يشكل الرقم ثلاثة رقما مميزا في حياتنا، فيه من الماضي شيء وفي الحاضر أشياء وللمستقبل أشياء أخرى. فقد قالوا
(الجدر مايتركب إلا على تلاثة).. وهو مثل يلجأ اليه العراقيون لإثبات أن ثلاثة أشخاص أو ثلاث خصال أو ثلاثة أشياء خير من إثنين في حزم أمر ما وإتمامه على أتم وجه، وقد قال شاعر فيما سبق عن الرقم ثلاثة:
ثلاثة تجلو عن القلب الحزن
الماء والخضراء والوجه الحسن
وللحفاظ على جسم سليم نصحنا الأطباء باعطاء معدتنا حقها في ثلاث هي؛ الماء والهواء والغذاء. وتتعدد الثلاثيات ومناشئها وقائلوها وأهدافها وفوائدها لمن يستغلها بالشكل الأمثل لخدمته، وتدخل في تفاصيل يومياتنا بشكل يضفي عليها معنى وشأنا..
في مقالي اليوم لن أتحدث عن العراق والعراقيين، فهم لديهم من الثلاثيات كما يقول مثلنا: (البيهم مكفيهم).. لكن سأروي ما قرأته عن اليابانيين، وكيف تعاملوا مع الأحداث في منتصف القرن المنصرم وهم المنكوبون آنذاك. فقد سخّروا الرقم ثلاثة لخدمة بلدهم، لاسيما بعد خروجهم من الحرب العالمية الثانية عام 1945 متكبدين خسائر جسيمة من جراء قنبلتي هيروشيما وناكازاكي النوويتين. فوضعوا نصب أعينهم ثلاث ركائز أساسية للنهوض بقوة تمكنهم من مواكبة عجلة البناء والتقدم، بل والتفوق على أقرانهم من الدول، واتخذوا منها قاعدة مثلثة تستند عليها باقي مرافق الدولة المتحضرة، اما رؤوس ذاك المثلث فهي: (القضاء والصحة والتعليم).
أما الرأس الأول، فمادام عادلا ومنصفا للمذنب والبريء معا في آن واحد، ونائيا عن المحسوبية والمنسوبية والنظر الى المواطن والمسؤول وذوي المناصب الرفيعة نظرة القانون، بلا انحياز الى فئة او ضغوط من جهة او تواطؤ مع جانب، تحققت بذلك المساواة ولم يطمع أحد بأخذ أكثر من حقه او ييأس آخر من فقدان حقوقه، وساد بذلك العدل وعم السلام.
وأما الرأس الثاني، فمن منطلق ان العقل السليم في الجسم السليم، وان الجسد المعافى يرقى بالعقل السوي الى حيث الإبداع والإبتكار، فقد أولت السلطات اليابانية اهتماما جديا بجانب توفير الخدمات الصحية في أبعد مناطق البلد، وفتح مراكز طبية تعليمية وتفعيلها بشكل استثنائي وبطاقة قصوى، لإيصال الوعي الصحي الى أفراد المجتمع بجميع شرائحه، فنشأ مجتمع بجسد سوي صحي أثمر عقولا سليمة تفتقت عن اختراعات في مجالات العلوم كافة.
وأما رأس المثلث الثالث فهو التعليم، بدءا من مراحله الأولى، حيث ينقش التعلم في ذهن الطالب وهو يافع ليأتي أكله في المراحل المتقدمة من العمر كمهندس او عالم او باحث، أوالمكانات المتقدمة في قيادة مناصب الدولة كمدير ووزير ورئيس وسفير متعلم، يصلح لقيادة مجتمع قيادة صحيحة.
هنا في عراقنا ماذا لو سأل ساستنا أنفسهم أين نحن من هذا المثلث؟! أينتظرون ان يصبح مربعا ام مخمسا ام مسدسا! ومتى تدخل قاموس مسؤولينا مصطلحات مثل: (المهم والأهم)، (الأولويات والضروريات)، وينأون عن مصطلحات مثل: (المحاصصة والشراكة والحزبية والفئوية)، وما الى ذلك من مفردات (ماتوكل خبز)؟