صرخ كأنه ينادي ليوم المبعث… محكمة
الجميع انصاعوا وقوفا إلا واحدة كانت تجلس في الصف الاخير.. دخل القاضي وقد بصربالحضور كانه في طابور عرضات جيش… ارخى بردائه وشمر بيديه ثم جلس..
فصاح الحاجب.. قضية رقم 666
نهض المحامي قائلا: حاضر عن المتهم
الإدعاء مستعرضا نفسه بإبتسامة إستهزاء ..سيدي القاضي حضرات المستشارين السادةالمحلفين لا اجد داعي للاستاذ المحامي بالمرافعة فالقضية قد وضحت معالمها منذ البدايةالمتهم قد اعترف بالجريمة وهذا طبقا لأقواله في المحضر الثابت واعترافه امام النيابةالعامة.. وأجدني أطالب من عدالتكم انزال أقصى العقوبة بالمتهم ليكون عبرة لأمثاله ممنيعبثون بأمن المجتمع والنظام الامني للدولة… ثم جلس
أشار القاضي من وراء زجاج نظارته للمحامي..
وقف قائلا: سيادة القاضي حضرات المستشارين السادة المحلفين … إن القضية… لم يكملجملته بعد حتى صاح المتهم سيادة القاضي هلا سمحت لي بالحديث عن نفسي فأناأدرى من المحامي وأولى بالدفاع خاصة أني لم أعينه للدفاع غير ان المحكمة أناطت به تلكالمهمة.. ولا اعني أني استخف به او قرار المحكمة لكني أجدى بالدفاع عن نفسي إن سمحتواعتقد أن هذا حق لي يحفظه الدستور….
تطلع القاضي إليه فوجده ممسكا بقضبان القفص وقد بدت عليه الرصانة والثقة فيماقاله…فعلق..لابأس يمكنك ذلك على ان تلتزم ويكون كلامك في صلب القضية وبشكل مباشردون التفرع او الدخول الى تفاصيل تضيع وقت المحكمة فلا زال هناك الكثير من القضاياالتي يجب ان تحسم اليوم ..
شكرا سيادة القاضي…
بدأت القضية عندما كنت أدير مكتب الاستاذ عبد الكريم محمد بصفة سكرتير المكتب وهومكتب خاص للاستشارات الهندسة والقانونية ايضا.. في صبيحة يوم الحادثة كنت قدتأخرت في الوصول بسبب عطل اصاب عجلة سيارتي الى جانب الزحام أضطرني ذلك الىتركها أمام أحد المحال بعد أن استأذنت صاحبها بذلك تاركا رقم هاتفي عنده والذي زودتهبكارت الخاص في حال حدوث شيء ما..وصلت الى المكتب بسيارة أجرة كان سائقها قدادار المذياع على نشره الاخبار الصباحية بعد ان أشرت عليه بذلك رغبة بمعرفة ما يدور فيعالمنا الغريب الذي نعيش وبعيدا عن الاستماع لأغان الهابطة… لحظات كان قد ضجر وادارموجته الى أغاني الرتم السريع التي لا احب..فعرضت عليه تغيره لكنه رفض مع شدة.. الزحام وصخب السيارات واطلاقها لصوات المنبهات بشكل مؤذي زاد من توتري…لذا قررتالنزول عن السيارة بشكل مفاجئ دافعا الحساب… غير أن السائق رفض واحتج علىنزولي واعتبره إهانة فشتمني ..كان ذلك سبب بدء الشجار بيني وبينه فآليت بعد انامسك وهم بضربي بأن أصفعه بشد كاد الشجار يشتد ويتطور لولا تدخل البعض الطيبمن المارة.. لمت نفسي فأعتذرت منه كنت قد سارعت بالمشي متخذا اقدامي وسيلة التنقللغرض الوصول قبل الاجتماع الهام للشركة وصلت الى مكان عملي متأخر وقد اعتذرتللاستاذ عبد الكريم وقدمت التبرير ..وقصصت له ما حدث… لكنه لم يصدق فعنفنيوأهانني بشدة فصار جدال بيننا غير أنه علق ليس الآن سأرى بعد الانتهاء من اللقاء معالعملاء أقرر شأنك هيا اخرح من مكتبي…فقلت سأرد على إهانتك هذه بشكل آخر لنأنساها لك أبدا… فصرخ أخرج وإلا ملوحا بيده إلي… طلب مني بعض الموظفين الخروجوأن أهدأ وأعمل ترتيب عقلي كون لدينا اجتماع هام جدا مع بعض العملاء الجدد للشركةالتي بدورها كانت مهددة باﻻفلاس…انشغلت لساعات بالامر وكدت أنسى ما حدث لولاوعلى حين غرة وجدت ذلك السائق قد دخل ومعه عدد من الاشخاص يتهجمون علي وامامكل من كان حاضرا في مكتبي.. وقد كالو لي الضرب المبرح ..نعم دافعت عن نفسي لكنالمفاجأة والكثرة غلبتني..فتملصت بصعوبة هربت من بين أيديهم حيث مكتب السيد عبدالكريم الذي تفاجأ من منظر ثيابي الممزقة والدم الذي غطى وجهي..فصرخ ما الذي حصلأين رجال الأمن ..كان كل شيء يجري بشكل سريع خاصة بعد ان دخلوا ورائي وامسكوابي مرة ثانية وصار العراك أكثر حدة لحظتها بلغت ذروة بين الموت او الحياة مددت يديالى فتاحة ظروف الرسائل والتي كانت على مكتب الاستاذ عبد الكريم عزمت الدفاع بها عننفسي أو على الأقل لإخافتهم.. كان الاستاذ عبد الكريم قد نال قسطا من الضرب .. فما أنتلقيت ضربة قوية على رأسي جرى بعدها الدم بشدة على وجهي فأضعت النظر تمامافحركت يدي كي ادافع عن نفسي من الذي ضربني فجاءت في عنق الاستاذ عبد الكريمالذي وقع ميتا بسببها… جاء رجال الأمن وامسكوا بي والسائق مع الجماعة التي كانتمعه.. إقتادونا الى مركز الشرطة وكان التحقيق طويلا مرهقا لم أعي نفسي أو ما أقولبعدها حولنا الى النيابة العامة والذي سألني الوكيل قائلا: إنك متهم بقتل السيد عبدالكريم محمد مع سبق الاصرار والترصد خاصة أن هناك من سمعك تهدده بالانتقام منه… الصدمة عنيفة أي طالع خرجت به صبيحة ذلك اليوم ..شرحت له بالتفصيل الممل ما حدثوأن هناك من حاول قتلي وهم في الخارج ولديك يا سيادة الوكيل التقرير الطبي عنحالتي والاصابات وشج رأسي وعدد الغرز نتيجة تلقي ضربة مميتة من أحدهم فأنا لمأميز أي منهم.. كانت ردة فعلي طبيعية وغير معني بها أي شخص كانت للتهويش ليس إلالكنها جاءت دون إرادة مني وأصابت الاستاذ عبد الكريم..أما ما قلته عن سبق الإصرارفليس هناك عداوة بيني وبينه وغالبا ما كان يحث سوء الفهم وفي آخر النهار او بعد يوميأتي استاذ عبد الكريم ويعتذر عن سوء تصرفه وعصبيته وهذا معروف عنه عند اغلبموظفي الشركة وبإمكانك سؤالهم للتأكد…لكن وكيل النيابة لم يصدق ولم يبحث وبسرعةأحالني الى المحاكمة ناسيا حقي بالإعتداء علي متجاهلا المتسببين في تلك الحادثة.. هذابالضبط ما جرى سيدي القاضي وأقسم أني كنت ادافع عن نفسي ليس إلا فالجميع يعلمأني إنسان مسالم وليس لي أي أعداء أبدا.. وبإمكان المحكمة التأكد من ذلك فلست منأرباب السوابق او أصحاب السيرة السيئه أبدا… هذا ما كان وأقسم بالله العظيم أن هذا ماحصل..
كان جميع من في قاعة المحكمة ينصت بصمت حتى المحلفين كانوا منشدين لما يقول وقدتعاطف البعض معه خاصة قد بدى عليه الألم والصدق عندما يذكر الاحداث..
صمت القاضي لوهلة بعد ان تشاور مع من الى جانبه ثم قال؛ إن القضية المطروحة امامناتكاد تكون كفيلم او مسلسل تلفازي غير ان الواقع والقانون لا يمكنه ان يفند ما جاء بهالادعاء العام الذي لابد يكون قد درس ملابسات الحادث وتوصل الى ما أوصى به ومن ثمحوله الى المحكمة.. لذا يا سيادة المحلفين كنتم على بينة من وقائع الجريمة ومداخلاتهامن خلال ما استعرضه الادعاء وما استعرضه المتهم بدفاعه عن نفسه دون المحامي الذيعينته انتدبته المحكمة للدفاع عنه.. فلكم التداول الآن والمشورة في رؤية المتهم بالمذنب اوغير المذنب..
كاد القاضي أن يرفع الجلسة حينما سمع صوت السيدة التي جالسة في آخر الصف وقدارتدت السواد فقالت سيادة القاضي إن سمحت لي بمداخلة… أشار إليها وقد إلتفتالجميع نحوها وهي تتقدم الى منصة الشهود فعرفت نفسها بعد ان طلب القاضي منهاذلك..وقالت: إني أرملة القتيل عبد الكريم وأود أن أعلن أمام عدالتكم بأني اتنازل عن حقيالعام ضد المتهم ولا اطالب بمحاكمته واعتبر ما حدث قضاء وقدر فمما سمعت منه ومنالذي شهدوا الحادثة لم يكن ابدا عنده نية القتل او الشروع بها واتمنى ان ينال حقة فيعدالتكم…. مع شكري لكم
ضجت المحكمة وصفق البعض لشجاعة هذه السيدة مما أدى القاضي للطرق عدة مراتطلبا للسكوت
فعلق قائلا: حقيقة الامر كان ردة فعلها مفاجأة للمحكمة غير أني ألزم السادة المحلفينبالوقائع والاحداث.
دام التداول فترة من الزمن ..صرخ الحاجب محكمة خرح المحلفين بقرار..سألهم القاضي هلتوصلتم الى قرار
وقف احدهم قائلا: نعم
القاضي: هلا قرأتموه
احد المحلفين: بعد التداول والاطلاع على حيثيات الجريمة نرى أن المتهم برئ من تهمةالقتل العمد وأن الحادث كان عرضيا قضاء وقدر..
صفق من في المحكمة وتهللت الوجوه
القاضي: هدوء.. هدوء
بعد قرار هيئة المحلفين ببراءة المتهم من تهمة القتل العمد بإعتبارها قضاء وقدر حكمتالمحكمة على المتهم أحمد عبد الرحيم بالسجن لمدة سنة مع وقف التنفيذ.. رفعت الجلسة