23 ديسمبر، 2024 2:27 ص

كما كانت محورًا للصراع .. هل ستصبح “بغداد” بيدقًا للتقارب بين طهران والرياض ؟

كما كانت محورًا للصراع .. هل ستصبح “بغداد” بيدقًا للتقارب بين طهران والرياض ؟

خاص : كتبت – هانم التمساح :

خطوات دقيقة يقبل عليها “العراق”، في الأيام القادمة، عقب مساعي للتقارب بين “طهران” و”الرياض”، حيث يُعد “العراق”، الذي يتعرض لضغوط مستمرة من طرف “الولايات المتحدة” من أجل الإلتزام بالحصار المفروض على “إيران”، بيدقًا رئيسًا في المنافسة “الإيرانية-السعودية” على القيادة الإقليمية.

غير أن البلد، وهو في خضم مرحلة إعادة البناء، لا يمكنه بأي حال من الأحوال إنهاء تعاونه مع “الجمهورية الإسلامية”. كما يمثل تطوير العلاقات الاقتصادية مع “المملكة العربية السعودية”، ودول الخليج، مصلحة كبرى بالنسبة له.

وبين هذا وذاك؛ يقف “العراق” حائرًا، فهل يصُب التقارب “الإيراني-السعودي” في مصلحة “العراق” ؟.. أم أن طرفي النزاع سيتركونه يواجه تحديات إعادة الإعمار بمفرده؛ بعد أن كان ورقة ضغط مهمة في يد المتنازعين الإقليميين ؟

وطبقًا لـ”كليمان تيرم”، الباحث في برنامج “الشرق الأوسط” في “المعهد الدولي” للدراسات الاستراتيجية؛ يعيش “العراق” نقطة تحول جديدة في تاريخه. في حين كانت هذه الدولة من بين القوى الإقليمية الكبرى، قبل عام 1991، فهي تجد نفسها اليوم، رغمًا عنها مقحمة في التنافس “الإيراني-السعودي” على الزعامة الإقليمية.

وإزدادت الوضعية تعقيدًا مع تصاعد التوترات العسكرية بين “إيران” و”الولايات المتحدة” وتعاظم الخطاب المعادي لـ”إيران” على المستوى الإقليمي؛ الذي تضخمه مواقف إدارة “ترامب” في الشرق الأوسط. حيث يعتمد مستقبل “العراق”، إلى حدٍ بعيد، في مرحلة إعادة الإعمار، على مساعدة ونفوذ القوى الإقليمية، كما هو الحال في كل البلدان ما بعد الحرب.

وإذا كانت “إيران” قد تمكنت من نسج روابط قوية مع “العراق”، منذ العام 2003، فإن “السعودية” كانت غائبة بشكل كبير. وتحاول “المملكة” الآن العودة إلى “العراق” عن طريق دبلوماسية اقتصادية تهدف إلى مواجهة النفوذ الإيراني.

مساعي للتقارب بين طهران والرياض..

وقد أعرب وزير الخارجية الإيراني، “محمد جواد ظريف”، عن استعداد بلاده للحوار مع “السعودية”، مؤكدًا رغبتها في إقامة علاقات جيدة مع دول الجوار؛ رغم “الثمن الذي ستدفعه”.

وقال “ظريف”، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام إيرانية، أمس، خلال لقائه مع الجالية الإيرانية في “السويد”: “عندما كُنت في الكويت قلت للكويتيين إننا مستعدون للحوار مع السعودية منذ الغد؛ إذا كانت هي مستعدة لذلك”، موضحًا أن: “الجانب السعودي كان يؤكد، خلال مراسلاته السابقة مع وزير الخارجية السعودي الأسبق، سعود الفيصل، بشأن العراق وبعض الدول، بأن ظريف لا قيمة له ومشكلة الرياض هي مع الجنرال، قاسم سليماني”.

وأضاف “ظريف”: “لكي تعرفوا أنهم يكذبون، عندما أصبحت وزيرًا، تحدثت إلى قاسم سليماني واقترحنا على، سعود الفيصل، أننا مستعدون للحوار بشأن اليمن والبحرين والعراق وسوريا ولبنان، وأبلغتهم في رسالتي إذا كنتم تعتقدون أنني بلا قيمة فلتتحدثوا مع السيد سليماني”، وتابع قائلًا إن: “سعود الفيصل رد عليه بأنه لا علاقة لكم بالعالم العربي”.

واعتبر وزير الخارجية الإيراني، أن: “الجانب الآخر لا يكترث بمن يحكم إيران؛ سواء كان إصلاحيًا أو محافظًا أو علمانيًا، وأيًا كان من يحكم إيران فهي نقمة كبيرة على إسرائيل، لقد وقف الإيرانيون على أرجلهم لأربعين عامًا، ولهذا فهم غير قادرين على تحمل إيران كما هي”.

طبيعة الصراع وتاريخه..

وفيما يتعلق بإشكالية النزاع القائم بين “السعودية” و”إيران”؛ فهو يقتصر بالنسبة للغرب في غالب الأحيان على الجانب العقائدي بين “الوهابية” و”المذهب الشيعي”، غير أن العلاقات بين الجانبين أكثر تعقيدًا من ذلك وتتعدى النزاع المذهبي.

بيد أن علاقة “السعودية” و”إيران” لا تقتصر على النزاع المذهبي فقط. وينبغي إصلاح تلك الصورة التي تنطلق من أن الصعوبات في العلاقات بين “إيران” و”السعودية” تعود إلى خلافات عقائدية، خصوصًا عندما نرجع إلى تاريخ البلدين الحديثين.

فعندما تشكلا، عام 1920، كان هدف حكامهما، الشاه “رضا بهلوي” والملك “ابن سعود”، العمل بالخصوص على عصرنة بلديهما. وقد تم ذلك رغم مقاومة رجال الدين الإيرانيون والفقهاء في “السعودية”. وساهم ذلك في التقريب بين زعماء البلدين. ففي عام 1929؛ أبرم الجانبان اتفاقية صداقة بينهما. وزادت العلاقات متانة عندما تم – بنفوذ أميركي – في “طهران” تنصيب، “محمد رضا بهلوي”، شاهًا على “إيران”، عام 1941، أي بعد مرور 10 أعوام على نفس التنصيب بالنسبة لملك “السعودية”، في “الرياض”. وقد هدف كلا الطرفان إلى العمل مع “الولايات المتحدة” جنبًا إلى جنب لإضعاف توجهات “القومية العربية”، ذات الصبغة “الاشتراكية” والحد من النفوذ الشيوعي لـ”الاتحاد السوفياتي” في المنطقة.

وبالرغم من مساعي التقارب؛ إلا أن “السعودية” تبدي تحفظها تجاه “الاتفاق النووي” مع “إيران”، وبدأت تنظر بكثير من القلق إلى المستقبل خشية تنامي القوة الإيرانية وهيمنتها على المنطقة، غير أن العلاقة بين القوتين الإقليميتين قد تتخذ مسارًا إيجابيًا لصالح المنطقة ككل.

واستقبلت “المملكة العربية السعودية”، “الاتفاق النووي”، الذي أبرمته غريمتها الشيعية، “إيران”، مع الدول الكبرى، بحذر وشيء من الفتور، إذ تخشى من أن يؤدي الوضع الجديد إلى تقوية نفوذ “طهران” في المنطقة.

وأصبح هذا الاتفاق  بمثابة صداعًا في رأس صُناع القرار في “الرياض”. وبهذا الصدد؛ ألمح الكاتب السعودي، “جاسر الجاسر”، إلى مخاوف بلده من أن الاتفاق سيسمح ببساطة لـ”طهران” بدعم الفصائل المسلحة الشيعية والمتشددين الشيعة في “العراق” و”لبنان” و”اليمن”؛ وكذلك “نظام الأسد”.

وأضاف أن هذا يعني أن “إيران” ستتمكن من مواصلة دعمها للأنظمة الإرهابية؛ ما ستكون له عواقب وخيمة على الدول العربية. وهو ما يُعبر عن وجهة نظر الحكومة “السعودية” أيضًا.

توقعات بنجاح التقارب..

وربط “غسان شربل”، الكاتب في صحيفة (الحياة) اللندنية، بين الاتفاق وتنظيم “الدولة الإسلامية” وقال، إن الخوف المشترك من التنظيم هو الذي دفع “إيران” و”الولايات المتحدة” إلى الاتفاق. وأن: “ثمة رجل ثالث ساهم في إنجاز الاتفاق من دون أن يدعى أو يحضر اسمه: أبوبكر البغدادي”؛ في إشارة إلى زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي أعلن نفسه خليفة.

وبالرغم من تحفظات “الرياض” إلا أن “الاتفاق النووي” قد يفتح آفاقًا جديدة للمنطقة، خاصة وأن “طهران” لها مصلحة في التخلص من سمعتها السيئة، وبالتالي فليس من المُستبعد أن تعتمد سياسة خارجية إيجابية وبناءة، وربما تبني شراكة مع “السعودية” ودول الخليج العربي.

كما أن لـ”السعودية” و”إيران” مصالح مشتركة، فقد يعمل الطرفان على الحد من المد المتطرف، سواء كان شيعيًا أو سنيًا في “العراق” و”سوريا”، وكذلك مواجهة الإرهاب سواء تعلق الأمر بـ”الدولة الإسلامية” أو بتنظيم (القاعدة)، أو القوى الشيعية المتطرفه. وإذا ما تمكن البلدان من إيجاد نهج مشترك يكون إنطلاقة لبناء علاقة ثقة متبادلة، فقد يساهم ذلك في إشعاع السلم والاستقرار في منطقة تكتنز أكبر احتياط لـ”النفط” في العالم. وإذا كانت “الولايات المتحدة” لن تتخلى عن حلفائها التقليديين في المنطقة، غير أنها ستعزز علاقتها مع “إيران” كشريك استراتيجي على المستويين السياسي والاقتصادي.

زيارات مسؤولين سعوديين لبغداد..

وعلى الجانب الآخر؛ تبذل “السعودية” مساعي مكثفة لوضع يدها على “العراق”، وقد جاءت زيارة “عادل عبدالمهدي”، رئيس الوزراء العراقي، لـ”السعودية”، في نيسان/إبريل الماضي، كاختبار جدي لسياسة النأي بالنفس؛ التي تقول “بغداد” إنها ملتزمة بها تجاه أزمات وصراعات المنطقة. وهو ما يسهل مهمة “السعودية”، ويجد “عبدالمهدي” نفسه في موقع صعب كونه؛ من جهة يرغب بتثبيت إقترابه من الفضاء العربي وإظهار الإعتدال في سياسات بلاده، ومن جهة أخرى لا يستطيع كثيرًا الصدام مع حلفاء “إيران”؛ ونفوذها في بلاده، فـ”طهران” ترى في “العراق” الساحة والذراع الأقوى بين فضاء حلفائها، ليس فقط عسكريًا وأمنيًا؛ بل أيضًا اقتصاديًا، كونه قد يساعد في تخفيف ضغط “العقوبات الأميركية” عليها، كزبون لـ”الغاز” و”الكهرباء” وطريق لتأمين العُملات الصعبة، وتسويق باقي منتجاتها.

بمقابل النفوذ الإيراني؛ تحاول “السعودية” أن تستغل ثقلها الاقتصادي، ورمزيتها الدينية والسياسية في المنطقة، لتوفير بدائل أمام العراقيين ربما تغنيهم عن إعتمادهم الكلي على جارتهم الشرقية. أو تشجعهم على وضع حدود لتلك العلاقة لا تؤثر على مصالح بقية جيرانهم العرب.

وهذا ما قد تفسره كمية الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، وعددها 13، التي وقعتها “الرياض” مؤخرًا مع “بغداد”. فيما تخطط أربع شركات سعودية كبرى للدخول في استثمارات في السوق العراقية، هي “أرامكو” و”سابك” و”معادن” و”أكوا باور”.

كما يمكن أن تطرح بديلاً مناسبًا عن “الغاز” و”الكهرباء” الإيراني. وقد عرضت “السعودية” فعلاً مشروعًا للربط الكهربائي المشترك مع “العراق”. فخلال الأعوام القليلة الماضية، كان نقص مصدري الطاقة أحد أبرز محفزات حركة الغضب الشعبي؛ الذي وحّد بصورة نادرة أغلب مكونات الشعب العراقي.

وهنا معلومات متفرقة، لم يتسنى التأكد من حقيقتها، نسبت إلى مسؤولين في الحكومة العراقية، أن “طهران” قد حذرت “عبدالمهدي” من الذهاب بعيدًا في علاقاته مع “الرياض”، وخصوصًا إمكانية توقيع اتفاق الربط الكهربائي مع “السعودية”، الذي يهدد عقود تجهيز الطاقة الموقعة بين “إيران” و”العراق”. وأن الأخير يحاول إمساك العصا من المنتصف للاستفادة جزئيًا من العرض السعودي من دون النيل من مصالح الإيرانيين، فهل ينجح ؟.. كان لافتًا هنا تصريح أدلى به، الأمير “محمد بن سلمان”، الذي يوصف بالرجل المسيطر على إدارة شؤون بلاده، حين قال: “كل إمكانات وخبرات السعودية في خدمة العراق”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة