المثقف العربي لايبرز في السياسة او في صناعة القرار ،والسياسي العربي عادة وفي احسن الاحوال من انصاف المثقفين وان أحاط بعضهم اسمه بالالقاب العلمية التي لم يعد لها قيمة ولا مصداقية كما هو معروف ..بدون تشعب لندخل الى صلب المبحث على شكل الاسئلة التالية: لماذا المثقف العربي لادورله -فعليا- في السياسة ؟ او لماذا السياسي العربي غير مثقف على العموم اوالاطلاق احيانا ..؟ هل الامر مصادفة ؟ هل يكره مثقفونا العمل السياسي بينما هم غارقون الى اذانهم في التحليلات السياسية اوالكتابة اوحتى الشعرالسياسي، اذا استبعدنا الموسيقيين والرسامين والفنانين عموما للفكرة الشائعة عندنا انهم بعيدون عن السياسة ولايجيدونها لرهافة احساسهم ولانها بحاجة الى من هو اقسى من ذلك .
لنحاول الاجابة جميعا ومعا..لانه وبعد الاجابة سنصل الى حلول او توصيات قد تساهم في حل ازمة دائمية ومستدامة في بلداننا وهي (التخلف والتبعية والفساد والجهل والتراجع ) ..
انا اقول ان الامر ليس كما يبدو في الاسئلة السالفة، فالمثقف العربي قادروبقوة على المساهمة في صنع القرار السياسي وبل وصياغته وبشكل يفوق المثقف الغربي بمسافات وعن تجربة شخصية من قربي الواقعي من المثقفين الغربيين لسنوات وقبلهم العرب فضلا عن القراءات التي نشترك بها جميعا ويعرف القراء الحقيقيون للمصادر الغربية والعربية الفرق الكبير لصالح المثقفين العرب (طبعا انا تناولت مثل ذلك في مقال قبل سنوات اسمه : هم ونحن ..الذكاء الجمعي) يمكن قراءته على google لمن يهمه الربط بينهما.
اذن ..المثقف العربي مؤهل بل ويريد ايضا ، فلماذا لانجده في الموقع الصحيح !؟ ولماذا دائما يسمع العامة وحتى النخبة في مجالسهم يقولون لو ان فلانا المفكر او الكاتب او الاكاديمي او او ..وضع في مركز القرار او تسلم دفة الحكم لأصبح البلد كذا ولقاده الى البر ! اين فلان اذن ؟ في الدكتاتوريات يبعد المثقفين من قبل العسكر عمدا وقد يقتلون .فمابالهم في زمن الانتخاب والديمقراطية لايظهرون اذا اخذنا العراق نموذجا وهو البلد العربي الوحيد الذي يحكم ديمقراطيا اذا استثنينا تونس ولبنان بشكل ما ..والعراق بالذات مليء بالمثقفين كما يتفق العرب على ذلك وهو واقع ملموس قبل ان يكون مليئا بالفاسدين ولازال بعد سيطرة الفساد عليه ، طيب !! اين المثقف اذن من مركز القرار وصنعه مرة اخرى !؟
الامر كالاتي ..
اولا بالجملة وبدون شك والعامل الاول والأهم ان الغرب والقوى الكبرى المهيمنة والمؤثرة في سير الامور في الدول الضعيفة ومعها ايضا الدول الاقل شأنا والمؤثرة اقليميا لاتقبل ولا تحبذ ومن ثم لاتدعم صعود المثقفين واصحاب الفكر سياسيا وبعيدا عن جدل المؤامرة او غيرها ،فهذا لايجادل فيه الا معاند ولأنهم لايستطيعون قتل كل المثقفين او وقف الثقافة والفكر (وهذا هو الشيء الوحيد في العالم ، المتاح بشكل كامل وحر وخارج السيطرة) فباستثناء كوريا الشمالية بشكل ما ، فانه لم يستطع اعتى المستبدين واقوى الدكتاتوريات في التاريخ حجرالفكر او مصادر الثقافة حتى صدام نفسه . اذن هل منعت هذه الدول والمؤسسات الخفية والمخابراتية وصول المثقفين الى السلطة وعلى مدى قرن او اكثر ؟ الجواب لا طبعا وغير متاح لها ان تفعل ، (بدليل فوز مرسي في مصر ..واياد علاوي في العراق وجبهة الانقاذ في الجزائر وحماس في فلسطين ) ولست اقصد ان هؤلاء من اصحاب الفكر والثقافة ، فقط هو دليل على ان المواطن العربي في الجو الديمقراطي يمكن ان يوصل من يريد قبل أن تضطر الدول الغربية بعد ذلك الى محاولة قتله او اسقاطه او ماشابه مما رأينا وعايشنا .اذن قوى الهيمنة العالمية لا تستطيع ان تمنع المثقف من الوصول لكن المواطن العربي (المصوت في الصندوق) لم ينتخب المثقف ..هذا هو الواقع . فلماذا؟! تساؤل محير آخر ! الم يجلس في المقهى والجامعة والصالونات وعلى وسائل الاعلام والتواصل المجتمعي ويقول ياليت فلانا المثقف اصبح رئيسا او برلمانيا !؟ ساجيبك او ساحاول وحاول معي لنفك هذا اللغز المستعصي :
اولا الخلل يبدا من المثقف العربي نفسه الذي صنع هوة بينه وبين الناس متعلميهم وعوامهم من غير المشتغلين بالسياسة او الثقافة والفكر ..فهولايكتب للناس وانما يكتب للنخبة مثله (وهؤلاء ليس شيئا في الناخبين والشاعر العربي يكتب لحبيبته وامه واحلامه ،فيراهم الناس في الندوات والامسيات التي لايحضرها الا القلة)، ليس له دور مع المجتمع الحي البسيط المؤثر في الاختيار السياسي فيعزل نفسه عن الناس من العامة اما ترفعا او قلة بصيرة لان المثقف العربي مثل الطبيب العربي يظنان ان الثقافة منصب والطب منصب ، فيقول لك انا سهرت الليالي لأصير مثقفا او طبيبا ! فهل تريدني ان اخالط العوام مجانا او اعالجهم تعطفا!! .والسبب الاكثراهمية هو المواطن الذي لم ينتخب المثقف لخلل في منظومته الفهمية ووعيه ولنفاقه على نفسه وعلى عائلته واولاده ..فهو يضحي بالمثقف الذي ظل يحلم بتوليه القرار السياسي (والذي هو امله الوحيد في صناعة المستقبل ) ويبيعه ويبيع وطنه معه مقابل حفنة دنانير زائلة او وعود مزيفة من سياسيين تربطهم به قرابة او مذهب او وشائج الصداقة ..وهذا غير موجود الا عند المواطن العربي وانسان الكهوف ماقبل التاريخ الذي يتحدث عنه التطوريون . والان وصلنا الى العامل الاخير لفشل المثقف العربي وهو السياسي العربي الذي سبق المثقف في الجلوس على كرسي الحكم للاسباب السالفة الذكر ، فهذا الرجل امره اعجب واغرب فهو يشكل محور التخلف ومتكأ الغرب ودميتهم ووقود ديمومة الجهل والفساد في بلداننا ومحاصرالمثقف ومانعه الاكبر عن الوصول بمساعدة داعميه الخارجيين ومجهل المواطن ومغيبه عن الوعي وعن الاختيار الصحيح بالطرق الخسيسة والدنيئة التي تبدأ من الترهيب والتجهيل والخداع والاغراء وشراء الذمم وتوسل القرابة والصداقة ولاتنتهي بالتزوير وطلب الدعم الغربي والدولي المشبوه ..
الحل : الغرب ومؤسساته الخفية والمؤثرة لايمكن القضاء عليها او التعامل معها والا لفعل غيرنا ممن هم اقوى منا واكثر وعيا واكثر وحدة صف ، ذلك انهم يؤثرون على كل دول العالم تقريبا حتى المتقدمة . أما السياسي الذي سبقنا الى الجلوس فلايمكن اقناعه او التفاوض معه او الوصول معه الى حل توافقي حول تقاسم سلطة او اعطاء المثقفين واصحاب الفكر فرصة للحكم وتصحيح الوضع بمايرضي الله ..لأن السياسيين العرب عثروا على كنز لأيتام مغفلين وتراهم يتحدون كلما اشتد عليهم الضغط رغم تقاتلهم على المنافع والمناصب ايام الصمت الشعبي ..!
اذن لم يبق امامنا الا هذا المواطن المصوت ..لابد من تغييره واقناعه وحثه وتوعيته وتقويته وتوجيه صدمات قوية له وتثقيفه وتحصينه امام مغرياتهم وتدريبه على فهم مؤامراتهم ومؤامرات داعميهم ..وترك قصائد حب المرأة وترك الكتابة للنخبة والرسم للمتعة او الشهرة والغناء للسهرة والشوق ..لابد من تحرك عام وشامل ورص صفوف توعوية واشتراك المعلم المخلص مع الشاعر الثائر مع الكاتب الناضج مع الرسام الجاد والحقوقي الناشط والاعلامي الملتزم ..كل هذا لتهيئة هذا المواطن وتخليصه من براثن السياسي المدعوم وارشاده للتصويت للمثقف.