مثل نردده نحن العراقيين أراني أستند عليه وأتكئ على فحواه في مقالاتي، وما نهجي هذا إلا لأن في هذا المثل تعزيز لما أريد البوح به، وقد يغنيني عن الولوج في بحر التفسيرات والتأويلات لقارئ او لآخر. يقول المثل: (إذا حچيت خلي شاهدك حاضر). وحين يستشهد المرء في حديثه بكلمة او عبارة لشخص لايختلف عليه ولاعليها اثنان، يكون ذلك أصدق لكلامه، وأشد وقعا على مسامع المتلقين. ولنا في عراقنا من الشواهد الكثير من الأعلام والشخصيات الذين تزخر بهم أسفار التاريخ، وبمجرد ذكر كلامهم في اي مقال يضفي عليه الرفعة والمصداقية والجمال. وأبلغ مايكون الاستشهاد بعد آية قرآنية أو حديث نبوي متفق عليه، هو أبيات من الشعر لاسيما إذا كانت لشاعر وطني يحب أرضه ويتمسك بها، وهم في عراقنا كثيرون. فمن أراد ان يذكر بغداد من الكتـّاب لامناص له ان يذكر البيت:
بغداد والشعراء والصور
ذهب الزمان وضوعه العطر
او بيت نزار قباني الذي يعشق الحبيبتين؛ بغداد وبلقيس ابنة الاعظمية فينشد:
بغداد جئتك كالسفينة متعبا
أخفي جراحاتي وراء ثيابي
او سيابنا حين يشدو:
بغداد ياأمي ونبض قصائدي
وحبيبتي من لي سواك سبيلا
وكلهم يتغنى بامجاد دار السلام، وهي أهل لكل ماقيل في مكانتها وجمالها. ومايلفت الإنتباه ولاسيما في السنوات الأخيرة التي عاش الإعلام فيها متنفسا عن الضغوط القمعية، ان الكثير من أساتذتي وزملائي الكتاب ينتقون -ونعم ما انتقوا- بيتا لعملاق العراق الجواهري في قوله:
نامي جياع الشعب نامي
حرستك آلهة الطعام
فنعم ماصوروا وما استشهدوا به. فليتك تسمعهم سيدي الجواهري، فقد جاع الشعب عقودا وأسلموا أمرهم للمنام، وما فتئوا متابعين ابيات قصيدتك حين تخاطبهم فتقول:
نامي على الخطب الطوال
من الغطارفة العظام
صدقت سيدي فمازالت الخطب والوعود زادهم في يومهم، لاتسمن ولا تشبع من جوع ولا تؤمن من خوف. ورحلتَ والشعب مازال يستذكر ابياتك، وقد ودعتهم بآخر بيت في ملحمتك حيث قلت لهم:
نامـي اليـك تحيـتي
وعليك -نائمة- سلامي
أرى ان الجواهري كان يلوح ببارقة أمل ان المنام لن يكون أبديا، والجياع سيشبعون يوما ما، ولكن تبقى تساؤلات تبحث عن إجابات مازلنا نضن بها حتى على أنفسنا.. ألم تكن سنة 2003 سنة اليقظة التي كنا نتمناها منذ عقود؟
أولم يكن سقوط النظام السابق حلمنا ونحن نرزح تحت سياطه المريرة بين قمع وتجويع وتهجير وقتل ونفي؟
اليوم لم يعد هناك مسوغ ومبرر في تأخرنا عن الإجابة، فهي أسئلة على الرأس والمرؤوس الإسراع بالإجابة عليها، وإلا فالإثنان شريكان في عرقلة سير عجلة العراق الى الأمام، والإثنان مشتركان في هدم البلد، ولحى الله شاعر الأبوذية حين قال:
الوكت ياصاح بالفرگة ولانه
ولا گلبه انكسر مره ولانه
لا أنت عرفت الحب ولانه
اشتركنا بهدم عش حبنا سويه