خاص : ترجمة – آية حسين علي :
“علم التخلق” أو “الدراسة اللاجينية”، أو فوق الجينية، إختر ما شئت من المصطلحات فكلها تؤدي إلى نفس المعنى، وهو العلم المعني بفحص التغيرات في تنظيم التعبير الجيني، أي ما يمكن أن يتغير من الجينات، وهو لا يزال يُعتبر من العلوم الحديثة؛ لأن الدراسات التي قدمت بشأنه لا تزال شحيحة ولم تحقق درجة النضج الكافية، ومع ذلك، يمكن استغلاله في السيطرة على مرض “السمنة” وتقليص إحتماليات الإصابة ببعض الأمراض التي تلعب العوامل الوراثية دورًا فيها.
تُعد الجينات جزءًا من الحمض النووي، (DNA)، وتتكون من نوعين، الأول هو: “ما بعد الغينيوم”؛ وهو ما تتوارثه الأجيال خلال فترة الحمل ويمكن تغييره على عكس الشريط الوراثي، “غينوم”، وتتأثر الأنماط الوراثية الظاهرية بعدة أمور، من بينها التغذية والمجهود العضلي وجودة النوم والتعرض لضغوط نفسية والإصابة بالإلتهابات واستخدام بعض المنتجات الكيميائية، والتعرض للأشعة فوق البنفسجية إلى جانب التلوث البيئي.
“علم التخلق” يمكنه تقليص إحتماليات الإصابة بالأمراض..
بحسب ما توصل إليه العلم، حتى الآن، في “علم الوراثة”، فإن عمل الجينات والسلوكيات التي يتبعها الشخص من شأنهما تفسير جزءًا من أسباب الإصابة بـ”السمنة”، بينما يمكن التعرف على الجزء الآخر من خلال العمليات فوق الجينية، كما أن زيادة الدهون في الجسم ترتبط بنشاط بعض أنواع من الجينيات، وتصل أهمية “علم التخلق” إلى حد أنه إذا كان هناك شخصًا ما لديه استعداد وراثي للإصابة بمرض معين، فإنه يمكنه بمساعدة ما توصل إليه العلماء في هذا العلم التأثير بشكل إيجابي من أجل تجنب الإصابة أو تقليل إحتمالياتها، وفي نفس الوقت قد يسهم أي تأثير سلبي في تعزيز قابلية الجسم للإصابة.
وتنتنج السمنة عن زيادة كمية الدهون داخل الجسم، ولها عدة أسباب من بينها العوامل الوراثية والعادات الخاطئة، وتؤدي أيضًا إلى الإصابة بأمراض أخرى، ويُعد هو السبب الثاني للإصابة بـ”السرطان” بعد التدخين.
وكشفت دراسة أجريت على 1100 أم، وأحد أطفالها، أن هناك عادات تمارسها الأم خلال فترة الحمل من شأنها زيادة خطورة إصابة الطفل فيما بعد بـ”سمنة الأطفال”؛ من بينها التدخين أثناء الحمل وزيادة الوزن الشديدة خلال شهور الحمل، ووقف الرضاعة الطبيعية قبل أن يتم الطفل 12 شهرًا، وعدم أخذ الوليد كفايته من النوم، ووجد العلماء أنه كلما أضيف عاملًا جديدًا كلما ارتفعت إحتمالية الإصابة.
التأثير يستمر لسنوات طويلة..
كما كشفت دراسة، أجريت على شعوب “هولندا”، أن فترة المجاعة التي ضربت البلاد وعُرفت باسم، “شتاء الجوع الهولندي”، واستمرت لمدة 9 أشهر، بداية من أيلول/سبتمبر 1944 حتى تحريرها في آيار/مايو 1945، كان لها تأثيرًا بالغًا لايزال مستمرًا، لم يتوقف على المعاناة والتأثير النفسي في نفوس من عايشوه، وإنما أمتد ليتوغل داخل أجساد الأطفال الذين ولدوا خلال تلك الفترة، إذ تبين أن أجسامهم أصبحت غير قادرة على تحمل “الغلوكوز”؛ ومن ثم فإنهم أكثر عرضة للإصابة بمرض “السكري”، ومرض “الشريان التاجي” المبكر، بالإضافة إلى “السمنة” و”الكوليسترول”.
وينتقل المحتوى الوراثي فوق الجيني بين الأجيال، خلال فترة الحمل، وداخل الرحم، إلا أن مهمة تعديله تستمر طيلة الحياة، ومن أجل التأثير بشكل إيجابي عليه من المهم أن يقوم الأبوان بتغيير نمط الحياة وإتباع نمطًا صحيًا خلال فترة التخطيط للحمل، وليس بعد حدوثه، كما يجب على السيدة الحامل إتباع سلوكيات صحية خلال فترة الحمل، ويستمر هذا الأمر ليسير وفقه الطفل الوليد خلال مرحلة الطفولة وحتى البلوغ، إن كل هذه الأمور من شأنها تقليص إحتماليات الإصابة بالسمنة والحد من انتشارها بين الأطفال، لأن أجسامنا تقدر كل مجهود نبذله من أجل الحفاظ على صحتها.
التغذية..
من اللافت أن المحتوى الوراثي اللاجيني يتأثر بشكل بالغ بالتغذية؛ لذا فإن التغذية المناسية والمتوازنة مهمة للغاية، ومن أهم العناصر الغذائية، “حمض الفوليك” وفيتامين (بي 12)، بالإضافة إلى “البيتين” و”الكولين”، لأنها تسهم في وقف نشاط أجزاء جينية ضارة.
ويجب تجنب تناول المنتجات المصنعة أو التي تحتوي على كميات كبيرة من السكر والدهون التقابلية غير المشبعة؛ لأنها ترتبط بشكل مباشر بتنشيط الجينات المضرة للصحة، كما أن الحميات الغذائية التي تعتمد على الإفراط في تناول البروتينات لها تأثير محدود على الجينات المضرة، وعلى الجانب الآخر، تعد “حمية البحر المتوسط” بديلًا مثاليًا، وكشفت دراسة أن إتباع الأم، خلال فترة الحمل، لـ”حمية البحر المتوسط” يقلل من إحتمالية إصابة الطفل بمتلازمة التمثيل الغذائي، (زيادة ضغط الدم وارتفاع نسبة السكر في الدم وزيادة دهون الجسم حول الخصر ومستويات الكوليستيرول غير الطبيعية أو الدهون الثلاثية).