أرسل نبيُّ الإسلام كتابًا الى أسقف نجران، يدعو أهلها فيه إلى الإسلام.. الى كلمة سواء.. الى الحوار والسلام..
لمّا قرأ أسقف نجران الكتاب شكَّل جماعة من الشخصيات البارزة الدينية وغير الدينية للمشاورة وتداول الأمر واتخاذ القرار…
المتشاورون قرَّروا أنْ يبعثوا وفدًا إلى المدينة للتباحث مع النبي، ودراسة دلائل نبوته…
قدمَ الوفد النصراني المدينة ودخلُوا المسجد فسلَّموا على رسول الله عليه فردَّ عليهم السَّلام، و عاملهم بكل احترام…
ثم بدأ الحوار…
النبي يطرح الدليل العلمي الشرعي الأخلاقي على الوفد النصراني.. فأثبت أنَّ: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، لا كما يقول النصارى أنَّه ابن الله..
فقال وفد نجران: إنا لا نزدادُ منكَ في أمر صاحبنا إلا تبايُناً، وهذا الأمر الذي لا نقرّه لك.
النبيُّ يطرح المباهلة…وافق وفد نجران… لكنه في يوم المباهلة انسحب الوفد، حيث قال أسقف نجران: يا معشـر النصارى، إني لأرى وجوهًا لو شاء الله أنْ يزيل جبلًا من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصـراني إلى يوم القيامة…
فقالوا للنبي لا نباهلك ولكن نصالحك…وافق النبي…ليعيش الجميع بسلام…
البشرية اليوم المُعذبة بجحيم التطرف والإرهاب بأمسِّ الحاجة الى هذا النهج الإلهي العلمي الأخلاقي الإنساني لتحقيق العدل والسلام، فبادر الأستاذ المُعلم الى إحياء وتفعيل هذا النهج بعد أنْ ذبحه سكين الجهل والتطرف والغلو والتكفير الذي بات يفتك بالبشرية، فأرسل بحثه الموسوم (مقارنة الأديان بين التقارب والتجاذب والالحاد) الى علماء النصارى وكل علماء الأديان السماوية وأهل الاختصاص يمثل خارطة حوار وفكر وتقارب وسلام يُحملهم فيها أمانة شرعية واخلاقية وإنسانية لتوحيد الجهود من أجل الحوار ومواجهة التطرف وتحقيق السلام…
فقد بين فيه الأستاذ المعلم: « أنّ الكراهية والعنف والإرهاب يضرب في كل مكان ويقع على جميع الاجناس والاعراق البشرية، فالأمر خطير والمسؤولية عظيمة يتحملها علماء الأديان السماوية وأهل الاختصاص، فعليهم أن يدفعوا الاختلاف والتوفيق بين معاني الكتب السماوية التي ظاهرها الاختلاف، فعليهم العمل بإخلاص ومصداقية ومهنية وعقلانية للتقريب بين المعاني والأديان، واعتماد المشتركات والتمكن من تأسيس قواعد ومسائل كلية متقاربة ومشتركة، في العقيدة وأصول الدين، بحيث يقبلها عموم البشرية من النفوس العاقلة المتّزنة، وأن يكون ذلك وفق شروط وضوابط وقوانين لغوية وعرفية بمنهج علمي موضوعي ناضج، ولابد أن تُبذل كل الجهود والمعارف والأفكار من أجل تأسيس منهج وسطي معتدل للحوار والتخاطب والفهم والتفهيم واحترام الناس وافكارهم واختياراتهم، وكل منهم بحسب الأدلة والحجج التي تصل اليه والتي يطلع عليها، ووكل منهم بحسب مستويات عقولهم وأذهانهم وبحسب الظروف والعوامل النفسية والحالة الاجتماعية التي يعيشونها».
إنَّ كتاب النبيِّ الى أسقف نجران ومن ثم المباهلة والتقارب والمصالحة وامتداده الصادق بحثُ (مقارنة الأديان بين التقارب والتجاذب والالحاد) تعدُّدُ أدوارٍ ووحدة هدفٍ ورسالةٌ الهية علميةٌ أخلاقيةٌ إنسانيةٌ تدعو الى كلمةٍ سواء…
تدعو الى حوار الأديان العلمي الشرعي الأخلاقي العملي الصادق… والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمُجادلة بالحسنى ..تدعو الى الاعتدال والوسطية… واحترام حرية الرأي والمعتقد…
تدعو الى بيان وتفعيل الاشتراك والاتحاد بين الأديان وعدم الاختلاف… وأنَّ القرآن والإنجيل والتوراة من أصل سماوي واحد… والإنجيل يُصدِّق التوراة.. والقرآن يُصدِّق الإنجيل والتوراة…تدعو الى أنَّ الأديان عدلٌ ورحمةٌ وسلامٌ… موسى وعيسى ومحمد.. من ولد إبراهيم، رسلُ علمٍ وأخلاقٍ وإنسانيةٍ ورحمةٍ وسلامٍ… مِنَ الله الرَّب السلام..
تعالوا الى كلمة سواء.. المبادئ الإلهية والقيم العلمية والأخلاقية والإنسانية…