قرب احدى اشارات المرور, وفي احدى ظهاري تموز الحارقة يتنفس بصعوبة وهو يحمل اكياس الكلينكس. كان يتفيأ بصوره عملاقة لاحد مرشحي مجلس المحافظة من الشمس القاسية التي تكاد تذيب رأسه الصغير وريح السموم التي كانت تلفح وجهه كسياط لجلاد حاقد, مع ذلك انها اهون عليه من نضرات الاستحقار التي يراها بعيون بعض المارة..
ينضر للسيارات وهي تجئ وتذهب. ويأتي غيرها طوال اليوم كالقطار الطويل بلا نهاية له. ينظر لمن فيه بعيون متوسله عسى ان يشتري احدهم من علبه البائسة, وهم غير مبالين لحاله ينعمون ببرد سياراتهم القارص.
احيانا يشتري البعض منه لعطفهم عليه بعد رؤيه نظراته المستجديه بألم وانكسار. وللون وجه الاسمر المسود من اثر الشمس ولجسمه النحيل وملابسه الرثة المرقعة. او لأنه كان حافيا والحرارة قد تجاوزت ال50 مئوية. لكن كان يضحك البعض على حاله باستهزاء واستكبار, يحسهم يكرهوه او يحقدون عليه بلا سبب.
كان ينظر بعين الحسد لقطه بقربه وهي تأكل من كومه للقمامة بهدوء بلا مذله او الم, بلا استحقار الناس ونظراتهم السخيفة, يا ليتني كنت قطه مثلك؟ ولم اخلق بين هؤلاء الوحوش, فلا يوجد بينكم قطط اغنياء واخرى فقيره جائعه وتتوسل لقمه العيش من غيرها بذله ومهانه.
كان يراقب بعض للأطفال وهم عائدين من مدارسهم برفقه ابائهم والبسمة تملئ وجوههم البريئة. وكيف كان احد الابوين يضل لطفله من حراره الشمس اللاهبة. وينظر بحسره لجمهره الاطفال وهم يشترون من محل المرطبات القريب تمنى ان يكون معهم. احس بالجوع وحراره العطش.
حتى سقطت عيناه مصادفة بعيني صبي بعمره تقريبا بعد ان اشترى والده منه علبه الكلينكس كان يحدق به من نافذه سيارة والده المكيفة. اطالا النظر بعيون بعضهم على طول الطريق لحين ان توارت السيارة عن انظاره مع نضرات الصبي الغريب. ضل مشغول البال لحين اذان المغرب, الموعد المعتاد لنهاية يوم عمله الشاق والمؤلم.
رجع لغرفه علب الصفيح والتي ملئ جدرانها بصور الائمه الصالحين. وبعد دخوله على والدته العمياء بقي ينظر لها وهي تركع للصلاة وتدعوا بصوت عالي مسموع. انتظرها لحين ان انتهت ثم قبلها من جبينها كعادته.
وبعد انتهائهما من رغيفي الخبر مع الماء عشاءهما المعتاد. ترنح صامتا بفراشه محدقا بسقف الغرفة الايل للسقوط دون كلام او حديث يرتسم على وجه الالم. حتى سؤال امه: ما بك اليوم يا علي لا اسمع لك صوت او حديث. رد عليها بسؤال بعد صمت قصير ودموعه تسيل على خده: امي لماذا ننام جياع كل يوم؟ ما كل هذه القسوة بالحياة لماذا هذا الظلم اين العدالة؟ لولاك لتركت هذه الدنيا غير اسف, من اجلك فقط اتحمل قسوة هذه الحياه وظلمها كل يوم.
ردت والدته بعد نزلت دمعتها على خدها المجعد: نم يا ولدي ارجوك فلديك عمل في الصباح الباكر وسأدعو لك مع كل صلاه. صمت طويلا وهمس مع نفسه: من سنين طويله وانت تفعلين. غطى وجهه ببطانيته الرثة. لم تغمض له عين الليل بطوله وهو يتذكر الصبي الغريب, لحين اذان الفجر موعد نهوضه لبدء يوم عمل جديد…نهض بتثاقل والدموع تغسل وجهه المسود.