17 نوفمبر، 2024 3:43 م
Search
Close this search box.

عندما يصبح الحزب اهم من الوطن

عندما يصبح الحزب اهم من الوطن

بكل ايجابياتها وسلبياتها صارت القبيلة حجر الاساس في البناء الاجتماعي العربي، وهذا التجمع البدائي الفطري في صحاري جزيرة العرب أوجدته الظروف القاسية وشحة الموارد. فرضت ظروف الصحراء القاسية وشحة الموارد على العرب التنقل الدائم في الفيافي بحثا عن الماء والكلأ فتجذرت كلمة “العرب” لتعني القوم الرحل.
طبعت شحة الموارد بصمتها على الثقافة العربية، فتغنى وتفاخر العرب بشجاعتهم وبأسهم في الغزو والاستحواذ على آبار ماء وسبي نساء أو قتل افراد القبائل الضعيفة وغنم امتعتها.
الانتماء لمجموعة بشرية تربطك بهم روابط معينة كأن يكون منتدى ثقافي أو اتحاد عمالي أو نقابة مهنية أو حزب سياسي، إستمد تعريفه في المجتمعات العربية المعاصرة من إرث الانتماء القبلي في الوعي الباطني، والفرد العربي وخاصة العراقي ومهما ادعى المدنية ماان تدوس له على طرف حتى ينبثق عقاله وكوفيته من تحت بدلته الرسمية “الغربية” فيعود بدويا بلحظة بصر أو باسرع من ذلك.
الحزب السياسي هو – او يفترض ان يكون- كيان يجمع نشطاء سياسيين يتوافقون في الرؤى والمقاربات ( قل السياسات) التي يرونها ناجعة وفعالة لخدمة المواطن وتاليا الشعب والوطن. وبكل تأكيد لايتفق كل الشعب في أمة ما على السياسيات التي يرونها فعالة والتي يجب ان تتبناها حكومتهم لتطوير اوضاعهم الخدمية والمعيشية ومنافسة الامم الاخرى في جوانب عدة، فيتفرقون الى فرق تدعى احزابا سياسية. تعرض هذه الاحزاب حلولها ومقارباتها ومناهجها لحل مشاكل قائمة أو لزيادة تحسين الاوضاع الحسنة أصلا، تعرضها على الشعب فيما يسمى بالحملات الانتخابية ويختار الشعب من خلال صناديق الاقتراع واحدا او عددا من بين هذه الاحزاب يعتقد ان اجنداتها تلامس مشاكله او تطلعاته.
الاحزاب الديكتاتورية او الشمولية هي تلك الاحزاب التي وصلت للسلطة عن طريق انتخابات واستحوذت عليها واقصت وحلت الاحزاب الاخرى او التي تربعت على عرش السلطة عن طريق انقلابات عسكرية أو ماشابه ذلك. هذا النوع من الاحزاب فرضت على الشعب قسرا سياساتها ورؤاها للحكم. بعضها من فرط ايمانه بان سياساته وحدها الكفيلة بتطوير الامة ورفع رايتها بين الامم الاخرى، فرضها فرضا ونكل بمن عارضها وحاكمه او قتله بتهمة الخيانة العظمى. وبعضها الآخر استخدم الحزب للبقاء متربعا على العرش وسخر مقدرات الدولة لهذا الغرض باسلوب اقرب الى اسلوب مافيات الجريمة منه الى ادارة دولة.
الحزبي في الدول الديمقراطية يفترض ان يستخدم الحزب كوسيلة – وليست غاية بحد ذاته- لخدمة الشعب والامة وكلما نجح في ذلك كلما اتسعت قاعدة حزبه الجماهيرية وبالتالي احتكر نتائج الانتخابات لدورات انتخابية متتالية. لكن الحزب او الكتلة في العراق بعد عام 2003 اخذ بعدا آخر وصار غاية بحد ذاته والوسيلة صار الوطن والشعب، فسخرت الموارد الوطنية لخدمة اعضاء الحزب واسبغ الحزب على افراده الهبات من المال العام المسروق ووزعت عليهم الدرجات الوظيفية فجسدوا بذلك ثقافة وعصبية القبيلة على حساب مفهوم الوطنية المبني على المساواة بين افراد الشعب.
بالاضافة الى تأثير ثقافة القبيلة، أثرت الراديكالية الفكرية التي ميزت احزاب العالم الوطنية منها والاممية في حقبة الاربعينيات والعقدين التاليين على تعريف الحزب السياسي لدى الفرد العراقي اذ تأسس معظم الاحزاب العراقية في تلك الحقبة. فصار بعضهم يجرح ابهامه كي يوقع بالدم دليلا على التزامه بالعهد او القسم الذي قطعه على نفسه على ان لايحيد عن اهداف ومبادئ حزبه حتى لو كلفه ذلك حياته. لذا صار عندنا (نحن العراقيين) معيبا ان تتخلى عن حزبك حتى لقد اصبح الانتماء السياسي جزءً هاما من هوية الفرد كما هو الدين والقبيلة.
تمنع السياسي العراقي العزة من الاعتراف ان حزبه لم ينجح في ادراة الدولة ولم يحقق ما وعدت به ادبياته فيلقي باللوم على التطبيق وليس النظرية وهذه حجة رائجة نكاد نسمعها يوميا من كل اتباع الاحزاب التي فشلت في تطوير مجتمعاتها كالحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي وفروعه في دول المنطقة وحزب الدعوة العراقي الذي قاد دفة الحكم في العراق لماينوف على الثلاثة عشر عام.
الغالبية العظمى من سياسيي العراق لايؤمنون بنسبية الافكار والسياسات لذا تراهم متشبثين بمبادئ واجندات تخطاها الزمن واثبت تعقيد الحياة وتطورها انها لم تعد تناسب هذه المرحلة. شذ عن هذه القاعدة المرحوم محمد باقر الحكيم عندما غير رؤاه في في فلسفة ولاية الفقيه وقال حين عاد الى العراق من ايران بعد سقوط نظام البعث ان فلسفة ولاية الفقيه في الحكم غير ملائمة للشعب العراقي لانه خليط من ديانات وقوميات وطوائف مختلفة فلا يجب فرض نظام حكومي اسلامي شيعي عليه، فاغتيل ( يعتقد كثير من العراقيين ان المخابرات الايرانية وراء اغتياله لان هكذا فلسفة من شأنها عرقلة مبدأ تصدير الثورة الاسلامية الى دول المنطقة)
على العكس من ذلك، ففي مقابلة تلفزيونية، قال حيدر العبادي وهو احد قادة حزب الدعوة أنه دعي للتخلي عن حزب الدعوة ولم يفعل لانه وجدها مسالة اخلاقية اذ ، والقول له، لايجب ان تتخلى عن حزبك حينما يمر بظروف حالكة. بفعله هذا، أكد حيدر العبادي ان الحزب بالنسبة له غاية وليس وسيلة، فرفض طلب الشعب له في التخلي عن حزبه وآثر التخندق مع الحزب ضد الشعب. ولو استجاب لطلب الشعب والقيادات الدينية والاجتماعية لكان في وضع اقل مايقال عنه انه افضل بكثير مما هو فيه الآن. صراحة اذهلني وكثير من العراقيين رفض حيدر العبادي حين طلب الشعب منه التخلي عن حزب الدعوة اذ كيف لعاقل ان يفضل دوام علاقة ( لم تدم، طرده الحزب مؤخرا نتيجة خلافات داخلية) مع مجموعة لاتتجاوز العشرات في حزب اثبتت التجربة انه فاشل على علاقة كان يمكن أن تدوم مع ملايين العراقيين!

أحدث المقالات