في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي اتفق العراق والسعودية على مد خط أنبوب نفطي عراقي يمر عبر الأراضي السعودية.. ويربط منشآت النفط العراقية في الجنوب بمصب قريب من ميناء ينبع السعودي على البحر الأحمر..
والحقيقة إن إنشاء هذا الخط كان جزءاً من سياسة العراق آنذاك.. لتوفير منافذ تصدير للنفط العراقي على البحر الأحمر.. ينبع.. وفعلاً أستكمل هذا الأنبوب.. وبدأ تصدير النفط العراقي منه في أيلول العام 1989.. وتقدر طاقته بنحو 1.65 مليون برميل يومياً.
وحال احتلال صدام للكويت في 2 آب 1990.. نفذ الحصار الاقتصادي الشامل على العراق الذي نتج عن قرار الأمم المتحدة رقم 661 الذي صدر في يوم 6 آب / أغسطس 1990.. فأوقفت السعودية تشغيل الأنبوب.. وبقيً النفط العراقي الواصل للسعودية محجوزا فيها.. وليجمد الأنبوب تماماً.. كبقية أموال وممتلكات العراق في الخارج.
السعودية تستولي على الأنبوب:
ـ ظلت حالة توقف العمل في الأنبوب مستمرة.. وفي الرابع من حزيران / يونيو العام 2001 أعلنت السعودية أنها وضعت يدها على خط أنبوب النفط العراقي الذي يمر بأراضيها.. وذلك في أعقاب ما وصفته بتهديدات وأعمال عدوانية من جانب العراق.. متهمةً العراق بشن سلسلة من الاعتداءات على نقاط مراقبة الحدود السعودية.
الموقف العراقي:
ـ في حين قالت بغداد في 12حزيران 2001.. إنها تحتفظ بحقها في استرداد الأنبوب بكل الوسائل القانونية المتاحة.. وأكد العراق أن إعلان السعودية مصادرة الأنبوب “أداة ضغط سياسية”.. مؤكداً انه سيطالب باسترداد الأنبوب “بكل الوسائل القانونية”.. وقال ممثل العراق الدائم لدى الأمم المتحدة محمد الدوري قوله أن “هذا الموضوع له صفة قانونية.. وكان يمكن أن يحل ودياً نظراً لوجود اتفاق”.
وأضاف الدوري إن “حكام السعودية أرادوا إعطاء الموضوع بعداً سياسياً.. ليشكل أداة ضغط سياسية على العراق.. وهذا ما تريده الولايات المتحدة في الوقت الذي تسعى فيه الى فرض أفكار ومواقف جديدة على مذكرة التفاهم الموقعة بين العراق والأمم المتحدة” الخاصة بالنفط مقابل الغداء والدواء.. ووصف الدوري قرار السعودية بمصادرة خط أنبوب النفط العراقي: “موقف معادِ آخر يتخذه حكام السعودية ضد العراق”.
الرد السعودي:
ردت السعودية على الموقف العراقي هذا.. في رسالتها إلى الأمم المتحدة: بأن بإمكان العراق أن يخصم مستحقات أي أضرار ناجمة عن إغلاق الخط من المستحقات التي تطالب بها السعوديةُ العراقَ نتيجة الأضرار التي لحقت بها جراء غزو الكويت.
وقال السفير السعودي لدى الأمم المتحدة فوزي الشبكشي في رسالته الى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان بتاريخ 14 حزيران 2001 انه “بعد التهديدات بالعدوان العراقي.. لم يعد هناك أي سبب للإبقاء على هذا الأنبوب”.
وقال الشبكشي إن “الأنبوب بما فيه القساطل.. ومحطات الضخ.. ومستودعات التخزين.. والمصب البحري.. ونظام الاتصال.. ومعدات الشحن.. ستعود بكاملها الى الحكومة السعودية اعتباراً من تاريخ هذه الرسالة”.
واعتبر السفير السعودي إن “التعويض العادل المستحق للحكومة العراقية بعد هذه المصادرة سيكون خفض قيمة المطالب السعودية لإصلاح الأضرار الناجمة عن العدوان” العراقي على الكويت.. مؤكداً إن بغداد تحمل الحكومة السعودية “مسؤولية الخسائر التي لحقت بالعراق” منذ إغلاق أنبوب النفط و”العواقب القانونية المترتبة على ذلك”.. في حين إن السعودية قدمت مساعدات كبيرة.
والحقيقة إن المساعدات السعودية للعراق تجاوزت 25 مليار دولار..وباعتراف السعودية إن هذه المساعدات هي دعم للعراق في حربه ضد إيران.. وليست قرض على العراق..
ظلت الحالة على ما هي عليه.. فالعراق لا يستطيع تقديم شكوى الى الأمم المتحدة على السعودية أو غيرها.. بسبب إن العراق كان تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.. فمحظور عليه أي تحرك دولي.
الموقف العراقي بعد نيسان 2003:
بعد سقوط نظام صدام في نيسان2003 ظلت الحال كما هو عليه.. بل لم تعترف السعودية بالنظام الجديد في العراق.. وبعد عودة العلاقات بين البلدين لم يجري أي جوار أو تغيير في الموضوع.. كباقي الموضوعات الأخرى بين البلدين.
مساعٍ عراقية جديدة:
في أواخر العام 2015 تقدت شركة نفطية سعودية بطلب رسمي الى وزارة النفط العراقية.. باستعدادها لإعادة فتح خط أنبوب النفط العراقي ـ السعودي.. وذكر الناطق الإعلامي باسم وزارة النفط عاصم جهاد: إن: الوزارة تسعى الى فتح الحوارات مع جميع الدول المجاورة لتعزيز العلاقات.. وفتح منافذ جديدة لتصدير النفط الخام العراقي عن طريقها.
موضحاً إن تطوير الحقول النفطية والغازية العراقية سيرفع الإنتاج النفطي خلال السنوات المقبلة.. ما يتطلب إيجاد منافذ تصدير كثيرة.. لاستيعاب الكميات المنتجة من النفط الخام وتسويقها.
من جانبه قال المدير التنفيذي للشركة السعودية علي ماهر.. (إن شركته تنتظر رد وزارة النفط العراقية على الطلب.. للبدء بإعادة تأهيل الأنبوب).. لكن وزارة النفط العراقية لم تتخذ أي أجراء.. كما إن وزير النفط آنذاك عادل عبد المهدي قدم استقالته.. وبقيً طلب الشركة في أدراج الوزارة مهملاً.
ما المطلوب من العراق الآن؟
ـ ألان بعد عودة العلاقات العراقية ـ السعودية وبشكل إيجابي.. وتوجه السياسة السعودية تجاه دعم العراق وتطوير علاقاتها الايجابية معه ومحاربة الإرهاب وداعش.. وسعي العراق لتطوير علاقاته مع دول الجوار بشكل خاص.. لابد من إعادة التباحث مع السعودية بشكل جدي وودي وقانوني لإعادة الأنبوب الى العراق واستثماره بشكل يحقق للعراق والسعودية مصالحهما المشتركة.
والواقع يشير الى إمكانية البلدين الاتفاق إعادة الأنبوب للعراق..أو تشغيله باتفاق لا يضر بمصالح البلدين.. لكن بقاء الأنبوب على هذا الوضع يضر بمصالح العراق.. والعلاقات بين البلدين.