19 ديسمبر، 2024 6:41 م

الثورة الحسينية مشروع العدالة الذي لا يتجسد إلا مع الاعلمية

الثورة الحسينية مشروع العدالة الذي لا يتجسد إلا مع الاعلمية

لا ريب إن خروج الحسين عليه السلام ثائراً ليس بالأمر العرضي ضمن أحداث التاريخ التي يمكن أن تقع بناءا على مبررات ذاتية يراها القائمون عليها. بل أننا وبما نعتقده بإمامة أهل البيت عليهم السلام وأنهم حبل الله المتين وعروته الوثقى وأنه جل شأنه حين خطط لمسيرة البشرية في هذه الحياة الدنيا فأرسل الأنبياء وشرع الشرائع ووضع أئمة هداه إلى دينه وجعلهم السبيل إليه والإدلاء على مراده تعالى, ذلك لضمان السعادة الدنيوية والأخروية فأن نهضة الحسين ـ عليه السلام ـ واقعة في هذا الخط الرسالي فليست, الخطوات العسكرية التي شرع ـ سلام الله عليه ـ فيها في واقعة الطف هي المراد والأصل بل هي ردة فعل تجاه غدر مجتمع خائن رزح ذليلا تحت سياط الجور والفسق والطغيان. أما المراد والأصل فيمكن أن نعرفه من خلال كلمته الخالدة حين خاطب القوم قائلا ( ما خرجت أشرا ولا بطرا ولكن خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله ـ صلى الله عليه واله ـ أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) ويقول سماحة السيد المحقق الأستاذ: لنسأل أنفسنا عن الأمر والنهي الفريضة الإلهية التي تحيى بها النفوس والقلوب والمجتمعات, هل تعلمناها على نهج الحسين ـ عليه السلام ـ؟ وهل طبقناها على نهج الحسين الشهيد وآله وصحبه الأطهار ـ عليهم السلام ـ؟ وسيرة كربلاء التضحية والفداء والابتلاء والاختبار والغربلة والتمحيص وكل أنواع الجهاد المادي والمعنوي والامتياز في معسكر الحق مع قلة السالكين.
والحقيقة أن هذه الكلمات تختزل الدين بمضمونه الأخلاقي والمتشرعي, فالحسين ـ سلام الله عليه ـ ليس سلطانا من سلاطين الدنيا ولا ملكاً من ملوكهاً حتى يحكم بما تقتضيه مصلحة سلطانه ومملكته, إنما هو أمام هدى متخلق بأخلاق السماء وهذه هي العقبة الكئود التي لم تقتحمها الأكثرية على مر التاريخ فإمامة الهدى وأتّباعها يعني أن ينظر الإنسان بعيداً لمشروع قد لا تأتي ثماره في يوم وليلية ويغض الطرف عن مصالحه الشخصية الآنية ومركزه وعلاقاته ويترك التنافس والاندفاع على الدنيا بكل زينتها وزخرفها .
أو بمعنى آخر إن إتّباع إمام الهدى وإنجاز مشروعه تعني بالمصطلح الحديث هيكلة التقاليد والارتباطات المصلحية التي بنى عليها المجتمع أسسه الباطلة وإعادة بناءها على أساس منظومة تشريعية وأخلاقية قد لا تعتني بجل المزايا التي يحاول الكثيرون الإبقاء عليها لما تؤمنه لهم من مكانة ومصلحة آنية, ولذا لم تفلح تلك المجتمعات في أن يكون أصحابها ذو نظرة إلى ما هو أبعد من مصالحهم الخاصة.
وهذه الحالة لا تختلف شيئا من حيث التطبيق والسنة التاريخية مع مشروع كبير يعتمد الأعلمية كمركزية وكحكم.
وهنا مع إننا أمام مجتمع يستيقن بأن المركزية والأخلاقية والتي نقصد بها هنا الاعلمية هي مركز وحدة قوة وامتثال لحكم شرعي وحصانة من الانحراف, لكن بلورة مشروع متكامل تحت ظل هذا العنوان يعني أيضا هيكلة كل الارتباطات المصلحية التي بنيت على خلاف الشرع الحنيف ومؤسساتها التي تشعبت في ترابط غطائه ديني ومضمونه مادي.
ولذا لو فكر البعض ممن يدعي الانتماء للحسين ـ عليه السلام ـ في هذه المعادلة التاريخية في مراجعة نفسيته قبل أن ينعى الشهيد المظلوم إذا كان ناعياً أو يلطم صدره إذا كان لاطماً وهو ما يمنعه من أن يشد اهتمامه وحركته وتكليفه الشرعي في مشروع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحت ظل الاعلمية التي هي باب الإمام الغائب ـ عليه السلام ـ وجهة النيابة عنه وهو كمشروع السماء الأخلاقي وأحكام الدين الحنيف التي خرج الحسين ـ عليه السلام ـ لأجلها.. فما يمنع الذي يدعي انتسابه للحسين منها ليس إلا تلك الأسباب التي تعلقت بالمصالح والارتباطات الدنيوية وتشعباتها التي تحتاج إلى هيكلة وصياغة كالتي خرج عليها الحسين ـ عليه السلام ـ وهو الأمر الذي يمنع الكثير من أن يضحي بمزاياه ومصالحة ليرتقي لمشروع الوحدة والاعتدال والوسطية وبناء المجتمع الرباني.

أحدث المقالات

أحدث المقالات