لم أتعرفْ على هذا الأديب القادم من (المدينة) بمحافظة البصرة ، والمولود فيهاعام 1961 ، إلاّ في تسعينات القرن الماضي ، رغم أنه بدأ الكتابة والنشر منذ عام 1979 . في ذلك العقد التسعيني ، تدفق شعر منذر شلالات في ساحة العطاء ، حيث صدرت له مجموعة دواوين شعرية . منها : (قلادة الأخطاء – 1992) ، و(تمرين في النسيان – 1997) ، و(قرابين – 2000) . وَله روايتان ، هما : (زائر الماء – 2005) و(طقوس الاثم – 2013) . وله أيضاً مسرحيات وأعمال فنية في التلفزيون . وقبل روايته الأخيرة صدرت له عام 2010 ، مجموعة شعرية تحت عنوان : (على حصان خشبي) .
بكالوريوس في الاعلام
ونحو مدينة الناصرية توجه الطالب منذر عبد الحر ، والهدف : الدراسة في المعهد الفني في الناصرية . وفي هذا التوجه كان قلقاً : غربة سمتُها (الدراسة) ، وفي مدينة دَخَلهَا – كما يقول – مُكرَهاً ، لأنه كان متوجساً . لكن الاعوام الثلاثة (1981 – 1982 – 1983) ، فرشتْ حديقة دراسته هناك بزهور المحبة مع مدينة سومرية سعدونية ، تصورها (طاردة) ، واذا به يجدها (مُستفبِلة) بل ومتمسكة بضيوفها ، ويشعر منذر عبد الحر بانه غادر الناصرية مُكرهاً ، مثلما قدم اليها مُكرهاً ..
ولم يكتف البصري منذر بشهادة الدبلوم الفني التي حصل عليها ، بل دَخَلَ قسمَ الاعلام بكلية الأداب بجامعة بغداد ، وتخرج عام 2004 حاصلاً على شهادة بكالوريوس في الاعلام .
وفي المنفى الأجباري إلتقينا . عشنا عام 2006 ، وحتى نهاية عام 2009 ، في سورية . واقتربنا من بعضنا . وتحت خيمة الاغتراب واصلنا (المشوارَ) الكتابي . وعدنا لحضن العراق الدافئ بعد غربةٍ مُرَّة .
طقوس الأثم
ويوم 25/ نيسان / 2013 ، أُفتتح معرض بغداد الدولي للكتاب ، وشاركتْ فيه مكتبتي بجناح متواضع . كان الشاعر والكاتب منذر عبد الحر يقطع الممرات الداخلية لقاعة بغداد حيث غُقِد المعرض . وزارني في جناح المكتبة ومنه استلمتُ نسخةً من آخر إصداراته ، وهي رواية حملت عنوان (طقوسُ الأثم) ، مصحوبة بأهدٍاء رقيق .
بعد قراءة متأنية للرواية ، عززتُها باستفسارات من المؤلِّف ، وضعتُ اليد على ما يريد الروائي ايصاله للمتلقي عبر ما يزيد على (230) صفحة من القطع المتوسط ، أقول : وضعتُ اليد على فكرة الرواية ، أو (عقدتها) وخلاصتها : أن الرعب يتناسل ، و(طقوس الأثم) تبحثُ عن قرابين .
وحسناً فعل الروائي منذر حين ثبَّتَ في الصفحات الاولى من الرواية ، قصيدة للشاعر الأفريقي (أُونيسيمو سيلغرا) وقد جاء فيها :
(كنا نعيش بسطاء مسالمين
منذ فجر الزمان ، كُنّا أخوة جميعاً
كنا ننشدُ ونرقص في ضياء القمر
وذات يوم نزلتْ الى شواطئنا أسماك القرش .. وانتهى السلام والأناشيد والرقصات لقد انقضُّوا على أكواخنا كالصقور ..) .
رواية (طقوس الأثم) متطابقة مع ما ذهب اليه الروائي البصري .
واذا كان ذلك (خَطُّ) الرواية وفكرتها ، فان الكاتب أوجد (مداخل) و (مقتربات) توصله الى جسور العبور نحو فكرته الأساسية ، وهذه المداخل قللتْ من بعض سمات (المباشَرة) ، وان كان ظلها ، أي المباشَرَة ، بقي باهتاً .
أيام المحنة
تتحدث الرواية عن أيام المحنة التي عاشتها بغداد في ظل الاحتلال الامريكي عام 2003 وما تلاه . وحول هذه الفكرة تتسلل وقائع وأحداث عاشها الروائي ، وجاءت المفردة الأدبية الشعرية لتشكل جزءاً من نصوص سطرها الكاتب .
فها هو يقول منذ أول سطر في الرواية : إنسابت خيوط الفجر خجولة بين مسامات المدينة التي تمطت وهي تصحو نافضة صراع ليل مخيف زرع فيها الوحشة والترقب ، حتى بدا الفجر متردداً وهو يفتح أجنحة البيوت وأبوابها ..
وفي صفحة أخرى من الرواية يقول الروائي : في الأوقات المتوترة يكون الليل حيواناً خُرافياً أسود ، ينهض ببطء ويكشر عن أنيابه اللماعة بوجوه سكان المحلة …
وتتعدد النصوص الأدبية ، وتشعر وكأنك تقرأ الترجمة العربية التي قام بها الزيات لكتاب (آلام فارتر) للأديب الالماني (غوته) ..
لن نكتب المزيد عن وقائع أيام المحنة . ونتركها لقراءة متمعنة يقوم بها القارئ .