13 فبراير، 2025 1:32 ص

المقاومة الناعمة العراقية تجاه القوة الناعمة الإيرانية في العراق

المقاومة الناعمة العراقية تجاه القوة الناعمة الإيرانية في العراق

إعداد/ وسام ناظم الخيكاني
دكتوراه علوم سياسية

أولاً / مفهوم المقاومة الناعمة
أن المقاومة هي مجابهة القوة بالقوة ، صمود في وجه المهاجم ، والمقاومة هي القدرة على تخفيف مفعول قوة موجهَ ، مثلاً منظمة عسكرية أو شبه عسكرية تشن على العدو المحتمل حرب عصابات في المدن وخارجها ( مقاومة شعبية ) .
كما هو معروف فأن أستخدام القوة العسكرية الصلبة من قبل دولة تجاه دولة أخرى ، فأن المقاومة بالتأكيد ستكون بالقوة الصلبة المقاومة الصلبة ، أي عندما أحتل العراق في عام 2003 ، من قبل الولايات المتحدة الامريكية ، من خلال القوة الصلبة ، بأستخدام القوات المسلحة البرية والجوية والبحرية ، وتوجيه الصواريخ المدمرة والاسلحة الثقيلة والرشاش والطائرات والمدافع ، فأن المقاومة لهذه القوة يكون بطريقة مقاومة صلبة بالرد على المحتل أيضاً بالطائرات والمدافع والصواريخ .
أما المقاومة الناعمة فهي مصطلح حديث جداً لم يتم تداوله بشكل واسع الى الان ، وأن المقاومة الناعمة هي تكون ناعمة في الظاهر وخشنة في المحتوى بسبب الاثار التي تحدثها في المقابل ، أي موجه للقوة الناعمة ، إذ يحتاج في المقاومة الصلبة فقط الى شخص ( الجندي ) أن يحمل السلاح ويرد بالمقابل ، دون النظر الى مستواه الثقافي والعلمي ، أما في المقاومة الناعمة فأنه يحتاج الى الشخص الواعي المثقف الذي يحمل مستوى علمي معين ، يعرف ما هي القوة الناعمة وما هي أدواتها ، وكيف تم أستخدامها من قبل الطرف الموجه لها ، وما هي أثارها ، وكيف يمكن الوقوف أمامها ومقاومتها .
ان استخدام اساليب وادوات وطرق المقاومة للقوة الناعمة الموجهة من المقابل بعيدة عن الجانب العسكري يمكن ان ننعتها بالمقاومة الناعمة، وكأن ايقاع الكلمة لا يدلل على خطورة استخدامها ولا تأثيرها الكبير على القوة الناعمة الموجهة ، فمضمون النعومة لا يخدش وإن خدش لا يؤذي في الظاهر ، ولكنها في الاطار الوطني والسياسي قد تكون أخطر واقوى بكثير من القوة والمقاومة العسكرية البحتة، فمثلاً حالة المقاطعة الاقتصادية والسياسية والثقافية والاكاديمية وكل المجالات التي تندرج تحت بند مواجهة الحرب الناعمة يمكنه أن يهز أركان الموجه لهذه القوة بفعالية أكبر من أي ضربة عسكرية، في المقابل استخدام الدبلوماسية والمقاومة الناعمة قد يحقق النتائج المطلوبة التي لا تحققها المقاومة الصلبة .
إذ تكون المقاومة الناعمة لأدوات القوة الناعمة الثقافة ، من خلال الاحتفاظ والتمسك بالأرث الثقافي للبلد المستهدف ، والابتعاد عن الاعجاب المفرط بالثقافات الاخر والتمسك بها ، على حساب ثقافتنا العراقية ، إذ على الشعوب أن تحتفظ بهويتها الثقافية، لاسيما معرفة الاهداف الحقيقية للسياسة الخارجية للدول تجاه البلد المُستهدف بالقوة الناعمة ، إذ أن هناك الكثير يعتقد بأن السياسة الخارجية الإيرانية تجاه العراق هي بدافع المذهبية والدين الاسلامي وحماية العراق ، ولكن الحقيقة هي العكس فأن السياسة الأيرانية تسعى الى إن يبقى العراق ضعيف كما موضح في الفصول السابقة ، وهدفها الاول هو المصلحة القومية الفارسية ، كما أن أغلب الشعوب العربية متأثرة بالقوة الناعمة الامريكية وتعتقد بأن النظام السياسي الامريكي والديمقراطية والحرية الامريكية ، بأنه النظام الامثل ويطالب أغلب الشعوب العربية بتطبيقه في بلدانهم ، بالرغم انه لاينسجم مع الواقع العربي لا من الناحية الاجتماعية ولا الناحية الدينية ولا الثقافية ولا الواقعية لأن الديمقراطية والحرية في ظل انخفاض المستوى العلمي والثقافي والجهل بالقوانين تتحول الى فوضى ، إي لايمكن أن تنجح التجربة الامريكية في كل البلدان .
ثانياً / المقاومة الناعمة العراقية

ليس ما يحدث في العراق بعد عام 2003تطوّرا عاديا بأي مقياس من المقاييس. يشهد هذا البلد العربي المهم الذي يعد أحد الأعمدة التي قام عليها النظام الإقليمي منذ انهيار الدولة العثمانية قبل مئة عام تغييرا في المزاج الداخلي لا يمكن إلا أن تكون له انعكاساته على التوازن في المنطقة كلّها، بل ما هو أبعد منها، في أساس التغيير، ذلك التحوّل في المزاج الشيعي الذي بدأ يكتشفه زوّار بغداد، والذي يمكن تلمسه من سكانه الشرفاء يعبّر عن هذا التحوّل الرفض الشعبي، خصوصا في الأوساط الشيعية، لأن يكون العراق جرما يدور في الفلك الإيراني، هناك بكلّ بساطة روح وطنيّة عراقية عادت تظهر من جديد، كان أفضل تعبير عن تلك الروح في الماضي القريب الدور الذي لعبه شيعة العراق في منع إيران من الانتصار في حرب السنوات الثماني بين 1980 و1988، وهي حرب انتهت بشبه انتصارعراقي أضاعه صدّام حسين عندما اعتقد أنّه أصبح في استطاعته احتلال الكويت عام ( 1990 ) ، أقدم على تلك الحماقة، التي هي مغامرة مجنونة أكثر من أي شيء، غير مدرك لما سيترتب على فعلته. أصدر عمليا حكما بالإعدام في حقّ نفسه مُدخلا العراق في نفق مظلم، بدل التفكير جدّيا في استغلال الفرص المتاحة أمام بلد صدّ شعبه الأطماع الإيرانية ، ووقف العراق بفضل جميع مكوناته سدّا منيعا طوال ثماني سنوات في وجه رغبة روح الله الخميني في “تصدير الثورة” التي قضت على نظام الشاه إلى خارج حدود إيران .
إنّ من المقاومة الناعمة العراقية هو نفوذ السيد (علي السيستاني ) ، في العراق وخارجه هو ما قد يقلق إيران بنوعٍ خاص ، فهو رجل الدين الأكثر احتراماً بين العراقيين الشيعة وقد توطّدت علاقته بشيعة إيران بشكل وثيق بعد سقوط نظام صدام حسين وإعادة إحياء الصلات بين العراقيين والايرانيين منذ عام2003 ، يعتبر حوالى 80 في المئة من شيعة العالم أنّ السيستاني هو قائدهم الديني ، ينشط السيستاني في السياسة العراقية وهو ليس بالتالي رجل دين”مسالماً” وبعيداً عن السياسة، ممن يتحاشون تدخل رجال الدين في شؤون الحكومة ، كما أنه ليس من مؤيّدي ولاية الفقيه. وتتمتع أحكامه الدينيّة كما تفضيلاته السياسيّة بتأثيرٍ مباشرٍ ليس على النفوذ الإيراني في العراق فحسب، وإنما أيضاً على سلطة الدولة الإيرانيّة ضمن أراضيها، وتعاني إيرا ن الأمرّين من أجل بسط نفوذها الديني في العراق بسبب رأي عامّة الشعب العراقي السلبي تجاهها وبسبب نفوذ السيستاني الكبير في العراق الرافض لنقل التجربة الإيرانية في الحكم الى العراق ، لاسيما رفضه للدور الإيراني السلبي في العراق ، وتنشط المؤسسات الدينية الإيرانيّة وشركات البناء في تشييد المدارس الدينيّة والجوامع والعيادات الطبية في بغداد والنجف والمراكز الشيعيّة الأخرى للتأثير في الرأي العام العراقي .
في حين لا تحاول الحكومة الإيرانيّة استبدال السيستاني، إلاّ أنها تحاول دعم رجال دين محليين أقلّ شأناً للحدّ من نفوذه، من ناحية، وللاستعداد لملء الشغور عند وفاة آية الله الذي شاخ في العمر، وأفضل مثالٍ على ذلك هو السيّد محمد طباطبائي، بصفته نائب رئيس مجموعة جهاديي عصائب أهل الحق، ينشر طباطبائي فلسفة النظام الايراني ، في الحوزات العراقية ، إلى ذلك، يبدو أنّ إيران تجهّز آية الله هاشمي الشاهرودي الإيراني ، البالغ من العمر 65 عاماً ليكون آية الله الذي يخلف السيستاني على النجف بعد موته ، ولد الشاهرودي في العراق وترأس النظام القضائي الإيراني وكان من كبار قياديي المجلس الأعلى للثورة الإسلاميّة في العراق وهو قريب من آية الله خامنئي وقد يحاول تحويل النجف إلى مركز ديني أكثر نشاطاً على الصعيد السياسي تحت نفوذ مدينة قم ، في تشرين الأول 2011 ، فتح الشاهرودي مكتباً في النجف وعيّن إبراهيم البغدادي مسؤولاً عنه ،وقد كانت المرة الأولى ،التي يضع فيها شخصٌ إيرانيٌّ ذو شأن ومقرّبٌ من النظام خطّةً للإنتقال ، من قم إلى النجف ، وقام الشاهرودي بإرسال معلّمين عراقيين في الحوزات من قم إلى النجف تحضيراً لوصوله ، كما حاول جذب تلاميذ السيستاني عبر إعطائهم منحاً أعلى ومزايا أفضل من تلك التي يقدّمها لهم منافسه .
فما زالت الأوساط الشعبية الشيعية العراقية، بوجهٍ خاص والعراقية بوجه عام ، لا تنظر بعين الارتياح إلى الطبقة السياسية الحاكمة الموالية لإيران، وتعتبرها نتوءاتٍ ناشزة انتهازية خارجة عن المألوف، وحلالٌ مقاومتُها ومحاصرتها ومعارضتها والعمل على إسقاطها والتخلص من فسادها وعمالتها المستهجَنة، خصوصا في أوساط المثقفين والأجيال الشابة الجديدة المتفتحة المتطلعة إلى حضارة القرن ومكاسبها الإنسانية التي لا تعد ولا تحصى أسوة بما هو قائم في الدول المجاورة، وفي دول العالم الحرة المتقدمة التي تحترم نفسها، وتعمل بجدية ونزاهة ووطنية، من أجل أن تؤمن لمواطنها الحر كامل الحرية والكرامة والرفاه ، ومن يدقق في نشاطات المثقفين العراقيين ، وإبداعاتهم، وفي تحركات مجمعات الشبيبة وتظاهراتها التي تبدو، في أغلبها، غير سياسية، ومحصورة في المطالبة بتوفير الخدمات المفقودة، ومعالجة البطالة، ومحاربة الفساد، يدرك أن قاع المجتمع العراقي ما زال نقيا لم يتأثر بالوجود الإيراني القادم من كهوف الخرافة والطائفية والتعصب العنصري المقيت، ولم يفقد روح المقاومة المتأصلة فيه، رغم كل الجهود المضنية التي بذلها القادة الإيرانيون ووكلاؤها العراقيون طيلة السنين الماضية .
إذ أن هناك الكثير من الكتاب والمثقفين والاكاديمين العراقيين ، تصدى أغلبهم لهذه القوة الناعمة الإيرانية بأدواتها الثقافية والفكرية والاقتصادية، والتي يقع على عاتقهم المسؤولية ، من خلال إيضاح خطورتها ، الثقافية والفكرية والسياسية على المجتمع العراقي ، والتحذير من انتشارها في العراق ، والدعوة الى المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الاستهلاكية الإيرانية التي تقع الضرر الكبير في المنتج المحلي ، لاسيما تأكيدهم على أن بغداد من المستحيل أن تصبح طهران أو قم ثانية ، العراق يتكون من مزيج من الاديان والقوميات والمذاهب ويحترم كل الاديان والقوميات ، ولايمكن أن يكون العراق لون واحد لادينياً ولاقومياً ولامذهبياً ، إذ توجه هؤلاء النخبة من الاكاديمين الى ألقاء المحاضرات وكتابة المقالات وتأليف الكتب ، وبعضهم قتل بسبب ذلك أو تم تهديده من قبل الجماعات المسلحة في العراق .

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة