ينفرد الشعب العراقي عن بقية شعوب العالم بتقديسه للحزن كنوع من المواساة وتسلية للروح في اوقات المصاعب والازمات بل امتد ليشمل حتى الافراح . ولعل وراء هذه الظاهرة عوامل عديدة ساهمت في بلورة الحزن كظاهرة لا تفارق المجتمع العراقي واصبح سمة تؤطر كل مفردات الحياة ،وان تفاوتت درجات الحزن من منطقة لاخرى حيث نجد مداها اوسع واعمق في الجنوب لتخف حدتها كلما اتجهنا شمالا . لماذا تجذر الحزن في ربوع العراق ؟ اذاً لابد من وجود قاعدة مهدت في تكوين هذه الظاهرة التي تنعكس في ملامحها تصرفات العراقيين كالملابس والغناء والعادات والتقاليد . لو تعقبنا اسباب ظاهرة الحزن يمكن ان تكون عوامل مشتركة يصعب فصلها عن بعضها البعض وان اختلفت في مدى تاثيرها هي من اوجدت الحزن ،منها :
1- العامل التاريخي : حيث تشير المصادر حول ظاهرة الحزن بأنها ذات جذور سومرية جاءت من خلال الاناشيد والتراتيل الدينية التي كانت تقام ضمن طقوس المعابد والتي تخاطب الالهة بنبرة حزن وخضوع طلبا للمغفرة والعطاء والرحمة .
2- العامل الديني : وهو صاحب التأثير الاكبر على حياة العراقيين خصوصا واقعة الطف واستشهاد الامام الحسين (عليه السلام) في كربلاء والاحداث التي جرت على اهل البيت (عليهم السلام )فقد اصبح الحزن العاشورائي والسواد رمزا ضد الظلم والاضطهاد والثورة .
3- العامل الاجتماعي : وهو ذو طبيعة مركبة ومتداخلة ساهمت في بلورتها لاسباب منها الموت الذي يأتي من خلال الامراض والاوبئة والعادات التي تحارب العشق وغيرها .كل هذه العوامل جعل العراقي يتجه نحو الغناء والشعرالحزين والتوشح بالسواد حيث العباءات السوداء واحيانا يلجأ البعض الى اسلوب العراضة ولنعي الميت بل ان الحزن في الجنوب يضرب به المثل ” حزن معدان ” وهم سكان الجنوب الذين اذا فقدوا شخصا لايظهر منهم سوى عيونهم حزنا وتأثيرا.
4- عامل الطبيعة : ولعل للكوارث الطبيعية من فيضانات وامطار عزيرة وقحط دورا في تعزيز مفهوم الحزن على ما فُقد من بشر وثمر وحيوان.
5- التفاوت الطبقي : سيطرة الاقطاع على مجريات الامور في عالم الفلاحة وجعل الغالبية العظمى من الفلاحين يعانون من التسلط وضياع الجهد ولد ردود افعال تظهر على شكل مواويل وقرض الشعر وهو اسلوب للهروب من الواقع المرير.
6- الحنين الى الاوطان : استوطنت العراق قبائل عربية انحدرت من شبه الجزيرة العربية حيث ولد ذلك نوعاً من الحنين الى الاوطان السابقة ومرابع الصبا واطلال الحبيب .
7- طبيعة الارض : اغلب ارض العراق عبارة عن سهل منسبط مع مسطحات مائية تعرف بالاهوار . هذا التكوين الطبوغرافي ساهم في تعزيز مفهم الحزن عكس المنطقة الجبلية حيث المرح والفرح هما السمعة الطاغية على سكانها من خلال الغناء والرقصات والملابس الزاهية .