خاص : ترجمة – سعد عبدالعزيز :
تواجه “المملكة العربية السعودية”، في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها، كثيرًا من التحديات، ربما أخطرها على الإطلاق هو تنامي المد الشيعي الإيرانيّ، لا سيما بعد أن بات “نظام الملالي” في “طهران” يهيمن على “العراق وسوريا ولبنان واليمن”.
وبعد ما أصاب الدول العربية من ضعف جراء أحداث “الربيع العربي”، لجأت “السعودية” لتعزيز علاقاتها مع حليف غير عربي وهي دولة “باكستان” النووية، لعلها تجد عندها الدعم والحماية من الخطر الإيراني.
ولقد نشر (مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي) تقرير الخبير الإسرائيلي، “يوئيل غوزنسكي”، أكد فيه أن هناك علاقات خاصة تربط بين “المملكة السعودية” و”باكستان”، وأنها تقوم في الأساس على ما يمكن وصفه بصفقة لتبادل المصالح، إذ تعتبر “السعودية”، “باكستان”، سندًا استراتيجيًا لها، وركيزة مهمة من أجل وقف المد الشيعي الإيراني. أما “باكستان” فتحظى، في المقابل، بدعم اقتصادي كبير من “المملكة السعودية”، كما أنها ترسخ نفوذها في منطقة الخليج وتلعب دورًا هامًا في حماية الحرمين الشريفين.
تعزيز التعاون بين الرياض وإسلام آباد..
لقد حاول الباحث الإسرائيلي، “غوزنسكي”، أن يسبر غور العلاقة الخاصة التي تربط البلدين، لا سيما بعد التوتر بينهما جراء رفض “إسلام آباد” الإنضمام للحرب التي تشنها “السعودية”، منذ عام 2015، ضد “الحوثيين” في “اليمن”، إضافة إلى موقف “باكستان” من الأزمة التي لا تزال قائمة بين “السعودية” و”قطر”.
مشيرًا إلى أن “باكستان”، منذ استقلالها، كانت تعتمد على المساعدات العسكرية والاقتصادية، لا سيما من “الولايات المتحدة” و”الصين” و”المملكة السعودية”. وفي ظل تدهور العلاقات الباكستانية مع “الولايات المتحدة”؛ ورغبة “إسلام آباد” في عدم الإعتماد على “بكين”، فلم يبقى سوى “السعودية” لتكون سندًا اقتصاديًا قويًا لـ”باكستان”.
وبحسب التقرير؛ فإن الدولتين الإسلاميتين تجاوزتا مرحلة الخلافات بينهما، وهما الآن في مرحلة التعاون الفعلي رغم حرصهما على إخفاء ما يجري بينهما من تعاون استراتيجي فيما يتعلق بالأسلحة التقليدية أو النووية.
ويشير “غوزنسكي” إلى أن ولي العهد السعودي، والحاكم الفعلي للبلاد، الأمير “محمد بن سلمان”، قد قام، في شباط/فبراير 2019، بزيارة رسمية لـ”باكستان” وُصفت بأنها تاريخية، وتم خلالها إبرام مذكرات تفاهم واتفاقيات اقتصادية ضخمة، ولاقى “بن سلمان” من الحفاوة وحُسن الاستقبال ما لم يحظى به أي زعيم أجنبي يزور البلاد.
الدين والسياسة..
يرى “غوزنسكي”، أن “السعودية” تحتل مكانة خاصة لدى “باكستان”، لكونها بلد الحرمين الشريفين. كما استطاعت “السعودية”، عبر السنين، تعزيز نفوذها الديني من خلال إرسال الدعاة والعلماء السُنة وتقديم التبرعات الضخمة لبناء المساجد والمدارس الدينية في “باكستان”، التي تربطها علاقات فكرية وتنظيمية مع المؤسسات الدينية في “السعودية”، وهو ما أدى إلى انتشار الفكر الوهابي في “باكستان” وترسيخ الروابط مع بلاد الحرمين.
يوضح “غوزنسكي”؛ أن أكبر طائفة شيعية، خارج “إيران”، تعيش في “باكستان”، (وهي بنسبة 20% من السكان؛ أي قرابة 40 مليون نسمة)، ولـ”إيران” نفوذ كبير على هؤلاء الشيعة، والدليل على ذلك أن “نظام الملالي”، في “طهران”، استطاع تجنيد الكثير من شيعة “باكستان” للقتال في “سوريا” وإنقاذ نظام “بشار الأسد”.
وجراء هذا النفوذ الإيراني الكبير، تخشى “باكستان” من إمكانية قيام نظام “طهران” بتحريض شيعة “باكستان” على النظام السُني في “إسلام آباد”.
ويُعتبر البُعد الديني مهم لكل من “السعودية” و”باكستان”، فيما تسعد الأخيرة بما تقدمه “السعودية” من إمتيازات لها فيما يخص خدمة الحرمين الشريفين، إذ يقوم الحراس الباكستانيون بحفظ الأمن في الحرمين، بينما يحظى المواطنون الباكستانيون بتخفيضات كبيرة عند الحصول على تأشيرات الدخول للمملكة.
البُعد الاقتصادي..
إلى جانب العلاقات السياسية والدينية؛ هناك أيضًا علاقات اقتصادية قوية بين البلدين. فـ”العربية السعودية” هي المصدر الرئيس لتزويد “باكستان” بـ”النفط”، وهي أهم الدول المستوردة للبضائع الباكستانية، لا سيما من المواد الغذائية والمنسوجات.
ومن حين لآخر تقدم “السعودية” مساعدات مالية مباشرة لـ”باكستان”، إضافة إلى بيعها “النفط” بأسعار مُخفضة. كما أن العمال الباكستانيين هم أكثر العمال عددًا مقارنة بباقي العمال الأجانب في “المملكة السعودية”، ويقوم هؤلاء العمال الباكستانيون بتحويل قرابة ستة مليارات دولار سنويًا لبلدهم.
التعاون الأمني..
في ستينيات القرن الماضي؛ بدأت “باكستان” في تقديم المساعدات لإقامة الجيش السعودي، وقام الطيارون الباكستانيون بقيادة الطائرات السعودية، خلال “حرب اليمن” عام 1969، كما شارك أفراد من القوات الخاصة الباكستانية في عملية تحرير “المسجد الحرام” من قبضة المتطرفين الإسلاميين، عام 1979.
وبوجه عام؛ فإن التعاون الأمني والعسكري يصُب في صالح الدولتين؛ فـ”باكستان” لديها قوات برية وجوية وبحرية ذات خبرة عالية، لكنها لا تملك مصادر التمويل الكافية.
وفي المقابل؛ فإن “السعودية” لديها موارد اقتصادية ضخمة، لكن كفاءة جنودها متدنية، ولا يزال حجم جيشها ضئيلًا مقارنة بعدد السكان. وبمرور الوقت تعززت العلاقات الأمنية بين الدولتين، لدرجة أن رئيس المخابرات السعودية السابق، “تركي الفيصل”، وصفها بأنها الأقوى بين أي دولتين على مستوى العالم.
يشير “غوزنسكي” إلى أن القوات الأمنية السعودية تضم كثيرًا من المرتزقة الباكستانيين الذين يؤدون مهام قتالية مختلفة. كما أن “باكستان” تقوم بتدريب جنود سعوديين على أراضيها.
وكان وزير الدفاع الباكستاني قد أعلن، عام 2018، أن قرابة عشرة آلاف جندي سعودي موجودون في “باكستان” للتأهيل والتدريب دون أن يُعلن مزيدًا من التفاصيل.
جدير بالذكر؛ أن “باكستان” قد أنضمت رسميًا، عام 2015، إلى “التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب”، وهو التحالف الذي دعا إلى تشكيله ولي العهد السعودي، “محمد بن سلمان”، ويضم حاليًا 41 دولة، ويتخذ من “الرياض” مقرًا له.
ويرى “غوزنسكي” أن إنضمام “باكستان”، لذلك التحالف، جاء ترضية لـ”السعودية” بعد رفض “إسلام آباد” التعاون مع “الرياض” في حرب “اليمن”.
وكانت “باكستان” قد أرسلت قرابة خمسة عشر ألف جندي إلى المملكة تلبية لطلب الملك “فهد”؛ بعد اندلاع الحرب بين “العراق” و”إيران”. كما أرسلت أيضًا خمسة آلاف جندي بعد غزو، “صدام حسين”، لـ”الكويت”. وفي عام 2011؛ أرسلت “باكستان” قرابة ألف من المرتزقة للمساعدة في قمع التمرد الذي اندلع في “البحرين” المجاورة، خشية وصول ذلك التمرد إلى الأراضي السعودية. وفي شباط/ فبراير من العام الماضي؛ أرسلت “باكستان” أكثر من ألف جندي للمملكة للإنضمام إلى القوة الدائمة بـ”السعودية”، البالغ عددها 1600 جندي، والمكلفة بتقديم المشورة والتدريب، إضافة إلى حماية الأماكن المقدسة، وفق الاتفاق الموقع بين الدولتين، منذ عام 1982.
التعاون النووي..
وفقًا لبعض التقديرات، فقد قدَّمت “السعودية” مساعدات مالية لـ”باكستان” في سبيل تطوير “القنبلة الإسلامية”.
وعندما فرض المجتمع الدولي عقوبات على “باكستان”، عام 1988، بعد قيامها بإجراء تجارب نووية، بادرت “السعودية” بمساعدتها وأمدتها بـ 50 ألف برميل من “النفط” يوميًا. وبسبب المساعدات الاقتصادية السعودية لإتمام البرنامج النووي الباكستاني، ساد الإعتقاد بأنه في حال طلبت “الرياض” الإستعانة بقدرات “إسلام آباد” النووية، فستستجيب “باكستان” على الفور.
فيما أدت زيارة وزير الدفاع السعودي السابق، “سلطان بن عبدالعزيز”، لـ”باكستان”، عام 1999، وتفقده لموقع التخصيب النووي هناك، إلى غضب إدارة الرئيس، “كلينتون”، خشية أن تكون الزيارة قد جرت وفق تفاهمات بين الدولتين في مجال التعاون النووي.
وحتى إن لم تكن هناك معلومات مؤكدة بشأن التعاون النووي بين “الرياض” و”إسلام آباد”، إلا أن هناك تقارير تفيد بأن الأمر قد أُثير خلال اللقاءات الرسمية لمسؤولي البلدين. وفي حال أحرزت “إيران” تقدمًا كبيرًا في برنامجها النووي ولجأت لتصنيع أسلحة نووية، فإن إلتزام “باكستان” بالحفاظ على أمن المملكة قد يدفعها لتزويد “الرياض” بأسلحة نووية، وسيكون ذلك تحت إشراف الجنود الباكستانيين الموجودين بـ”السعودية”.
مثلث “إسلام آباد-الرياض-طهران”..
ختامًا؛ يؤكد “غوزنسكي” على أن “المملكة العربية السعودية” تعتبر “باكستان” – بما تحتل من موقع استراتيجي يطَوِّق “إيران” – ركيزة مهمة لتحجيم النفوذ الإيراني، لكن “باكستان” في المقابل تود الحفاظ على علاقات متوازنة مع “إيران”، وكذلك مع عدوتها الإقليمية اللدودة، وهي “العربية السعودية”.
ومن منطلق رغبة “إسلام آباد” في الحفاظ على علاقات طبيعية مع “طهران”؛ فقد دعا رئيس الوزراء الباكستاني، “عمران خان”، الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، برفع العقوبات المفروضة على “طهران”، كما دعا الدول العربية لإعادة فتح سفاراتها في “دمشق”.
ومن ناحيتها تحرص “إيران” على وجود علاقات طيبة مع “باكستان”، وكان وزير الخارجية الإيراني، “محمد جواد ظريف”، هو أول مسؤول أجنبي زار “إسلام آباد” فور تعيين “عمران خان” رئيسًا للوزراء.