا : “أنه يوجع ضربا ويحبس”.وهو مذهب الشافعية والحنابلة .
وقال الشيرازي : وإذا ثبت أنه شاهد زور ، ورأى الإمام… أن يشهر أمره في سوقه ومصلاه وقبيلته ، وينادى عليه أنه شاهد زور فاعرفوه فعل ”
وذهب فقهاء المالكية إلى ضرورة التشديد على شاهد الزور ومؤاخذته بأنواع شتى مـن العقوبات التعزيرية ، من ضرب ، وحبس ، وتشهير ، إضافة إلى رد شهادته وعدم قبولهـا أبدا على الأرجح .
وفي الذخيرة : يضرب شاهد الزور باجتهاد ؛ لأنها كبيرة ، ويطاف به في المسجد الجامع ، ولا تقبل شهادته أبدا .
وجاء في وسائل الشيعة للحر العاملي : “أن شاهد الزور يضرب حدا بقدر ما يراه الامام، ويحبس بعد ما يطاف به حتى يعرف، ولا تقبل شهادته الا أن يتوب . فعن محمد بن علي بن الحسين باسناده عن سماعه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: شهود الزور يجلدون حدا، ويطاف بهم حتى يعرفوا ولا يعودوا، قال: قلت: فان تابوا وأصلحوا تقبل شهادتهم بعد؟ قال: إذا تابوا تاب الله عليهم، وقبلت شهادتهم بعد”
وبعد..فان يوم التصويت والانتخاب هو يوم محاسبتهم وتحديد المسؤول منهم عن التقصير ويوم الشهادة لله بالحق وصون دماء الناس في البلد الكبير واموالهم وحرماتهم ويوم تأمين مستقبل ابنائنا وكرامة نسائنا ، ويوم اللحاق بالامم . فليس الامر بالمزح ولا التهاون . فسيحاسب الله المفسدين …”إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ” صدق الله مولانا العظيم.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .