23 نوفمبر، 2024 3:44 ص
Search
Close this search box.

النظام النيابي .. والعملية السياسية في العراق

النظام النيابي .. والعملية السياسية في العراق

( تنويه : كل كتاباتي ومقالاتي وأعمدتي الصحفية وحواراتي المنشورة عبر مختلف وسائل الإعلام لا تمثل ألبته آرائي وتوجهاتي الخاصة.. بل هي استقراء للواقع بشكل موضوعي وعلمي مستنداً على المعلومات الحقيقية.. لذا اقتضى التنويه).

ـ الأنظمة الديمقراطية النيابية :
الديمقراطية النيابية:
هي نظام سياسي يصوت فيه أفراد الشعب على اختيار أعضاء الحكومة.. الذين بدورهم يتخذون القرارات التي تتفق ومصالح الناخبين.. وتسمى بالنيابية لأن الشعب لا يصوت على قرارات الحكومة.. بل ينتخب نواباً يقررون عنهم.. وقد شاع هذا الشكل من الحكم الديمقراطي في العصور الأخيرة.. وشهد القرن العشرين تزايداً كبيراً في إعداد نظم الحكم هذه.. لهذا صار غالبية سكان العالم يعيشون في ظل حكومات ديمقراطية نيابية (وأحياناً يُطلق عليها “الجمهوريات”).
وبالإمكان تقسيم الديمقراطيات إلى ديمقراطيات ليبرالية (حرة) وغير ليبرالية (غير حرة).
فالديمقراطية الليبرالية: شكل من أشكال الديمقراطية تكون فيها السلطة الحاكمة خاضعة لسلطة القانون ومبدأ فصل السلطات.. ويضمن دستور الدولة للمواطنين (وبالتالي للأقليات أيضاً) حقوقاً لا يمكن انتهاكها.
أما الديمقراطية غير الليبرالية (غير الحرة): فهي شكل من أشكال الديمقراطية لا توجد فيها حدود تحد من سلطات النواب المنتخبين ليحكموا كيفما شاءوا.
في الأنظمة الديمقراطية النيابية (البرلمانية) تكون السلطة التنفيذية بيد رئيس الوزراء.. الذي يمثل الشعب.. فأصبح منصب رئيس الوزراء يأتي من خلال الانتخابات العامة.. ولم تقيد الدول الديمقراطية النيابية التقليدية عدد ولايات رئيس الوزراء.. بل إن رئيس الكتلة الفائزة بأعلى المقاعد النيابية يكون هو رئيس الوزراء مهما كان عدد الدورات الانتخابية.
بعد الحرب العالمية الثانية.. والتطورات التي طالت كل شيء في الحياة.. شعرت الشعوب والدول إن استمرار فوز حزب معين يعني إن الحكم الديمقراطي قد يتحول إلى حكم شبه وراثي.. إضافة إلى إن الأنظمة السياسية لابد أن تجدد شخصية رئيس الوزراء.
فكانت أول الدول النيابية الديمقراطية فرنسا التي قيدت هذا النص بجعله لثلاث مرات.
أما بريطانيا فبعد الحرب العالمية الثانية.. أصبح عرفاً قانونياً تجديد انتخاب أفضل رؤساء وزاراتهم لمرة واحدة (أي إنها حددتها بولايتين).
فيما الديمقراطيات النيابية الحديثة كتركيا وروسيا مثلا فثبتت في دساتيرها لدورتين فقط.
ومع ذلك مثل هذه الدول بدأت أحزابها أو شخصيات رؤساء وزاراتها.. ترشح لمنصب رئيس الجمهورية (البروتوكولي) لتستمر في السلطة.. وبالتالي لتستمر علاقتها بجماهيرها من خلالها مشاركتها بالحياة العامة.

ـ العملية السياسية في العراق:
الديمقراطية التي جاء بها الأمريكان للعراق لم تكن مقبولة من غالبية العراقيين.. وبعبارة أدق من عراقيي الداخل.. وهم غالبية الشعب.. خاصة إن القوات الأمريكية منذ احتلالها العراق تركت مؤسساته الحيوية ومعسكرات الجيش وسلاحه تماماً.. وركزت وجودها في وزارة النفط والبنك المركزي فقط ..
وبالتالي جرى تدمير للبنى التحتية للبلاد.. وسرقة كل شيء بدعم وتشجيع القوات الأمريكية.. وما تبع ذلك أيضاً من فتح حدود العراق على مصراعيها.. ودخول القاعدة (الابن الشرعي للولايات المتحدة الأمريكية) الى العراق.. والبدء بعملياتها الإرهابية.
ثم أقامت أمريكا (العملية السياسية العرجاء في العراق).. وأشرفت بشكل مباشر على كتابة الدستور.. ليكتب بشكل مبهم.. ووضع قنابل موقوتة في العديد من فقراته.. وخلق الفيدرالية غير المتوازية.. ونظام نيابي لا يشبهه نظام في العالم ..
وإقامة دولة المكونات بدل دولة المواطنة.. كل ذلك قامت به أمريكا عن دراية وسبق إصرار.. ليكون العراق ضعيفاً تسوده القلاقل والفوضى.. وتكون أمريكا هي سيد الموقف وحلال مشاكل العراق.. لهذا ابقوا وما زالوا جيش العراق ضعيفاً مهما بلغ من قوة …………….
ليست الفيدرالية نظاما معيباً.. وليس نظاماً لم يعمل به.. لكن النظام الفيدرالي في العراق أعطى فيدرالية إقليم كردستان قوة دستورية تكون هي بالند للعراق الاتحادي وأقوى من ذلك.. وإذا حدث اختلاف بين دستور الدولة ودستور كردستان.. فدستور كردستان هو الذي يطبق.. عندما حصروا أعمال الدولة الاتحادية وأطلقوا صلاحيات الإقليم.. وزادوا من ذلك إن هذه الحالة لكردستان فقط وليس لأي إقليم جديد …………………….
وجاء الحكام العراقيون الجدد ليدخلوا في مستنقع الدستور.. والكل لا يستطيع حل شيء وستستمر الحالة وأي تغيير جذري يعني انفصال كردستان.. ومن ثم تعم الفوضى كل العراق.. وهذه هي (الفوضى الخلاقة) التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية للعراق وقبلها العراق بفرح غامر..
ـ الديمقراطية .. والدستور العراقي :
أخذ الدستور العراقي لعام 2006 الحالي النافذ بالنظام الديمقراطي النيابي.. لكنه لم يقيد عدد ولايات رئيس الوزراء.. ويبدو إن المشرعين اعتقدوا انه يمكن تعديل هذه الفقرة إذا وجد إنها تتطلب تقيدها بدورتين أو أكثر.. لكن الاشتراطات التي وضعت في تعديل الدستور شديدة.. وقد يستحيل تعديل الدستور العراقي.. وهي مشكلة كبيرة ومعقدة …………..
وكان يمكن أن لا تشكل مشكلة في حالة استطاع رئيس الوزراء جعل سياسته ونشاطاته تنسجم مع الدستور تماما.. والإيفاء بالتزاماته وبتعهداته واتفاقاته مع الشركاء.. لكن مسيرة السيد المالكي أثبتت منذ البداية عدم التزامه بأي اتفاق أو تعهد مثال ذلك :(اتفاقيتي اربيل الأولى والثانية.. وعدم تعين وزيري دفاع ووزير داخلية.. وعدم تشكيل المجلس الأعلى للاستراتيجيات التي تم الاتفاق ليكون أياد علاوي رئيسا له.. ومشكلة رواتب البيشمركة.. عدم حل مشكلة الإعتصامات في الأنبار في بدايتها لتتوسع وتتحول بيد الجماعات الإرهابية ………….. والقائمة تطول …………..
كذلك حالة الاستفتاء في إقليم كردستان وما أدى الى إعادة الاوضاع بيد الحكومة الاتحادية وفق الدستور..
كذلك الحالة والتخصيصات المالية لإقليم كردستان في موازنة 2019 وعدم التزام الإقليم بتسليم 250 ألف برميل يومياً الى الحكومة الاتحادية.
ـ وترك الحكومات الاتحادية المشكلات الخطيرة وعدم حلها مثل : البطالة.. الإسكان.. الفقر.. تركات النظام السابق خاصة الإهمال الكبير في المحافظات الجنوبية.. الفساد والتزوير.. والقائمة تطول ………… وطبيعياً إن اخطر ما في سياسة المالكي هي : سياسة تخوين المقابل.. وهي أخطر وأسوء سياسة.. ولا تحل المشكلات بل تعقدها.. وهكذا بدأت المطالبات والدعوات من جميع الكتل السياسية بعدم تجديد ولاية المالكي لرئاسة الوزراء.. وحيث انه لا يمكن تعديل الدستور وتقيدها دستوريا.
كان الفيصل بذلك هي الانتخابات النيابية العامة التي فازت بها دولة القانون مرة ثالثة.. على الرغم من كل الملاحظات التي قيلت بشان الدعاية الانتخابية والتجاوزات وشراء الأصوات وغيرها من طعون اتهمت دولة القانون بممارسته.

التغييرات التي فرضها الواقع :
إن رفض كل الكتل السياسية الكبرى الولاية الثالثة للمالكي أدت الى اختيار حيدر ألعبادي القيادي في حزب الدعوة الإسلامية والكادر في كتلة دولة القانون رئيس وزراء وفق اتفاق سياسي يشكل قنبلة مؤقتة ..
المهم فرض الواقع إجراء إصلاحات كبيرة (سياسية واقتصادية ومحاربة داعش).. وإعلان ألعبادي خطة إصلاح بدأت بتعديل وزاري ومكافحة الفساد.. وحصل ألعبادي على تفويض المرجعية الدينية والشعب ومجلس النواب.
لكن ألعبادي أخفق في إجراء أي تغيير يذكر بل أصبحت الكتل السياسية أكبر منه.. ووصل الأمر الى انه لا يستطيع إقالة موظف والأمثلة كثيرة: (إقالة أمين بغداد نعيم عبعوب.. أو إقالة وزيرة الصحة عديلة حمود.. أو إعفاء مدير عام صحة الكرخ) .. وفشل ألعبادي في الإصلاح فشلاً ذريعاً.. في سياسته الإصلاحية.. وأصبحت الكتل أقوى منه.
ـ لتبرز لنا الانتخابات النيابية العام 2018 أوضاعاً جديدة وشكلت حكومة عبد المهدي ليست على أساس الكتلة الأكبر .. بل اتفاقات .. وتجسدت المحاصصة بأجلى صورها حتى.. حكومة ضعيفة قضت سنة بلا أي إصلاح ولا تحقيق 1% من برنامجها.

نستخلص مما تقدم :
إن العملية السياسية الحالية في العراق لا تشكل نظاماً نيابياً حراً.. بل نظاماً مشوهاً.. فهو لا يقيم الديمقراطية الحقيقية أولاً لأنه:
ـ لم يقم على أساس نظام المواطنة .. بل على أساس المكونات.
ـ وجود ميليشيات لكل الكتل السياسية.. فهو ليس نظاماً مدنياً أولاً.
ـ ونظاماً قائماً على القوة العسكرية لهذه الكتل..
ـ لم يستطع.. ولن يستطع تحقيق أهداف الديمقراطية النيابية.. وهي:
1ـ تحقيق مبادئ الحرية والعدالة والمساواة.
2ـ تحقيق الأمن الشخصي والاجتماعي والاقتصادي.
3ـ ترسيخ قيم الصدق والأمانة والتعايش السلمي.
4ـ مشاركة الشعب في اتخاذ القرار.
5ـ احترام المال العام والمحافظة عليه.
6ـ احترام حقوق الإنسان والمحافظة عليها.
7ـ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات.
كل ذلك دعا بعض الكتل السياسية الى إقامة النظام الرئاسي.. ليس الهدف منه تحسين أوضاع العراق.. بل للاستحواذ على السلطة بلباس جديد.. إذن ما هو النظام الرئاسي وما هي إيجابيات وسلبياته؟ وهل يفيد العراق في هذه المرحلة ؟؟؟؟؟ هذا ما سنناقشه في الحلقة المقبلة ..
(ملاحظة) : انتظروا مقالتنا المقبلة : (النظام الرئاسي.. والعملية السياسية في العراق)

أحدث المقالات

أحدث المقالات