From where did you get this?
لم تكن الديمقراطية الحديثة العهد في العراق المعاصر قد استحكمت حلقاتها في الميدان المؤسساتي كي توثق الشدَّ على الفساد المركّب وهو ينهش في أوصال الثروات أفقياً وعمودياً ورحاه تدور على أرض رملية السطوح والمخارج بين ثنائية (التسويف والاستجابة) المبتورة الساقين وتمدد فضاءات (الدولة العميقة) وشيوع ثقافة الفساد المركّب في غياب قوة السلطة وشهامة الدستور وشجاعة القانون.
كل ذلك يجري وسط صراعات الإرادات والكانتونات والأحزاب والتيارات والطوائف والتكتلات والعوائل السلالية والإثنية والقومية وقد تحوّل ديناصور الفساد المركّب السياسي والإداري والاقتصادي والأكاديمي والاجتماعي والإعلامي والثقافي المرعب من ظاهرة مجتمعية أخطبوطية الأذرع إلى (نظام يحكم ويتحكَّم) في متجهات البوصلة وفي كل المفاصل والمستويات من قاعدة الهرم حتى قمة جبل الجليد.
ومما زاد في رسوخه غياب الثقة بين (الحكومة والشارع العراقي) حيث تداعت أمام العراقي الغيور جبال الصبر المرّ فانتفض (تظاهراتياً) لعلّ في متواليات الحناجر الصوتية ما يتمخض عن تحفيز ضمائر الهرم لتوقف (رمال الفساد المتحركة) التي التهمت الزرع والضرع وتحسم بشكل واضح متتاليات فقه توزيع الثروات توازنياً وقاعديا.
لم يعد العراقيون يمتلكون قدرات خارقة على الصبر أمام مدمني السياسة وإمبراطوريات الظل ومافيات الفساد المركّب وعوالم الشبكات العنكبوتية المسرطنة والعلاقات الساخنة مع المفاصل التنفيذية في هرم الدولة وسماسرة الصفقات وحواضنها الطائفية والمذهبية والمناطقية والصنمية حتى تمددت واستطالت في بنية الحدود المعرفية ومقاييس السيطرة النوعية وأصبحت إشكاليات جبهاته المرعبة أمام غياب المباديء والولاءات الضيقة تفوق جبهة الإرهاب الذي يمثل الطرف الآخر لـ(ثنائية الفساد والإرهاب) المدمرة للإنسانية وأمم الأرض.
الديمقراطية الحديثة في العراق المعاصر تأسست محاصصاتياً وهي على دراية منذ البداية الأولى أن الفساد بدأ من الفوضى العارمة التي اجتاحات البلاد والعباد قبيل وبعد 2003م وأصبح الناس في هلع وجزع وهم ينتفضون بعد أن بلغت المِدْية المِحَز والروح الحلقوم وقد امتدّ للبنى التحتية يلاقيه في نقطة الوسط فساد مبرمج من قمة الهرم على مستويات داخلية وخارجية وإقليمية وقد تكثّف في الفضاء العراقي وفق أجندات متباينة الصور والمداخل مصالحاً ومنافعاً وإثراءً غير مشروع ، تغذيه ماكنات الحزبية والولائية والمناطقية والطائفية والمذهبية والقومية وكلٌّ ينهش على وفق طريقة مخصوصة خارج أسوار القانون وبوّابات الدستور وهو يمارس لعبة (بيسبول الفساد) بمهارة الصانع المخادع بعيداً عن نظرية الاحتمالات.
ولما طفح الكيل أصبحت بعض حكومة الحزبيات والكانتونات ومن هم في مفاصل الهرم الحكومي التنفيذي في المتوالية تحاول أن تكبح من جماح القوم الذين يتوالون (زرافاتاً ووِحْدانا) على مملكة العرش العراقي نهباً وسطواً مسلحاً غير مشروع متفننة بشتى أنواع التكتيك (الاستلابي) والشعب العراقي المقهور بمختلف شرائحه يستغيث مشافهة ومصارحة ، إعلاماً ورقياً وألكترونياً أن ثروة الشعب تنهشها الغربان وتمزقها مذئبة الفاسدين والفلوات وممثلو مجلس الشعب (البرلمانيون) في صراع بين الذات والقَسَم المُلزم وبريق الثروات إلا البعض ممن كان ينادي باستحداث قانون (من أين لك هذا). لكن كيف سيتم تداوله وتطبيقاته وهي الفقرة الأصعب إن لم تكن المستحيلة حيث أن أكثر من 90% ممن هم في المناصب التنفيذية العليا وسلالاتهم العائلية قد تمرّغوا في هذا (الإثم العملاق)؟
شُرّع القانون بعد مجاهدات بين (الاستحياء) و(المجاملة) تحت قبة البرلمان وصادق عليه رئيس الجمهورية الدكتور فؤاد معصوم في ذلك الوقت.
القانون (دلالياً) في إشكالية توصيفية بين (المحاربة) و(المكافحة) وحماية المال العام وشتان بين الصيغتين في ديباجة القانون بعد أن أقره ما يقارب الـ 140 عضواً في مجلس النواب ودعا (مساطحة) إليه مرسلاً إلى السلطة التنفيذية للمتابعة وهيئة النزاهة والمسائلة والعدالة لمحاكمة ذلك الشبح المرعب المسمى (الفساد المالي العملاق)!
أجندات تسابقت بعد إقرار القانون لدفع الكرة إلى ملاعب الساسة ورجالات الحكم ومن يدور في أفلاكهم. فالقانون (كرتا نار وجليد) تحطم مرتاديها حتى أن البعض ممن هم في مجلس الشعب تفننوا في عدم مثول القانون أمام منصات (المسائلة والنزاهة) لأنه سوف يتسبب بمشاكل كبرى للمسؤولين من الساسة ورجالات الحكومة والنوّاب وغيرهم.
(من أين لك هذا) يقول الشعب في سبيكته إنه (جبل الجليد الذي أغرق (التايتانكTitanic ) إذا ما تولَّت تطبيقاته الفعلية الجوهرية قوة قاهرة في الحكومة الديمقراطية بعيداً عن الضغوطات والانزياحات والممارسات الخارجة عن القانون ، عندها سيكشف بكل شفافية (عمليات السطو المسلح) على ثروات بيت الدولة العراقية المعاصرة ممن تلوث دمهم بالمال الحرام وتربعواعلى إمبراطوريات المافيا المالية في المصارف الدولية والشبكات العقارية في الدول العربية والأوربية وأن 95% ممن كانوا بالأمس لا يمتلكون حتى قوت يومهم وهم بين مشرَّد ومتسكِّع على أبواب المساعدات وخائف ومتربص أصبحوا الآن يحتكمون على ثروات قد تدخل (موسوعة غينيس للأرقام القياسية العالمية Guinness World Records .
(من أين لك هذا) محاكمة (حيارى الأمس الفائت) وهم بين كهوف وخيام ومنازل عشوائية ومدن صفيح أو لاجئين هرباً من دكتاتوريات مستبدة أو ممن هم من حواضن ومروّجي مزادات أسواق الأنظمة التالفة السالفة ممن غيّروا جِلْدتهم ولبسوا جلابيب (العراق المعاصر) وقد صنع منهم فقر الأمس وتشرّد الزمن الأغبر وحماقات الظلم والقهر لصوصاً محترفين وعتاة دكتاتوريات وأصحاب مصارف وممالك عقارية مرعبة.
لكنّ الشعب تحدّث (تظاهرياتاً) فعلت (حِجارته أصواتاً) في الشارع وعبر منصات التواصل الاجتماعي والمنظومات الإعلامية الورقية والألكترونية وهو يتسائل: إذا كان القضاء العراقي متهماً ـ على رأي من يراه (مُسَيَّساً) ـ فكيف سيقوم بذلك (ديمقراطياً وشفافاً ومهنياً) وكيف سيحاكم القانون دهاقنة المفسدين وفك القرش؟
(من أين لك هذا) وقد ابتدأت الحكومة خطواتها التنفيذية الأولى بإنشاء مؤسسة المفتشين العموميين والنزاهة والمسائلة والعدالة وأن مؤشّراتها للآن لم تداوِ أيّاً من جراحات الفساد المتسرطن وكلُّ هذه المؤسسات كما تراها (المعارضة التقويمية) متّهمة بأنها بين خيارين عملاقين (المناصب والمباديء). بل وتذهب للقول أن الفساد قد دّبَّ مسترسلاً فيها (كما يدبّ النعاس في الجسد المُتْعَب) وبدأت الأطراف تتراخى فمن سيحاسب مَنْ؟ وفي أعلى جبل الجليد تتم سرقة ومصادرة مليارات المال العام بإشراف مبرمج ومؤدلج؟
آليات متشابكة أمام الحكومة متفاوتة القيمة للتطبيقات الفعلية الحارة لقانون من (من أين لك هذا) وهي في رؤيا الشعب بمختلف مستوياته الفكرية ذات قدرات غير مستوفية وأمامها (حصانات) (وصبّاتٍ كونكريتية مخيفة) يحتاج القضاء لقوة ومعصومية (الأنبياء) و(الأئمة) لرفع تجذرها الضارب في أعماق الأرض وملاحقة جُناتها من(جمعيات) و(أحزاب) و(سياسيين) و(وزراء) و(سفراء) ومن هم متربعون على قمم الإثراء غير المشروع ومعهم حواضنهم وسلالاتهم وعوائلهم وأولادهم وأصهارهم ومن هم في سلسلة أتباعهم بمختلف الدرجات والأحساب والأنساب حتى هندسة الأفق اللامتناهي.
صفقات بغطاآت طائفية ومذهبية ومناطقية وحزبية وقومية بل و(حقدية) و (كيدية) و(قومية) تتناوب أركان الفساد المركب خلال الـ 16 عاماً من عمر الدولة العراقية المعاصرة وهي بين يدي السماسرة وتجار الحروب والصفقات والمزادات وأسواق الوظائف حسب سلالمها وتدرجاتها وأسعارها للبيع بالجملة والمفرد في المزادات العلنية والجهوية ومن وراء الكواليس تغذيها أجندات خارجية وعالمية تبدأ من صفقات الانتخابات وبيوعات وشراء الأصوات المتخمة بالجوع السلالي وصناديق الاقتراع والمحطات الانتخابية ومنظومات المفوضية العليا للانتخابات ومن يدور في فلك الاختيار المبرمج ولديه الطاقة والاقتدار على انحرافات البوصلة خارج أسوار القانون.
تشريع (من أين لك هذا) ليس صعباً تنظيرياً باعتباره حقاً ومطلباً شعبياً وديمقراطياً وشفافياً ومؤسساتياً لكنّ تطبيقاته تحتاج إلى (سواعد جبّارة) تمتلك قوة القانون والسلطة ومخطوطة الدستور وبمعيتها عدم التردد والخوف أمام (جبروت المافيات الحزبية والولائية) وعلى (المتولِّي الأعلى) لتنفيذ القانون أن يحتزم بكل موجبات القوة الديمقراطية والمؤسساتية والدستورية دون محاباة أو تقسيط أو مهادنة وعليه أن يتذكر ما قاله المتنبي قبل مئات السنين:
إذا غامرت في شرف مروم *** فلا تقبل بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر صغيرٍ *** كطعم الموت في أمر عظيم
يرى الجبناء أن العجز عقل *** وتلك خديعة الطبع اللئيم
إن كان القضاء حريصاً على تطبيقات القانون الحرفية وليست القشرية أو الفصول المسرحية وبمعيته الحكومة العراقية التنفيذية والدستور فلا بد من اتباع آليات مبرمجة بدقة متناهية من قبل المؤسسات القضائية الرائدة في العراق وبالتعاون حتى مع المؤسسات العالمية المتخصصة في مثل هذه الميادين ذات الآليات العملاقة والشفافية والمهنية في الحفاظ على المال العام واسترجاعه حتى لو كان مهرّباً إلى الخارج باعتبار أن سلطات القضاء العالمي وتجاربها العملاقة في ميادين الديمقراطية والشفافية والمهنية والمحافظة على المال العام وفي مقدمتها أمريكا وبريطانيا تمتلك قوة القانون الدولي العملاقة في كل المؤسسات العالمية حيث تستطيع من خلالها متابعة مصادر ومنابع وجهات المال المنهوب وغسيل الأموال والمصارف التي آوته واقتدارها على استرجاعه منها منقولاً أو غير منقول وإيداعه في الخزينة العراقية.
هل آن الأوان في الديمقراطية العراقية الحديثة لإعلان الحرب على (إمبراطورية الفساد والمفسدين) من خلال قانون (من أين لك هذا) وقد تجاوزت المستوى المحلي والأقليمي والدولي وهي تنخر في أوردة وشرايين النظام المالي العراقي ومحاكمتهم علناً أمام الرأي العام والشعب العراقي المقهور وفقاً للدستور لإعادة بناء جسور الثقة مع الشعب العراقي المقهور دون محاباة أو مجاملة أو تسويف أو تحريف أو تمييز حيث لا أحد فوق القانون؟
لابد ـ هنا ـ من تعاون الماكنة الإعلامية العراقية العملاقة باعتبارها السلطة الرابعة بشفافيتها ومهنيتها المعهودة وصلابتها ـ كما نراها فاعلة ومهابة في العالم المتقدم حيث استطاعت أن تحدث إنقلابات كبيرة في التاريخ العالمي المعاصر ـ لكي يتم التركيز على الأبعاد الجرمية الاقتصادية والإدارية والسياسية والمالية والأكاديمية والتاريخية والأخلاقية والنفسية وأساليبها المفطاة قانوناً سواءً بالرشاوى (العملاقة) و(شراء الذمم) أو(الاتجار بالمخدرات). الصحافة في كل العالم تتربع على عرش عملاق وفق رؤية وخطط وسياسات وبرامج وآليات وهي سلطة لا تقل قوة عن السلطات التنفيذية يرهبها القطاعان العام والخاص على السواء.
يا دولة رئيس الوزراء (الكَي آخرُ ما يُرجى الشفاء به) وليكن تفعيل قانون (من أين لك هذا) واضحاً وصريحاً وصوتاً مسموعاً مع آلياته التي أعتقد أنها مستوعبة من قبل البرلمان والسلطة المركزية والمستشارين القانونيين والاقتصاديين والاجتماعيين والإعلاميين والأكاديميين وسواهم ممن هم في دائرة (المجلس الأعلى لمكافحة الفساد) الذي تمت المصادقة عليه مؤخّراً ويتمتع بصلاحيات إدارية وقانونية رادعة والشعب العراقي يتمنى أن لا يكون هذا المجلس وسواه حلقات زائدة في سلسلة حلقات مكافحة الفساد والمفسدين.
متى يرى الشعب يا (دولة رئيس مجلس الوزراء) مافيات الفساد المركّب أمام القضاء العراقي والرأي العام في مواجهة السؤال العملاق (من أين لك هذا):
لن يكترث القانون إلى مَنْ أنت ومَن أين أتيت ومن هم سلالتك لأن حيازة المال غير المشروع مثل حيازة المخدرات والسلاح يعاقب عليها القانون بشدة.
من أين لك ولسلالتك والمقربين منك هذه الثروة وكشف الأرقام يقول أنك بالأمس لا تحتكم على ما يكفي لمعيشتك وعائلتك؟
كيف ومن أين حصلت على مبالغ المال المرعبة للانتقال من هذه الكتلة إلى تلك؟
كيف ومتى وبواسطة من تم التنازل عن حصتك في البرلمان لصالح مرشح آخر؟
من هي العائلة الفاسدة التي باعتك المنصب بمليونات الدولارات؟
ماهي الوسيلة التي تم بها استلام المبلغ خارج المصرفية والنقدية وماهي مشاريع المقايضة أو سبل التحويل الخارجي؟
كيف حدث لك بركان الثراء وكشوفات دفاتر الذمة تحكي أن لا عهد لك بمثل هذه الأرقام من ذي قبل أنت وعائلتك ومن هم في دائرتهم وكشوفات مصرفية وعقارية مرعبة ؟
متى يرى الشعب يا (دولة رئيس مجلس الوزراء) محكمة (ثورة قانون من أين لك هذا) وهي تقف بجدارة انتصاراً للصبر العراقي الذي تعدى الحدود منذ ازمنة الرماد والقهر وحتى زمانه هذا؟
متى يرى الشعب يا (دولة رئيس مجلس الوزراء) عدم سقوط الجرم مع ثنائية الملاحقة والإدانة وتتبع الخيوط المالية حتى مع المؤسسات الخيرية الأهلية باعتبارها من وسائل (غسيل الأموال)؟
متى يرى الشعب يا (دولة رئيس مجلس الوزراء) تجميد احسابات المفسدين ومذكرات منع السفر وإصدار أوامر التحري والتحقيق العلمي الهادف؟
متى يرى الشعب يا (دولة رئيس مجلس الوزراء) أن المسؤولية الجرمية مركبة الأبعاد يتبادلها الأفراد والجماعات الحزبية والكتل والتيارات؟
متى يرى الشعب يا (دولة رئيس مجلس الوزراء) أن الوظيفة لا تسند قبل تحرّي الدقة في كشف الذمة المالية للموظف هو وأفراد عائلته وأصهاره حتى الدرجة السابعة قبل إجراءات التعيين ويراعى فيها التجديد إلى جانب رأي النزاهة والمساءلة والعدالة
متى يرى الشعب يا (دولة رئيس مجلس الوزراء) الذين يدّعون أنهم في مراتب الأولياء والصالحين من ساسة الأحزاب والكتل والتيارات والكانتونات والسلالات العائلية والمذهبية والطائفية والقومية ماثلين أمام القضاء العراقي الديمقراطي المستقل الصارم وهم يقلبون أطرافاً شاخصة ويدّعون كذبا ويقسمون زوراً أنه (والله لو كانت خيانتك ـ أيها العراق ـ حلالاً ما خنتك وقد إئتمنتني السلطة والشعب على مواريث العراقيين. وحقِّ العرش وربه ما دققت باباً ولا فتحت قُفلاً كي أغتني منه أنا وسلالتي وما وجدنا إلى ذلك سبيلاً قطُّ)؟
قال تعالى:(فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ۖ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ ۚ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ).
الشعب العراقي يا (دولة رئيس مجلس الوزراء) بانتظار التفعيل الحقيقي النافذ لقانون (من أين لك هذا) من أجل دولة مؤسساتية تحترم الإنسان وحقوقه وتقتص بصرامة من مُفسدي المال العام والعابثين.
(جِدارِيَّةٌ لِلْعِراق) لوحات في العراق العظيم أرضاً وحضارة وَبُناةً وتاريخاً مشرّفاً لمن أراد أن يطالع المشهد العراقي المعاصر في لوحات تصويرية وهي من أعمالي الشعرية العمودية الكاملة (موطن الرسل والأنبياء).
اللوحة الأولى
مَنْ صاحَبَ اللهَ فِي عَلْيائِهِ غَلَبا *** وَمَنْ يُغالِبْهُ ساءَتْ فِيهِ مُنْقَلَبا
وَمَنْ رَأَى في هَواهُ الحُكْمَ مَغْنَمَةً **** تُشَعْشِعُ المالَ لا كَدّاً وَلا تَعَبا
وَمَنْ تَولاهُ دَهْرٌ شَحْمُهُ وَرَمُ **** يَرى الحَمِيَّةَ في الْميراثِ مُغْتَصَبا
وَلا يَرى الجُودَ نَفْسَاً في قَرارَتِهِ *** وَلا المعالي بِدينِ المُلْكِ مُصْطَحَبا
وَلا المُروءاتِ في مِيزانِهِ رَجَحَتْ *** وَلا العَزائمَ فيها الهامُ مُختَضِبا
مُزَعْزَعُ النّفْسِ نهَّابٌ بِفِطْرَتِهِ *** أَدْنى مَرامِيهِ يَبْقَى الضِّرْعُ مُحْتَلَبا
فَهَلْ سَيَجْزِى عِراقاً مَحْضُ والِدِهِ *** أَبْشِرْ بِأَعْجَبِ ما جازَى البَنُونُ أَبا
وَيا العِراقُ إِذا مِيزانُها اضْطَرَبا *** أَيْقِنْ بِأَنَّ إِهابَ العَقْلِ قَدْ ذَهَبا
فَانْفُضْ رِداءَكَ وَاسْتَجْلي مَكامِنَها *** كَيْ تُلْحِقَ الرَّأْسَ مِنْ تَلْعابِهِ الذَّنَبا
وَاشْدُدْ حَيازِيمَكَ المفْتُولُ ساعِدُها *** كي تَمْحَقَ الشَّكَّ وَالتَّخْمينَ وَالرِّيَبا
فَلَيْسَ عَدْلاً بُيوتُ المالِ مُفْرَغَةٌ *** وَالمفْسِدونَ تَوالَتْ خَيْلُهُمْ خَبَبا
وَلَيْسَ عَدْلاً نُفُوسٌ تَجْتَني رُطَبَاً *** وَفِي العِراقِ جِراحٌ تَعْلِكُ الكَرَبا
اللوحة الثانية
قِفْ يا عِراقاً بِوَجْهِ المُعْصِراتِ لَظىً *** رَحْبَ الذِّراعِ أَصيلاً أَيْنَما ذَهَبا
فِداءُ نَعْلَيْكَ مَنْ هانَتْ مُروءَتُهُ *** فَأَسْرَجَ الخَطْبَ وَالتَّسْويفَ وَالشَّغَبا
وَأَمْسى يَحْدوهاحَتّى خِرْقَها اتْسَعَتْ *** وَقَدْ تَناهَتْ مَزاداً يُفْزِعُ القِبَبَا
وَالمالُ وَالعَرْشُ مَنْحوتانِ في صَنَمٍ *** وَيَغْضَبُ الدِّينُ وَالدُّسْتورُ إِنْ غَضِبا
وَالحاكِمونَ أَجِنْداتٌ سُرادِقُها *** كُلٌّ يُلاعِبُ فِيها الماءَ وَاللَهَبا
أَوْلاءِ مُعْصِفَةٌ في الأَرْضِ لاهِبَةٌ *** فَمَلْعَبُ المُلْكِ مَبْكى أَيْنَما ذَهَبا
اللوحة الثالثة
عَقّوكَ يا وَطَناً بَلْ عَقُّوا أَنْفُسَهُم *** وَنادَمُوا بِدَعَ الأَهْواءِ وَاللَعِبا
مُحاصَصاتٌ وَأَهْواءٌ وَمَفْسَدَةٌ *** تُسابِقُ الرِّيحَ وَالأَنْباءَ وَالكُتُبا
وَقَدْ تَحامَتْكَ وَالهَيْجاءُ دائِرَةٌ *** وَفَتَّحَتْ أَلْفَ بابٍ تَشْتَكِي السَّغَبا
وَهذهِ شِيمَةُ العُلّاسِ لا عَجَبا *** عَليها قَد فُطِموا وَاسْتَقْتَلوا عُصَبا
فانْفُضْ جَناحَيْكَ عَنْقاءً مُصوِّحَةً *** وَفَزِّعْ العَزْمَ وَالرّاياتِ وَالقُبَبا
عَزْمَ الحُسينِ أَدِرْها كُلَّما جَشَأَتْ *** مُغاضِباً ثُمَّ أَوْقِدْ حَيْثُما وَجَبا
وَاحْمِلْ بِنَفْسِكَ لِلْجُلّى فَقَدْ جَشَأَتْ *** وَاكْبَحْ جِماحاً وَشُدَّ العَزْمَ مُنتَجَبا
فَما عَرَفناكَ إِلاّ سُؤْدَداً شَرَفاً *** في الموحِشاتِ وَخَيَر الوارِثينَ أَبا
وَقامَةً في الزَّمانِ الصَّعْبِ شامخَةً *** ما زَعْزَعَتْهُ رِياحٌ أَوْ لَها اضْطَرَبا
كُلُّ الذينَ عَلى الرَّوليت مَلْعَبُهُمْ *** صاروا لِتِلْعابِها في غَفْلَةٍ حَطَبا
اللوحة الرابعة
يا سَيِّدي يالعِراقُ الشَّهْمُ مِنْ زَمَنٍ *** التّاجُ تاجُكَ فِيهِ الرَّأْسُ مُعْتَصِبا
لَكَ الحَضاراتُ مُذْ قامَتْ قيامَتُها *** وَالرّاسِخُوَن عَلى أَحْسابِها حَسَبا
حَتّى غَدَوْتَ لِكُلِّ الخَلْقِ قِبْلَتَهُمْ *** حَجُّوا إِلَيْكَ وَأَحْنوا هامَهُمْ عَجَبا
وَرَغْمَ كُلِّ صُروفٍ ما وَهَنْتَ لَها *** أَوْ لانَ عُودُك بَلْ واجَهْتَ مُنْتَصِباً
فَأَنْتَ لِلأَرضِ وَالإنْسانُ مُكْتَنَفٌ *** عالي الفَنارْ وَصُبْحٌ صَبَّحَ العَرَبا
اللوحة الخامسة
إِنَّ السِّياسَةَ أَلْوانٌ وَفَلْسَفَةٌ *** في كُلِّ شِبْرٍ تَرى في الكَوْنِ مُنْشَعبا
لكِنَّ أَفْجَعُها مَنْ أَغْرَقْت وَطَناً *** بِالموحِشاتِ فَأَمْسى خَدَّهُ تَرِبا
وَأَفْضَعُ السّاسَةِ المرْقومُ قَيْدُهُمُ *** مَنْ زَيَّفُوا القَوْلَ وَالتّارِيخَ وَالأَدَبا
وَعَقُّوا مَنْبَتَهُمْ واسْتَلْأَموا زُمَراً *** وَصاحُوا فِينا مَزاداً يَغْتَلي نَصَبا
وَسَمَّرونا عَلى أَضْلاعِ مَجْمَرَةٍ *** وَقَدْ تَحَيَّرَ فينا القَهْرُ وَاضْطَرَبا
فَلا تُهادِنُ مَنْ في دِينِهِ عِوَجٌ *** وَمَنْ تَسافَلَ في غَلْوائهِ حَسَبا
وَمَنْ تفسَّدَ في مِيراثنا سَفَهاً *** وَلا تُبالي إِذا ما عاتِبٌ عَتَبا
هذي حُقوقُ العِراقيينَ مُذْ وُلِدوا *** فَاقْطَعْ فَدَيْتُكَ لا خَوْفاً وَلا رَهَبا
جُدودُنا وَرَّثوها طابَ مَغْرَسُهُمْ *** فَألْحِقْ الفاسدينَ الرَّأسَ بِالذَّنَبا
***