… إن الشعور بالذل لم يكن غريبا على مجتمعنا والذي إرتبط بتربيته القاسية وإفتقاره الى أبسط مقومات الحياة الكريمة والتي تكون قد كسرت كبرياءه وحدّت من كرامته وجعلت التزلف في تصرفاته هو عنوان علاقاته والتوسل في سلوكياته هو رائدا في قضاء حاجاته والذي إنعكس سلباً على نفسيته مما سلب الارادة الحرة منها.
… إن أيام عاشوراء والطقوس التي يمارسها المجتمع تزيد من حالة الهوان وتُكرّس عقدة النقص والشعور بالذنب لديه فتدفعه لجلد الذات وكأنه هو الذي كان قد ارتكب الخطيئة !
… يؤسفني القول أن المفكرين وعلى مراحل التاريخ المتعددة الماضية لم يتجرؤا في عمل مقارنة بين مايمكن ان يتحصل لدينا من ايجابيات وبين ماينوء به مجتمعنا من سلبيات جرّاء التأكيد على المُداومة باقامة الشعائر الحسينية سيّما التفريط بها بل ان الدوام عليها يؤدي حتما الى المبالغة والتشويه والابتعاد عن جوهر قضيتها.
… إننا نفتقر الى مُفكرين حقيقيين في علم الاجتماع لكل مرحلة يعيشها المجتمع لكي تُتاح لهم الفرصة في تقييم سلوكه وتشخيص نقاط الضعف فيه بعد دراسة الظواهر والمظاهر السلبية فيه حتى يمكن تفادي الاعوجاج ودرء الانحراف في جميع فئاته بعد تقديم المعالجات الممكنة والمقترحات الايجابية علاوة على دراسة نفسياته وأطباعه وتقلباته.
… إن علم الاجتماع وبقدر كونه علماً إلاّ أن القائمين عليه لاينجحوا في سبر أغواره والاستفادة من مجالاته اذا لم يكونوا على قدرٍ من التأهيل بما يملكوه من ملَكاتٍ ومواهب قد ينفردون بها والتي تزخر بالطاقة التي يندر تواجدها عند غيرهم ليكون عطاءهم واضحاً ومؤثراً وملموساً.
… إن الشعوب الحية تستلهم مناسباتها من تأريخها لتكون أحداثه لهم كرنفال أفراح بينما نحن تزخر فصول حياتنا من أحداثِ واقعة يعج بها السرد القصصي فتخلق منها تراجيديا مؤلمة لتكون لنا مأتم أحزانٍ.
… إننا قد نكون إبتعدنا كثيراً عن الفهم الصحيح لأبجدية فلسفة الحياة حتى أصبح التخضيب بالدم هو تعميداً لأرواحنا وكفارة عن آثامنا وما رافقه من إثارات لبعض المُتصيدين وهم يجمعون بين الدم والسيف في مقالاتهم كما في كلامهم (إنّ الدم قد إنتصر على السيف) وتناسوا أن الثقافة العسكرية يجب أن تنحصر في مضمار محدد وبما يتناسب مع ذوي الاختصاص لان إشاعته بين عموم الناس يؤدي الى العقم في أهدافه.
… إن الموروث الشعبي لطائفة فينا وهي ترث غبار التأريخ ليكون ضبابا عالقا يحجب الرؤيا عنها فلايسمح لها التأني في التفكير والتروي في قراءة التأريخ بعد ان تتغلب عليها النزعة المذهبية التي تحُول دون فهمها للحقائق لتعتبر أن كل مايقع بيدها من روايات هي الحقيقة بلامنازع فتوصد كل منافذ التفكير لديها وتقطع الطريق أمام مايملكه غيرها وتتفاقم المشكلة أكثر عندما يعيش طرفان متناقضان في رؤيتهما للتأريخ على أرض واحدة وفي وطن واحد كما هو الحال في العراق وغيره ولهذا حصل ماحصل من تشاحن وبغضاء أدت الى اقتتال طائفي وعلينا أن نعرف ان هذا التباغض هو لم يكن للمرة الاولى ولم يكن مقتصرا على العراق فحسب إنما هو يتكرر ولربما بشكل أعنف في جميع فترات التأريخ وفي جميع الدول التي تتماثل في قناعاتها المذهبية وفهمها للتأريخ بعد أن تجد أيّ شرارة طريقا لها في خضم هذه الاختلافات لتشتعل لهيبا حارقا لايذر أمامه شيء.
… نعود لنقول أن إثارة التأريخ من أجل التركيز على قضية دون سواها ومن غير التعمق والتحليل لتفاصيلها هو من الامور الخطيرة جدا خصوصا اذا تلاقفها بسطاء الناس.
… نعم أن الاستضعاف للنفس هو تركيع لشخصية الانسان ومحقٌ لكرامته وهو الذي يُرّكز عليه الكثير من المُنتفعين من أجل الإبقاء على الانسان ليكون ركيكاً على الدوام يسهل إنقياده وتبعيته لهم.