من القواعد التي تستند عليها مؤسسات الدول -كل الدول- وتعدها ركيزة أساسية في إدارة شؤونها هي دائرة او هيئة (الرقابة).. والرقابة هي حق مشروع للجميع مادامت تصب في مصلحة الجميع، كما أنها -الرقابة- ليست ضمانا للشخص او الجهة القائمة بالمراقبة فقط، بل هي ضمان للشخص -او الجهة- الواقعة تحت المراقبة أيضا، لاسيما و”كلنا خطاؤون”. إذ هي تضعنا تحت مجهر التصويب والتصحيح والتقويم، مخافة أن نزلّ او نخلّ في عملنا، وبذا فهي تدرأ عنا نتائج الخطأ والخطل فيما نعمل، كما أنها تبعد عنا شبح الحساب والعقاب من قبل الإنسان في الدنيا، ومن الله جل وعلا في الآخرة. وهذا المبدأ يصح حتى في العلاقات الفردية وعلى أدنى المستويات والأعمال. فوجود الرقيب إذن، إيجابي في كل الأحوال.
لذا نرى في كل وزارة او هيئة او مؤسسة هناك كادر متخصص للرقابة، وكلما كانت المؤسسة أكثر أهمية او أشد حساسية في البلد كان دور الرقابة أوسع، وأكثر دقة. وأحيانا يكون عمل الرقابة علنيا بخطط وخطوات مكشوفة للجميع، ولاضير من ذلك مادامت كل الجهات متفقة على ضرورة وجوده. وفي أحيان أخرى يكون عمل الرقابة سريا، من دون علم الجهة المراقَبة، وهذا مانراه في أجهزة الاستخبارات والأمن والتحريات، وما الى ذلك من المؤسسات التي يوجد فيها طرف ليس من مصلحته وجود رقيب على عمله، وقطعا هذا ينم على عدم مشروعية هذا العمل، او كونه في تضاد مع جهة او جهات أخرى يصيبها ضرر من جراء القيام به. وهناك حالات أخرى يكون فيها عمل الرقيب سريا جدا.. جدا، كتلك التي تجري في دهاليز السياسيين والتي تكشف لهم المبطن ليس من الأعمال فقط، بل من النيات والأفكار التي تدور في خلد العدو والصديق، والقريب والبعيد، السليمة منها وغير السليمة، والتي لم تظهر على أرض الواقع بعد.
العراق، منذ أكثر من عقد ونصف العقد، لم يخرج من بوتقة ظرف حساس جدا، رماه في قعرها ساسة البلد المتعاقبين على حكمه، وماحساسيته هذه إلا لكون عنصر الوقت فيه لايتحمل تأخيرا أو تسويفا او مماطلة، فالثمن المدفوع من جراء أي من هذه الثلاثة سيكون غاليا جدا، ويقوم بدفعه أناس لاذنب لهم في كل مايحصل. والظرف هذا يشترك في العيش تحت وطأته كل العراقيين، بدءًا من أصغر فرد في المجتمع، صعودا الى أكبر رأس على قمة هرمه. فالبلد اليوم ماعاد يحتمل أي تراجع في خطواته، او أي تدهور في أوضاعه، بل آن له أوان الجري بأٌقصى سرعة لمواكبة أمم العالم فيما وصلت اليه، وتدارك التأخير الذي طال مفاصله وأركانه ومرافئه على الأصعدة كافة.
هنا يجب أن يتحلى جميع معتلي دفة الحكم بالروح الوطنية وقبول الرقباء أنّى كانوا، والأخذ بالنقد البناء من دون النظر الى مصدره، حيث الوقت ليس وقت قبول الآخر او رفضه، كما أن مصطلحات الـ (مافوق) والـ (مادون) سيكون لها تأثير سلبي ومردود عكسي لايخدم المصلحة العامة، وعلى المسؤولين -كل المسؤولين- في سدة الحكم، بمن فيهم الوزراء ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب ورئيس الجمهورية، القبول برحابة صدر بدور الرقيب، بغية الخروج بنتائج صحيحة تدفع البلد الى بر الأمان، بعد أن ابتعدت به شطآن المجهول. وليكن أول رقيب هو الضمير -ضميرنا جميعا- وليكن بحسباننا أن فوق كل رقيب رقيبا “لاتأخذه سِنة ولانوم”.