17 نوفمبر، 2024 11:45 م
Search
Close this search box.

قراءة في شعر عبد الكريم كاصد ( 7 ) التوالد الذاتي وذاتية توالد الدال النصي

قراءة في شعر عبد الكريم كاصد ( 7 ) التوالد الذاتي وذاتية توالد الدال النصي

مدخل :
أن وظيفية تعامل مع النص الشعري لربما يتخذ أحيانا في شرعية تصوراته و أفق رؤياه من خلال صياغة خاصة من كيفية الإحاطة التامة بظروف ذاتية الشاعر و ملابسات يومياته اللامباشرة ، عن حدود الإحاطة التصويرية الواعية في مكونات الدوال النصية . و على هذا الأمر يحق لنا أن نقول بأن خصوصية النص الشعري ، ما هي إلا جملة إحداثيات متشابكة و متفاعلة ، مصدرها يكون عادة منظومة محاكاة ذاتية الشاعر إزاء تجربة شعورية و أحوالية من شأنها اختزال ملفوظية الخطاب القصيدة الى مجموعة دوال إجرائية ، تتلمس عوالم عبورها من خلال فضاء كائنية ( التوالد الذاتي = ذاتية توالد الدال النصي ) ومادام هدف الشاعر هو وصف حالاته الملفوظية ، عبر مؤثثات الفضاء الشعري ، فما علينا الآن سوى معاينة عالم بناءات مجموعة تلك الخصوصيات المتآخمة من وسائل و طرائق و قناعات محتوى سياق القصيدة في شكلها العام ، و الناتج عن ضرورة شرعية ملخصة قد تجاوزت أزمات و تقاطعات ذلك الدليل الوالد في محطات تعاملات القصدية الشعرية الخاصة في آتون مضامين و أشكال موجهات ذلك النص الفقداني . أن رحلة القراءة في عوالم شعرية قصيدة عبد الكريم كاصد ، عادة ما تجعلنا نعد الفواصل المرحلية نحو مباحث خطية و إدائية وحدات الوظائف الشعرية في قصيدة الشاعر ، فعلى سبيل المثال شاهدنا في بعض أماكن من تجربة مجموعة الشاعر ( حذام ) ثمة مرحلية تحضيرية خاصة بمساحة و موضوعة محاولات توصيف موضوعة ما قبل حلول مشارف المرض ، و الدخول منها إلى واقعة المرض ذاته ، ولكننا إذا انتقلنا إلى بدايات المجموعة الشعرية ذاتها ، لواجهتنا عاطفة الشاعر وهو يستذكر أزمنة و ذروات انفعالاته بموجودية زوجته وجوديا ، مع حديثه الشجي حول أشياءها وهمساتها و روحها و حركاتها في الزمان و المكان ، كحال قصيدة ( خاتمة ) و قصيدة ( ذلك الموت ) و قصيدة ( حلم ) . أما ما يخص مرحلة قصيدة و مقدمة ( مملكة الأنهار ) و قصيدة ( ضحكة ) و قصيدة ( اختفاء ) و قد جاءتنا هذه القصائد المختارة ضمن الأضمامة الرثائية الخالصة من قيمة الخصوصية الفقدانية المتوجة بدلالة فضاء قصيدة الفقدان . ما يشد انتباهنا في الواقع عند قراءة قصائد ( حذام ) هو مدى مأزومية التوالد الذاتي لدى الشاعر وهو يقص علينا فرضية تكشفه لموت وفقدان اللهب المقدس من حياته المعنوية و الشعرية . أما بنية و محمولات ذاتية الدال النصي فقد حلت علنا حلولا وصفيا و ظرفيا و احواليا متقاطعا و مقاييس حضورية الغياب / و غياب الحضور ، و قد قرأنا بهذا المفهوم و الفهم قصيدة ( أصداء ) :

حتّى العجائز يا حذام
يمشين في الرّدُهات
بين أسرّة المرضى
عرائسَ .. يا حذام . / ص106 قصيدة : أصداء

أن قابلية البحث في حالات النص قد يعني لنا الوصول إلى بؤرة المسكوت عنه في مجاهيل رؤية النص ، لذا فأن مكونات دلالات هذه المقاطع الأولى من النص ، تدخلنا في تساؤلات و تقاطعات من الإجابات في نقاط عدة ، و لربما تختلف لدينا محصلات حدثية المعنى في مسار مجديات قراءة معنى النص . ولكننا عندما نقول و نقر بثنائية ( التوالد الذاتي / و ذاتية توالد الدال النصية ) يحفزنا البحث في آليات مرجعية الذات المتكلمة في تراكيب زوايا اللاشعور متوغلة عمقا في جوهر مكنون الدليل الأحوالي في معينات النص . وهكذا عند قول الشاعر لجملة ( حتى العجائز يا حذام ) نستدل من وراءها تلك الأشارة التهكمية الخاصة بحسية اللوعة و انفعالية موقف مجليات الشاعر البرهانية أو الامثولية وصولا إلى جملة ( يمشين في الردهات) استدلالا على ديمومة و بقاء ذلك النموذج المفرط في غاية الموت ، غير أن نموذج حذام أصبح يشكل في حد ذاته ، فضاءات من الرفات و الأحلام المتطايرة وهما ، فيما بقيت تلك العجائز الهرمة كعرائس تصارع موجات الموت و النزع الأخير أو اللاأخير .

ـــ توالي الحالات في صورة المحمول الذواتي .
و لأجل تحقيق معادلة فعلية من توال الحالات في مكونات مراحل النص ، يتعين علينا تحديد مسار و مكان و زمان و ذاتية مصادر الدلالة العميقة في مبنى استخراج حدود الشكل الدلالي من علائق سببية الأسباب :

تركتِني جهراً
كأني من الحزن لا حزن َلي . / ص106 قصيدة : أصداء

هنا يلاحظ القارىء و يعي مدى العلاقة المتراسلة بين أفق الجملة و دلالة حدود هذه الترسيمة المفترضة : ( تركتِني جهرا = البعد الزمني + المكاني = مساحة الفقدان = تنويه بالموت = الحال اللاشعوري ) و أحيانا يقودنا هذا الحال نحو محصلة الاستباقية في حادثة ( كأني من الحزن ) وصولا الى المؤثرات القابلة بالحس المستعاد من سياق الفقدان = الغياب = الذكريات = لا حزن لي .

1ــ الأحوال المتجانسة في إطار التلاؤم الاستعاري :
و إذا حاولنا متابعة مسار ضوء المماثلة الواقعة في الأحوال الفعلية في النص ، لوجدنا توجهات مفردات المعنى الاظهاري ضمنا ، و كأن الشاعر يسعى إلى تغطية رسوم المعنى لمحمولات استعارية و استعادية اشد تركيزا في وظيفة الغياب :

بصحراءَ من بشرٍ
أنتِ فيها السراب . .
السراب . .
السراب . / ص106 ص107

أنا ماهية دلالة هذا التوزيع الزمكاني و الذاتي و وجهة تفاعله مع ظاهرة و بيئة الصحراء ، قد جعلت من العوالم الأمواتية في المقابر تبدو بمثابة ذلك المحور الكامن في صورة الذهنية العدمية التامة ، كأنها قوة متضادة في تفاعلها مع بعضها البعض . أما نتيجة سياق دلالة الجملة اللاحقة الملازمة ( أنت فيها السراب .. السراب .. السراب ) فهذه اللازمة الأخيرة من الجملة أخذت تعكس لنا مدى غيابية و قسرية ذلك الجمع و التفرق في عين العدم و الزوال ، وذلك لأن وعي توالد الذات الشعرية لدى الشاعر كانت متصارعة و متحاربة في بوحها المتوالي عن مأهولية تواجد روح الشريك ــ الزوجة ــ في سياق هذه الأرض الموغلة في انزواءها العدمي ، لذا تراه أي الشاعر ، يصف لنا موجودية ــ حذام ــ بسمات تتجاوز حقيقة عين المطابقة الواقعة في جملة ( بصحراء من بشر ) الى جملة انفصالية الروح في أمكنة الجملة اللازمة ( السراب .. السراب .. السراب ) .

2ــ شيفرات الموت و شعرية الإشارة :
انطلاقا من وحدات و وظائف العلاقات الشعرية في دوال و بنية الدليل النصي ، نعاين جملة صورية الشيفرات الواقعة في مختزلات تصويرية المعادلة الملفوظية في حسابات دلالة البوح في القصيدة ، وصولا منها الى حجم حساسية إشارات بدائل المرموز و خصائصه المرئية و اللامرئية في صور و حالات المقطعية الشعرية . و تبعا لهذا وضعنا الإشارات لتكون دالا على نسق من العلاقات الموضوعية و الذاتية ، نظرا لأحوالها في كيفيات القيمة الشيفراتية الكامنة في المواضعة المتخيلة و المفترضة تقريبا إزاء تأويل القراءة النقدية . و على هذا الأمر نعود الى جغرافيا ( المكان الأليف ) و ( المكان المعادي ) في تجربة فضاء قصيدة الفقدان لنقرأ منها هذه المقاطع الخصبة من مرجعية ملفاتها الذاكراتية و البوحية :

أحبك ما عاد حبّي سوى حفرةٍ
أتوسّد فيها تراباً و أبكي
أ مازلتِ بين ذراعيّ تبكين
مازلتِ بين ذراعيّ تذوين
مازلتِ بين ذراعيّ
مازلتِ
ما . / ص107

أعلم مسبقا بأن الصور الغيابية لا تظهر أبدا بمعزل ما عن مواقع الحالات الحضورية و الفعلية في النص الرثائي ، بلى أنها تظهر بموجب مجموعة توافقات بينية خاصة في مسار المستوى السياقي من النص كحال إقامة حدود هذه الترسيمة المحتملة المعنى منا : ( وحدة حضورية = أحبك / وحدة غيابية = ما عاد حبي سوى حفرة = التصعيد بين الحس الذواتي = التصعيد الخطابي / أتوسد = علاقة قصد = فيها ترابا و أبكي =التصريف المدلولي = شيفرة تمثيلية / أما زلت بين ذراعي تبكين = الأفعال و الصفات المدركة = أحساس متفرق و مشتمل / بين ذراعي تذوين = الأضمارية المدلولية القصوى = مازلت ما = حالة توصيفية غير مستقرة في مضمونها الاستقرائي ) تسمح لنا مسارات هذه الترسيمة المفترضة ، بأن نحتفظ بمستويات الوحدات و المسارات السياقية في زمن شفرات المقاربة و الاظهار الإشاري في بنية مدلولية نسق المعنى القصدي .

ــــ تعليق القراءة ـــ
أن جدلية فضاء الفقدان في معادلة تشكيلية قصائد الكاصد الرثائية و غير الرثائية من شأنها خلق المقابل الحضوري في الزمان = المكان = الذات . و هذه الاتصالية الثلاثية ما راح يتشكل منها ذلك المحقق و التحقيق التواصلي بين التوالد الذاتي للشاعر و ذاتية توالد الدال النصي و على مستوى شمولية من وصفية الفقداني و الفقد في دوال شعرية القصيدة :

كيف تقضين
أنتِ الأنيسةُ
ليلَك دون زيادٍ و سارةَ
في بقعةٍ لا أنيس لها .. كيف ؟ !
أمازلتِ متعبةً
تبحثين عن الخيط ضاع
و عن إبرةٍ
سقطتْ في الترابْ . / ص107 ص108

ما نفهمه من هذه المقاطع ، هو الإضافة التنويعية الشعرية المضافة إلى كائنية الأمكنة الحسية المغرقة في علامات الفراق و اللاتواصل ، حيث بات يشتمل الاتصال الشعري هنا إلى جملة مقابلة ضمنية أخذت تساهم في مد جسور الرثاء الرابطة بين مكانين توجد بينهما هوة الذاكرة و الاسترجاع و التأسي على ما حصل و ما كان و ما سيكون . في الواقع أن قيمة الحوار المونولوجي من جهة الشاعر الى موضع حسية ( في بقعة لا أنيس لها .. كيف ؟ ! ) ما هي محصلة بكائية تطول في الاعماق الذاكراتية المتنازعة في زوايا النسيان و اللانسيان الشاهد و اللاشاهد . فيما يذهب الشاعر بقوله مبددا خاصية الاتصال التي تتعلق بدلالة جملة ( تبحثين عن الخيط = المكان الأصلي = شيفرة العلاقة = ضاع / و عن إبرة سقطت في التراب = فاصلة انقطاع = واصلة الزوال في عين الانفصال ) . و لعل النغمة الختامية في نهاية النص تقود إلى مكان المنفى الأبدي ، وقد يحمل في الآن نفسه موصوف هذا المكان بعضا من إملاءات الحس الاستفهامي و الاستنكاري لدى الشاعر ، و قد يشكل من جهة مغايرة ثمة محددات جديدة للصورة الدوالية المحفوفة بزمن فضاء قصيدة الفقدان :

إلى أين تمضين عنّي
و أين تراني سألقاكِ ثانيةً . . أين ؟
أين أزورك ؟
في أيّ أرضٍ تنامين
في أيّ أرضٍ ؟ . / ص108

و إذ ينزع الشاعر ( في أي أرض ) هذه المتكررة أكثر من مرة واحدة و إلى آخر النص ، فهو من خلالها يحيا حالة الهيام بالمكان و بصيغ الاستفهام و التمني المضافة احتمالا ، وهي وصفية أخذت تعكس طابع المعاناة داخل حدود التوالد الذاتي و ذاتية توالد ذات النص ليسجل لنا الكاصد من خلالها ، شيفرة حلمه الغثياني بلقاء مع محبوبته في زمن سوف يأتي أو لا يأتي ، و بذلك المستوى و الاصرار على إبقاء ذات الأحساس في أمكانية أمتلاك حذام يوما ما و في مكانا ما ، ولو تحت تلك الشمس الميتة ، ولو على أرصفة ذلك الوطن المفقود و المباع في أسواق الوهم و النسيان :

أمازلتُ أصعدُ ؟
أيّ سماءٍ سأبلغُ ..
أيّ سماء ! . / ص108قصيدة : أصداء

أحدث المقالات