ربما نكون محقين عندما نقول ان عبد المهدي هو اول رئيس وزراء معتدل و بعيد الى حد كبير عن التحزب و التوجه المناطقي و الديني و المذهبي الذي كان يتمتع به رئيسا وزراء السابق و الاسبق بعد التغيير في العراق و تسلمهم زمام الامورو هم من عرابي و قيادات الاسلام السياسي و م شهده العراق من التدخلات الشنيعة من دول الجوار و خرق السيادة و سلامة الكيان العراقي دولة و شعبا منذ عقد و نيف دو ان يتمكن هؤلاء من الوقوف الحدي امامهم.
انه رئيس الوزراء الوحيد الذي يعيش و يلمس ما يحتاجه العراق بلدا و شعبا على الرغم من كونه محصور بين مطرقة الضغوطات الخارجية الدولية و الاقليمية و سندان مصالح الاحزاب الضيقة الافق و الاهداف و التركيب و الايديولوجيا و العقيدة، و كيف اصبح العراق لمدة عقد و نيف و هو تحت ظل قيادة تفاجات هي بنفسها بانها اصبحت على قمة هرم السلطة و العرش العراقي الذي اهتز كثيرا و لم يستقر بعد.
بعد فشل الكثيرين من المحسوبين على القيادة العراقية وهم يعلمون بان الصدفة هي التي امكنتهم على نيل المناصب و المواقع التي لم يحلموا بها، انهم دون ان يتذكروا ما انتهى به الدكتاتور العراقي و بعدما تسنموا السلطة لم يعلموا من اين يبدءوا و هم لا يصدقون بما اصبحوا فيه، فانهم سلكوا طرقا لم تتجه نحو الاستقرار للعراق بل عقدوه اكثر من قبل، و بما انهم كانوا ضعفاء و شخصيات تستحق الشفقة من فقر امكانياتهم و خبرتهم و حتى تاريخهم السياسي، فاصبحوا هم في حيرة من امرهم قبل ان يحيروا بادارة البلد لانهم اصبحوا في وحل عدم المعرفة و الخبرة لكونهم لم يستدرجوا السلم بشكل طبيعي او لم يكونوا هم قادة ثورة مخططين بل جاءوا على الساحة الحضارة لهم من قبل الاجنبي. هذا المستجد افاد الدول الطامعة وسهل امرهم و اصبح فرصة سانحة لهذا و ذاك من الدول الشامتة و المتربصة و كانهم لهم حقوق ينتظرون فرصة لنيلها، فان هؤلاء القادة الجدد اصبحوا تحت رهن اشارة المتدخلين بسهولة تامة. و من جهة اخرى انهم كانوا قيادات مفاجئة لاحزابهم الدينية التي كانت مشتتة و التي لم تختلف تحزبهم و العملية السياسية التي اداروها و تركيبة احزابهم عن الاحزاب الاخرى على الرغم من الادعاءات الفارغة من قبل النزاهة و الايثار و التضحية، و حتى يمكننا ان ندعي بانهم الى حدما كانوا حتى شبيهين للبعث و تنظيماته و اداءه الحزبي و تحركاته و توجهاته و مطابقين له في الية تنظيماته و تعامله مع السعب العراقي بكل فئاتهم و مكوناتهم.
اما اليوم و بعد ان جاء عبدالمهدي بعد ابتعاده عن التنظيمات الحزبية و بخلفية مختلفة محسوبة على المستقلين تنظيما، و بعد عمر طويل في العمل الحزبي المختلف الشكل و التركيب وما خاض من النضال، فانه يدرك جيدا الخطا الكبير الذي وقع به من كان قبله و هو يريد ان يتفاداه في سياق توجهاته و سياسته و ادارته الحالية بحيث يريد ان يخرج بين كل تلك الاحراش التي تزرع في طريقه و من التحرشات و المضايقات التي يتلقاه من مَن ضُربت مصالحه من الشخصيات السياسية و الاحزاب المتضررة من فقدانهم لمنصب رئيس الوزراء و من حاول و لم يصل اليه.
خلال هذه المدة القصيرة التي اعتلى فيها عبدالمهدي سدة الحكم، فانه لازال في بداياته و لم يخرج منها و ليس ما يدعي ما يمكن ان يصرخ هؤلاء دون ان يحصلوا على اسباب مقنعة لمحاولاتهم ابعاد عبد المهدي، و لم يقدروا على استغلال اية نقطة ضعف في ادارته لهذه المدة فانهم يتجهون الى تعامله مع الكورد محاولين استغلال الميزانية التي تحتوي على البنود التي تمنعهم من تنفيذ ما فعله المالكي و العبادي من قطع رواتب الموظفين و ارزاق الشعب الكوردستاني بحجج واهية و كان دافعهم التعصب سرا و حججهم سياسيا في العلن. اليوم و بعد استقرار الوضع و العلاقات بين المركز و اقليم كوردستان و بعد كل تلك المخلفات الكبيرة المضرة بحياة الشعب الكوردي الباقية لهذه المرحلة جراء الاخطاء الكبيرة من قادة اقليم كوردسنان من جهة سواء بسبب عدم التنسيق و التعاون بينهم و غرور البعض و الفساد المستشري في السلطة الكوردستانية والعراقية على حد سواء او نتيجة طمع القادة الكورد في ملء جيوبهم اكثر من مصلحة ابناءهم و مستقبلهم او نتيجة تعامل سلطة المركز بعيون ضيقة النظر نابعة من دوافع غير عقلانية. و عليه اصبحت العلاقت هشة بداية على حساب الشعوب و المكونات العراقية كافة و من ثم وصلت الى الصراع السياسي و حتى العسكري في نهاية الامر و هو الآفة التي يعاني منها الشعوب العراقية بكافة مكوناته في تاريخه الحديث، و كلنا على العلم بما جرى و كيف وصلت الحال للبلد منذ انبثاقه لحد الساعة و كيف زرع الاستعمار البريطاني الذي يتدخل اليوم ايضا نبتة الصراعات و الخلافات و العيش بقلق و عدم الاستقرار للمصلحة الاستراتيحية لها، و ما تفرضه اليوم الشركات المسيطرة على السلطات الراسمالية اليوم تعيد ما فعله الاستعمار من قبل بسياسات اقتصادية احتكارية جديدة اليوم.
بعد كل تلك التعقيدات التاريخية و ما جرى فيها و التي توارثها العراق و ازدادت تعقيدا على يد الوصوليين بعد سقوط الدكتاتورية، مع كل تلك التراكمات من الافرازات السلبية المتجمعة من تلك الاوضاع المزرية التي طالت في ظل عدم الامان، فان السلطة العراقية لم تشهد قائدا متميزا يمكنه ان يخرج العراق نهائيا مما ابتلى به على يد من اسسه و من قم بناه بشكل عشوائي بما و احتوى من المكونات التي لا يمكن ان نعتقد بانها تنسجم و تكوّن شعبا موحدا منسجما مطمئنا و مؤمنا ببلدهم و محبا له. انه تجمعات و تراكيب و مكونات لم تعرف لحد الساعة ماهو الوطن و المواطنة و ما هي حقوقهم و واجباتهم، و به لا يمكن ان نجد افضل مما نراه اليوم بشكل اكبر طالما كانت الارضية هكذا و الوضع السياسي الاجتماعي الثقافي ليس باحسن من هذا.
و عليه، فانه لا يمكن ان نستغرب ان يخرج بين فينة واخرى صراخا و عويلا من مَن استبعد عن ما كان يتمتع به من السلطة من ما وفرته له الصدفة على الرغم من انه متاكد بان عبدالمهدي يدير القارب بافضل منه على الاقل. و هذا هو العوق و هذه هي المصيبة التي اصابت العراق بعد السقوط، فانه يعاني من نقص القادة الوطنيين المخلصين النزيهين و المتفهمين لما فيه البلد من المشاكل و القضايا التي تحتاج الى تعامل خاص و عملية سياسية قيصرية ، و يكون افكارهذا القائد نابعة من تحليل الاوضاع فيما مر به العراق و ما يحتاجه من تشخيص امراضه و ردم سعة فجوات بين المكونات و المجتمع العراقي بشكل عام، و ان ما يحتاجه من الحل النهائي القاطع، لان المشاكل و القضايا الكبيرة التي تعقدت لا يمكن ان تُحل بمسكّن مرحلي مؤقت، لو اراد القائد ان يجد حلا نهائيا قاطعا للمشاكل العويصة و ما موجود بين المكونات التي لا يمكن ان تُحل بعاطفة او بعمل و سلطة تسير بدوافع عقيدية حزبية دينية مذهبية التي لا يمكن ان تجد المنفذ و المخرج لكل تلك التراكمات و لا يمكن ان تُحل على من يدعي الاخلاص نظريا بينما طوال حكمه اثبت العكس نتيجة ضيق افق تفكيره و عدم امتلاكه للخبرة و لم يتعلم من التاريخ و لم ينظر الى المكونات بعيون ناظرة و ناضرة بل اختلط عليه الحابل بالنابل نتجية ما سلكه في السطلة و هو يحكم و كانه قائد حزبي عقيدي عسكري و ليس هو من يحكم الشعب الذي يحتوي على المنتمين للاحزاب الكثيرة و المستقلين و اصحاب الافكار و العلماء و المثقفين و شرائح مختلفة، انه لم يتعامل مع القضايا الدولية وفق ما تستوجبه التعاملات الدبلوماسية و الخطوات اللازمة لحفظ حقوق الشعب بعيدا عن استغلال العراق من قبل الاعداء نتيجة ضعفه بعد السقوط.
اذا، فان عبد المهدي وهو يسير بين كل تلك المضايقات و ما ورثه ممن سبقه من المشاكل و التعقيدات، لازال يسير بخطاه، و لكن الاعاقات التي يمكن ان توضع امامه و عقبات شخصية و حزبية وسياسية ربما يمكن ان يعثره قليلا لاننا نعلم بان الشعب العراقي بهذا المستوى الثقافي قد يخدع بادعاءات القادة المصلحيين و نتيجة المصالح التي تجبرهم ايضا على الولاء، فاليوم سمعنا عويلا و اصواتا شاذا يطلق هنا و هناك و بدلا من التشحيع و الدعم و توضيح الامور و اضاءة الطرق المظلمة امام عبد المهدي، فانهم قبل اي شي يريدون تحقيق ما يطمعون وهو منصب رئيس الوزراء فقط كي يفيدو شلة و مجموعة و حزب و عصابة هنا و هناك. اذا المضايقة تاتي فقط من اجل مصالح خاصة دون ان يقدروا ما فيه العراق و الظروف الحالية و دون ان يقيّموا الحكم و دون ان يقارنوه بما كانوا هم عليه و كيف كانت سلطتهم و كانوا سببا لهذا التخلف، و لولا تداول السلطة لكان العراق الان في ضفاف الهاوية.
يجب ان يتعاون الجميع مع عبد المهدي و ان لا يسمع الشعب من جرّبوه و لم ينجح، و تعايشوا معه و لم يقدم شيئا و من فيهم من تلطخ ايديه بدماء مكونات الشعب العراقي و اليوم ينهق و يصيح محاولا عودته دون فائدة. و على الكورد قبل غيرهم ان يقدرّوا وضع عبد المهدي و المضايقات التي يتعرض لها من قبل هؤلاء المتعصبين المذهبيين الذين لم يفكروا يوما بما يجب ان يعيشو يكون الشعب العراقي عليه بكافة مكوناته و ماهي المصلحة العامة و كيف يمكن ان تُدار الدولة المعقدة التركيب و المحتوي على المكونات المختلفة مع البعض بعد طول تاريخهم البائس.