خاص : كتبت – نشوى الحفني :
بعد يوم واحد فقط من انسحاب “واشنطن” من معاهدة الحد من التسلح مع “روسيا”، وفي خطوة من شأنها إثارة الفوضى والتوترات بين الأقطاب الكبرى، قال وزير الدفاع الأميركي، “مارك إسبر”، يوم السبت الماضي، إنه يؤيد نشر صواريخ متوسطة المدى يتم إطلاقها من البر في “آسيا” في وقت قريب نسبيًا.
ومن المرجح أن تؤدي تصريحات “إسبر” إلى إثارة قلق من نشوب سباق تسلح جديد؛ كما يمكن أن تزيد من توتر العلاقات مع “الصين”.
وردًا على سؤال عما إذا كان يفكر في نشر هذه الصواريخ في “آسيا”، قال “إسبر”: “أجل، أرغب في ذلك”.
وتابع قائلًا للصحافيين المرافقين له في زيارته لـ”سيدني”: “أفضل، (أن يكون ذلك خلال)، أشهر … لكن هذه الأمور تستغرق على الأرجح وقتًا أطول مما تتوقع”.
وانسحبت “الولايات المتحدة”، يوم الجمعة الماضي، رسميًا من “معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى”، التي كانت قد أبرمتها مع “روسيا”، وذلك بعد أن رأت أن “موسكو” تنتهك المعاهدة؛ وهو أمر ينفيه “الكرملين”.
وقال مسؤولون أميركيون بارزون، يوم الجمعة، إن أي نشر أسلحة من هذا النوع سيستغرق سنوات.
ومن المتوقع أن تجري “الولايات المتحدة”، في الأسابيع القليلة المقبلة، اختبارات لإطلاق صواريخ (كروز) من البر، وفي تشرين ثان/نوفمبر 2019، ستسعى “وزارة الدفاع الأميركية”، (البنتاغون)، لإجراء اختبار لصاروخ (باليستي) متوسط المدى. والاختباران لأسلحة تقليدية وليست نووية.
ويحذر مسؤولون أميركيون، منذ سنوات، من أن “الولايات المتحدة” أصبحت في موقف ضعيف بسبب نشر “الصين” صواريخ متطورة على نحو متزايد يتم إطلاقها من البر؛ وعدم تمكن (البنتاغون) من مضاهاتها نتيجة المعاهدة مع “روسيا”.
وقال “إسبر”: “لا أرى سباقًا للتسلح يحدث؛ بل أرى أننا نتخذ تدابير استباقية لتطوير قدرات نحتاجها للمنطقتين الأوروبية وتلك المنطقة”، في إشارة لمنطقة “آسيا” و”الهاديء”.
ولم يكشف “إسبر” عن المناطق المحتملة لنشر مثل تلك الصواريخ في “آسيا”، لكن من المتوقع أن يلتقي بقادة كبار خلال جولته الآسيوية.
تحذير صيني..
ردًا على تصريحات “إسبر”؛ أطلقت “الصين” تحذيرًا لـ”الولايات المتحدة” من تبعات قيامها بنشر صواريخ في منطقة “آسيا” و”المحيط الهاديء”، ودعت أيضًا دول المنطقة، وبشكل خاص “اليابان” و”كوريا الجنوبية” و”أستراليا”، إلى أن تكون “حذرة”.
وقال “فو كونغ”، المدير العام لمراقبة الأسلحة في “الخارجية الصينية”، للصحافيين إن: “الصين لن تبقى مكتوفة الأيدي، وستكون مضطرة إلى إتخاذ تدابير انتقامية في حال نشرت الولايات المتحدة صواريخ متوسطة المدى في هذه المنطقة من العالم”.
وردًا على سؤال، لم يرد “فو” أن يقول ما سيكون عليه رد “بكين”. وحذر قائلًا: “ندعو الدول المجاورة إلى توخي الحذر وعدم السماح بنشر الصواريخ الأميركية على أراضيها، لأن هذا لن يكون في مصلحة أمنها القومي”.
روسيا تتعهد بالدفاع عن نفسها..
من جهتها؛ قالت “روسيا” إنه إذا قامت “الولايات المتحدة” بنشر صواريخ في “آسيا”؛ فإن “موسكو” ستتخذ إجراءات للدفاع عن نفسها، وإنها تتوقع قيام “اليابان” بنشر نظام أميركي جديد لإطلاق الصواريخ.
وسئل “سيرغي ريابكوف”، نائب وزير الخارجية الروسي، عن احتمال نشر “الولايات المتحدة” صواريخ، فقال إن “روسيا” لا تعتزم الدخول في سباق تسلح مع “واشنطن”، ولكنها سترد بشكل دفاعي على أي تهديدات.
وقال في مؤتمر صحافي: “إذا بدأ نشر أنظمة أميركية جديدة، وبالتحديد في آسيا، سنتخذ الخطوات المقابلة التي تحقق توازنًا مع مثل تلك الإجراءات من أجل التصدي لمثل هذه التهديدات”.
وقال إن “موسكو” تتوقع أن تنشر “طوكيو” قريبًا نظام (إم. كيه-41) الأميركي لإطلاق الصواريخ في “اليابان”.
ويبدو أن هذه الخطوة من جانب “أميركا” قد فعلتها لتمارس مزيدًا من الضغوط على “روسيا” و”الصين” لإجبارهما على توقيع اتفاقية أو معاهدة جديدة، حيث سبقت تصريحات “إسبر” تصريحات للرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، عقب إنهاء “معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى”، المبرمة خلال الحرب الباردة، كاشفًا عن رغبته في ضم “الصين” و”روسيا” إلى معاهدة جديدة للصواريخ النووية.
كما أكد “حلف شمال الأطلسي”، الـ (ناتو)، أنه لا يريد العودة إلى “سباق التسلح”.
الكرة الآن في ملعب واشنطن..
تعليقًا على الخطوة الأميركية الجديدة؛ قال “أندريه أونتيكوف”، المحلل السياسي الروسي: “روسيا سترد بما يناسب نشر الولايات المتحدة صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، وسيكون مبنيًا على الخطوات التي تقوم بها الولايات المتحدة الأميركية”، مشيرًا إلى أن: “الكرة الآن في الملعب الأميركي”.
وبَين أن: “الهدف الروسي ليس الإنضمام لسباق التسلح أو التصعيد الجديد مع أميركا بشكل عام وفي المنطقة، ولكن الهدف الروسي هو حماية نفسها وحدودها ومن هذا المنطلق سترد روسيا على واشنطن”.
وأشار إلى أنه: “يوجد سببين أساسيين للموقف الأميركي الذي رفض دعوات روسيا للتباحث؛ وهما رغبة أميركا في تطوير الصواريخ قصيرة والمتوسطة المدى، وأيضًا أنها تريد ضم الصين إلى أي اتفاقية جديدة”.
“خدعة لجر الصين وروسيا لاتفاقية جديدة” !
وتحت العنوان أعلاه؛ كتب “أندريه ريزتشيكوف”، في (فزغلياد) الروسية، حول خدعة لجر “الصين” و”روسيا” إلى اتفاقية صواريخ جديدة لمصلحة “الولايات المتحدة”؛ فيما الأخيرة تنشر صواريخها قرب حدود الدولتين.
وجاء في القال: يفكر الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، بإبرام اتفاقية مع “روسيا” و”الصين” بشأن تقييد الأسلحة النووية. فقد تحدث عن ذلك في اليوم الذي توقفت فيه عن العمل رسميًا المعاهدة “الروسية-الأميركية” حول التخلص من الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى.
وعد بتحقيق تفوق نووي أميركي مطلق..
وفي الصدد؛ قال النائب الأول لرئيس أكاديمية المشكلات الجيوسياسية، “قسطنطين سيفكوف”، لـ (فزغلياد)، إن “ترامب” وعد بتحقيق تفوق نووي أميركي مطلق، على “روسيا” و”الصين”. وهناك طريقتان لحل هذه المشكلة: إنتاج غير مقيد لمزيد من السلاح، أو تقييده باتفاقيات.
ووفقًا لـ”سيفكوف”، فإن مشكلة “الولايات المتحدة” الأولى هي تكنولوجيا تخصيب (اليورانيوم). فهي لا تتخلف فقط عن “روسيا”؛ إنما و”كوريا الديمقراطية” بل و”إيران”. هذا ما يجعل الأميركيين عاجزين عن زيادة الرؤوس الحربية النووية بسرعة. و”لذلك قررت الولايات المتحدة إبرام اتفاقية مع روسيا والصين”.
فالأميركيون يشعرون بالقلق من الصواريخ الصينية المتوسطة وقصيرة المدى، ومن الصاروخ الروسي الثقيل، (سارمات)، الذي يصل مداه إلى عشرات آلاف الكيلومترات، و(أفانغارد فرط) الصوتي، والطوربيد (بوسيدون)، اللذين يمكنهما بمساعدة رأس حربي هائل القدرة؛ “إيصال أميركا إلى عتبة الفناء”.
وهكذا؛ فالأميركيون يريدون تكبيل أيدي “روسيا” بمعاهدة جديدة تمنع نشر أحدث الأسلحة، و”في نفس الوقت إطلاق أيديهم في نشر صواريخ متوسطة وقصيرة المدى وإنتاج أسلحة نووية تقليدية من أجل تحقيق تفوق مطلق على العالم”.
وختم “سيفكوف” بالقول: “سيطلب الأميركيون من روسيا التخلص من طوربيدات (بوسيدون)، وسوف يسعون إلى منع نشر مجمعات (أفانغارد) وصواريخ (سارمات). ومن الصين، سينتزعون تخفيض حاد في الصواريخ متوسطة المدى”.
لا توجد دولة تستطيع دخول أي حرب..
من جانبه؛ قال أستاذ العلوم السياسية والمتخصص في الشأن الأميركي، “عقل كيروز”: “لا يجب على أي دولة في العالم أن تتهم منافستها بشيء، لأن ذلك يعني أنها تريد مصالحها فقط دون غيرها”، موضحًا أنه: “لا توجد دولة تستطيع دخول أي حرب مهما كانت قوتها؛ لأن هذا يعني نهاية العالم في ظل انتشار السلاح بجميع أنواعه، خاصة النووي”.
ولفت: “كل الاتفاقات الموقعة بين الدول الكبرى يتم إنتهاكها واختراقها ولا أحد يطبقها”، موضحًا أنه: “يجب الحد من انتشار الأسلحة في ظل الدول التي يتواجد بها سلاح نووي، في مقدمتها أميركا وروسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران والهند وباكستان”.
يمهد لدخوله بالحملة الانتخابية..
وقال “زيدان خوليف”، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، إن: “ترامب يريد تصدير مشاكله الداخلية إلى الخارج، وبالتالي أضاف إلى ما يفعله مع كوريا وإيران، أضاف إلى ذلك هذا الانسحاب الذي يمهد إلى دخوله بالحملة الانتخابية في الحقبة الثانية من الحكم في الولايات المتحدة”.
وذكر: “في نفس الوقت؛ يريد ترامب أن يشد الحبال مع روسيا فيما يخص السلاح الذي يبنى فيما بعد على أكثر من انسحابه من هذه المعاهدة”.
وعن إمكانية استجابة الدول الآسيوية لطلب “الصين”، بعدم نشر الأسلحة الأميركية، أوضح أنه: “سيكون هناك استفزاز من ترامب، وهذه الدول لن تستجيب للمطلب الصيني في هذا التوقيت بالذات الذي لا يوجد فيه وسائل ضغط من الصين على تلك الدول في حين يملك ترامب ذلك”.