خاص: قراءة- سماح عادل
في ملف (الحضارة المصرية القديمة)، نواصل قراءة الكتاب الثاني في (موسوعة مصر القديمة) للكاتب المصري “سليم حسن”.
الفن والحرف الدقيقة في العصر الطيني وما بعده..
يؤكد الكتاب على أنه في عصر ما قبل الأسرات كانت بداية ظهور الفن لدى المصريين متمثلة في بعض الصور المنحوتة في العاج، أو على الأحجار الصلبة كحجر البازلت وغيره، وصنع أوان من الفخار والأحجار الصلبة، مما يدل على ذوق فني، ولكن علامات الفن الحقيقي بدأت تظهر في أوائل عصر الأسرات وأخذت في التدرج والرقي بخطوات واسعة، حتى بلغت أوجها في عهد الأسرتين الرابعة والخامسة. وقد أثرت عدة عوامل على الفن في مصر، أهمها البيئة التي نشأ فيها الفن والمعتقدات الدينية التي تحيط بهذا البيئة، والملك الذي يحكم ومدى تشجيعه الفنون والحرف الدقيقة.
فن المعمار..
لم يتبق من المباني التي كان يعيش فيها المصريون شيئا يذكر، وكل المعلومات تنحصر فيما تبقى من مبانيهم الجنائزية، من قبور ومعابد، ولحسن الحظ بنى المصريون هذه المباني في الصحراء بعيدا عن مياه الفيضان، ولذا بقيت محفوظة حتى عصرنا الحالي، أما المباني التي يعيشون فيها فكانت تقام وسط المزارع من اللبن ولذلك كان اختفاؤها محتما.
كان ظهور أول مميزات واضحة لفن المعمار، في خلال عهد الأسرتين الأولى والثانية، انتشار استعمال اللبن في إقامة الجدران، وصنع الأبواب والأعمدة والسقف من الخشب، وهما المادتان اللتان كانتا في متناول المصري، حيث كان طمي النيل يختلط ببعض مواد أخرى وخاصة التبن ويصنع على هيئة قوالب من اللبن صلبة، قاومت عدة آلاف من السنين، كما يشاهد في مدن الأهرام المكتشفة حديثا، ونجد أن القالب منها يبلغ طوله أحيانا 45 سنتيمترا في عرض 25 سنتيمترا، وما يزال باقيا على حالته، وقد بقيت إقامة المعابد باللبن تقليدا متبعا في كل عصور تاريخ المصري، خاصة وأن طبيعة البناء باللبن في جو حار كجو البلاد المصرية لا يمتص الحرارة بسهولة كالأحجار الصلبة.
ثم تم استخدام الحجر الجيري في البناء، ويرجع الفضل في ذلك إلى المهندس “إمحوتب” الذي استعملها في بناية معبدي الهرم المدرج وملحقاته، وكذلك في إقامة قبر “زوسر” أول ملوك الأسرة الثالثة، وقد استعمل “إمحوتب” قطعا صغيرة من الحجر الجيري الأبيض في مبانيه الصغيرة الحجم وفي المباني الكبيرة أيضا.
وفي عهد “خوفو” بدأ المهندسون يستعملون حجر الجرانيت الذي كان يجلب من أسوان، وحجر البازلت بدلا من الحجر الجيري في إقامة الجدران وفي كسوتها، وهذا التقدم في فن المعمار قد استمر في عهد الأسرة الرابعة الذين خلفوا “خوفو”، وفي عهد الأسرة الخامسة ازداد استعمال الجرانيت، وتفنن المصري في صنع الأعمدة منه.
أما كثافة الجدران، وتلك كانت من المميزات الضرورية في أشكال المباني المقامة من اللبن، فقد بقيت على حالها في المباني الحجرية التي سادت في عهد الأسرة الرابعة، وكذلك صنعت من الحجر، في أواخر الدولة القديمة، الأجزاء التي تصنع من الخشب من المباني، كالسقف والأعمدة، وكان المصري يمثل الأبواب المصنوعة من الخشب في الحجر، كما في معبد الملك “زوسر”.
ورغم أن الأهرام في عهد الأسرة الخامسة أصبحت أقل حجما وصلابة في تركيبها، فإن استعمال الأحجار الصلبة كان سائرا نحو الرقي، وخاصة في إقامة الأعمدة وتنوع أشكالها ونقوشها ونحتها، وقد كانت في أسوان مصانع ومدارس لإتقان فن النحت، وقطع الأحجار وتوريدها لمعابد الملوك في هذا العصر، وكانت السفن تشق النيل محملة من أسوان بالأعمدة والشرفات والأفاريز المجهزة لتقام في الأماكن التي أعدت لها. وقد توصل المصري إلى اختراع البكرات لرفع الأحجار الضخمة، وقد عثر حديثا في منطقة الأهرام على بكرة كاملة من حجر الجرانيت تدار بواسطة ثلاثة حبال.
مقابر هذا العصر..
لم يختلف القبر في العصر الطيني عن عهد ما قبل الأسرات، إلا في إدخال بعض التحسينات، فمثلا في عهد الأسرة الأولى أخذ القوم يقيمون قبورهم على شكل حجرات مستطيلة عظيمة الحجم، بالنسبة لقبور ما قبل الأسرات، وقد زادوا قي تنميقها وتجميلها فكسوها من الخارج باللبن، وأحيانا كانت تكسى بكساء ثان من الخشب، وكان يتوصل إلى حجرة الدفن من أعلى أو بواسطة سلم مبني في صلب المقبرة، وهذا الشكل المستطيل للمقبرة قد أطلق عليه العلماء لفظة مصطبة، والمتأمل في الجدران التي تحيط بهذه المصطبة يجد أنها مائلة بعض الشيء، ويلاحظ أنه من أول الأسرة الأولى إلى الأسرة الثالثة كانت جدران المصطبة من كل نواحيها محلاة بكوة على هيئة أبواب، أطلق عليها علماء الآثار “الأبواب الوهمية” أو “الأبواب الكاذبة”، وكانت هذه الأبواب تحذف في المصاطب الصغيرة من الجهة المقابلة للصحراء أي من الجهة الغربية، وأحيانا كانت تحذف من كل الجهات إلا جهة الوادي، وقد انحصر وضعها في الجهة الشرقية فقط منذ الأسرة الرابعة بدون أي استثناء.
أما القرابين فكنت توضع حول جثة المتوفي في حجرة دفنه في عصر ما قبل الأسرات، وأصبحت توضع في حجرات صغيرة أقيمت حول حجرة الدفن في مقابر أغنياء القوم، وكان القبر يغطى بسقف مصنوع من ألواح خشبية ترتكز على كتل عظيمة من الخشب، وفوق هذا السقف كان يقام مبنى من الحصى والرمل مغطى بكساء من اللبن، كما استعملت الأحجار في بناء أجزاء من المقابر كالعتب واللوحة المأتمية.
أما مقابر ملوك هذا العصر فتنقسم إلى نوعين: الأول مبنى باللبن على شكل مصاطب ضخمة تتألف من عدة حجرات، وقد عثر عليها في جهة العرابة ونقادة، وهم لملوك الأسرة الأولى وبعض ملوك الأسرة الثانية، والنوع الثاني عثر عليه في سقارة بجوار أهرام الملك “وناس”، وهي جبانة نحتت في الصخر تحت الأرض وتبلغ مساحتها عدة أفدنة وترجع إلى عهد الأسرة الثانية.
شكل البيوت في هذا العصر..
كان العثور على تخطيط بيوت على اللوحات التي كانت موجودة في المقابر تعويضا عن ضياع هذه البيوت، كانت هذه البيوت بسور ذي شرفات، ومن المحتمل أن المدن كانت مقامة داخل سور من اللبن ذي شرفات، وقد عثر العلماء على قطعة من العاج من عهد الملك “عحا” مثل عليها كوخ من القصب مسقوف بجريد النخل، وكذلك شوهدت أكواخا أخرى من هذا النوع تقريبا منقوشة على رأس دبوس من عصر الملك “نعرمر”، وفي عهد الأسرة الثالثة نجد أن فن بناء المقابر قد تطور تطورا عظيما جدا، خاصة عند الملوك وعليه القوم وأفراد الشعب، ففي أوائل عصر الأسرة الثالثة حل محل القبر الذي يعلوه بناء آخر من اللبن، في عهد الأسرتين الأولى والثانية، بناء آخر من اللبن على شكل مستطيل عظيم الحجم في غالب الأحيان، ويطلق عليه مصطبة.
ويختلف شكل المصطبة في هذا العهد عنها من قبل، فقد أصبح بناء المصطبة مستطيلا وجدارنه من الحجر الجيري المهذب، الذي أخذ ينتشر أما داخل هذا المستطيل فكان يملأ بالحصى وبقايا المباني، وكان أحيانا يبنى في هذا المستطيل بعض مبان باللبن لتمنع شدة الضغط على السور الخارجي الذي يحيط بالمصطبة، ومن ذلك العهد كان لا يقام الباب الوهم ي إلا في الجهة الشرقية، وقد تحتوي المصطبة على أكثر من باب واحد، وذلك حسب عدد من دفن فيها فإذا كانت زوجة المتوفي مدفونة معه في مصطبته أقيم فيها بابان وهميان، وكان في العادة باب الزوجة أصغر حجما من باب الرجل، وجرت العادة أن يكون باب الزوجة في الجهة اليسرى من المصطبة.
وكان الباب الوهمي يصنع من قطعة أو قطعتين فأكثر من الحجر الجيري، وكان يثبت في أصل الجدار الشرقي من المصطبة، وكان الغرض منه إرشاد القرين أو الروح المادية “الكا” إلى المكان الذي وضعت فيه الجثة، أي حجرة الدفن لتنضم إليه بعد الموت، إذ بها كان المتوفي يحيا ثانية في القبر، وكان الباب الوهمي في بادئ الأمر خاليا من كل نقش، ثم كتب عليه اسم المتوفي، وبعد ذلك نقشت عليه صلوات دينية وتضرعات للمتوفي، وبعد ذلك تدرج فرسم عليه المتوفي وزوجته وبعض أفراد أسرته، وخاصة الابن الأكبر الذي أخذ يلعب دورا هاما في تقديم القرابين لوالده منذ الأسرة الرابعة، وفي النهاية يرسم في الجزء الأعلى من الباب الوهمي المتوفي وحده، أو هو وزوجته وامامه مائدة قربان صور عليها كل ما لذ وطاب من أنواع المأكولات والشراب.
وخلف هذا الباب الوهمي كان يوجد البئر الذي يؤدي إلى حجرة الدفن، وكان يصل عمقه أحيانا إلى نحو أربعين مترا، وهذه الآبار كان الجزء العلوي منها مبنيا بالأحجار إلى أن يصل إلى الصخر فينحت فيه إلى العمق المطلوب، ثم تنحت في نهاية حجرة الدفن في إحدى جوانب البئر، وكانت مساحتها تختلف حسب مقدرة المتوفي، وكان يدفن المتوفي أما على رقعة الحجرة مباشرة، أو في تابوت من الحجر الجيري أو الجرانيت، وكان يوضع حول هذا التابوت كل الأثاث المأتمي الذي كان يظن المتوفي أنه في حاجة إليه في آخرته، وكان وضع الأثاث المأتمي يتوقف على المعتقدات الدينية لصاحب المقبرة، وكان البئر يملأ بعد الدفن بالبقايا المتخلفة من نحته بالإضافة إلى أن حجر الدفن كان يسد بابها بأحجار ضخمة.
كان أقارب المتوفي يجلسون أمام الباب الوهمي عند زيارتهم له في أيام الأعياد والمواسم، ومعهم القرابين التي كانوا يضعونها على مائدة القربان مصنوعة من الحجر، ثم مع التقدم المعمار والمدنية بنوا حجرة للجلوس ولتقديم القربان في صلب المصطبة. ولما كان المصري يعتقد أنه سيحيا حياة أخرى في القبر مماثلة لحياته الأولى، أراد أن يمثل كل ما كان يتمتع به في الدنيا على جدران هذه الحجرة، التي كانت في الأصل لوضع القرابين وجلوس أقاربه، فأخذ يعتني ببناء هذه الحجرة ثم أخذ ينقش على جدرانها كل مظاهر الحياة اليومية، ثم أخذ يضيف إليها حجرات أخرى، حتى أن واحد من الأغنياء كانت مقبرته تحتوي على أكثر من ثلاثين حجرة وخص كل منها برسوم معينة.